ينذر فرار الشركات الأجنبية من الاضطرابات العنيفة في مصر برفع معدلات الشغور في المكاتب والمراكز التجارية، وقد يدفع المستثمرين الدوليين لتحويل أموالهم إلى قطاع العقارات في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء. وكان الجيش المصري قد عزل الرئيس السابق محمد مرسي واحتجزه في يوليو/ تموز، ثم أتبع ذلك بحملة أمنية شنها على جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس المعزول، أسفرت عن مقتل نحو 900 شخص. ودفعت هذه الأحداث الكثير من الشركات المتعددة الجنسيات إلى تقليص عملياتها، أو سحب موظفيها، ولاسيما من مناطق وسط العاصمة القاهرة.
وقال خبراء عقاريون إن ضعف الطلب يعني أن مستثمري العقارات قد يتركون سوق الاستثمار العقاري الوحيدة التي كانت قابلة للنمو في شمال إفريقيا، ويستعيضون عنها بالمدن المستقرة نسبياً في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء.
وقال أحمد بدراوي العضو المنتدب لشركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار (سوديك)، إحدى كبرى شركات التطوير العقاري في مصر، إن الطلب على المساحات المكتبية من الطراز الأول تلاشى تقريباً بين عشية وضحاها. و"سوديك" هي صاحبة مشروع "إيستاون" في القاهرة الجديدة، الذي يتضمن إنشاء مكاتب ومتاجر ومنازل على مساحة 97 فداناً.
وتضم قائمة الشركات التي خفضت أو عطلت عملياتها في مصر، أو صفت أعمالها أو سحبت موظفيها في الأشهر الماضية، شركة "أباتشي كورب" و"شيفرون" و"جنرال موتورز" و"إلكترولوكس" و"باسف" و"بي.جي جروب" و"بي.بي".
وفي الآونة الأخيرة جرى استكمال مجموعة من المشروعات التي سعى أصحابها إلى الاستفادة من نقص المكاتب العالية الجودة في القاهرة، ولا تزال بعض المشروعات الأخرى قيد الإنشاء، ولكن تظل هناك شكوك بشأن احتمالات شغلها.
وقالت شركة "جونز لانج لاسال" للاستشارات العقارية في يونيو إن نحو 25 في المئة من أفضل المساحات المكتبية في القاهرة شاغرة، وهي نسبة قالت إنها ستزيد بقدر غير محدد. وفي المقابل تصل هذه النسبة إلى سبعة أو ثمانية في المئة في وسط "باريس" أو "لندن".
وأظهرت بيانات من شركة "نايت فرانك" للاستشارات العقارية أن إيجارات أرقى المكاتب في القاهرة تراجعت إلى 40 دولاراً للمتر المربع شهرياً من 50 دولاراً منذ عام 2009، بينما هبطت إيجارات مساحات التجزئة إلى مائة دولار للمتر المربع شهرياً من 150 دولاراً.
وقال بيتر ولبورن العضو المنتدب لمنطقة إفريقيا بشركة "نايت فرانك": "إذا انتهت فترات إيجار المكاتب في القاهرة، وكان المستأجرون يتطلعون إلى تجديدها، فستكون هناك بعض النقاشات الصريحة للغاية مع المالك، وأتوقع أن يكون هناك تأثير كبير على الاتفاقات الجديدة".
وأضاف بأن المستأجرين قد يسعون إلى خفض الإيجار بمقدار يتراوح بين الثلث إلى النصف.
وذكر خبراء عقاريون أنه لا توجد بيانات عن الاستثمار الأجنبي في العقارات المصرية، لكن التدفق الذي شهدته الأعوام الأخيرة توقف منذ الحملة الأمنية.
وقادت الصناديق الجنوب إفريقية عمليات شراء المباني القائمة في مصر؛ إذ اجتذبتها العائدات أو نسبة الإيجار من قيمة العقار التي تبلغ نحو سبعة في المئة مقارنة مع نحو خمسة في المئة في الإمارات العربية المتحدة. ومن بين المشترين صناديق مرتبطة ب"بنك راند ميرشانت" و"بنك ستانبيك"، وهو وحدة تابعة لمصرف "ستاندرد بنك".
وفي الوقت نفسه قالت حبيبة حجاب المحللة في "بنك بلتون فاينانشال" للاستثمار الذي يتخذ من القاهرة مقراً له إن بعض شركات التطوير العقاري في الخليج سعت إلى الاستفادة من نقص المراكز التجارية والمكاتب العالية الجودة، وتواجه الآن خطر المعاناة والتضرر من تداعيات وفرة المعروض.
ومن بين هذه الشركات "إعمار العقارية" أكبر شركة للتطوير العقاري في "دبي"، التي تنفذ مشروع "أب تاون كايرو" الذي يضم مجموعة فاخرة من المنازل والفنادق وملاعب الجولف في هضبة المقطم المطلة على العاصمة.
وعلى هذه القائمة أيضاً شركة "ماجد الفطيم" المتخصصة في بناء مراكز التسوق، ومقرها "دبي"، ومجموعة "داماك" المملوكة ملكية خاصة في الإمارة، إلى جانب شركة "ديار" القطرية المملوكة للدولة.
وقالت "إعمار" إن مصر لا تزال سوقاً رئيسية، وإن عملياتها مستمرة هناك وفق الخطط الموضوعة. ورفضت شركتا "ماجد الفطيم" و"داماك" التعليق، بينما لم يتسن الحصول على تعقيب من "ديار" القطرية.
ويختلف الوضع تماماً عما كان عليه قبل بضعة أعوام عندما كانت شركات البيع بالتجزئة وشركات تطوير مراكز التسوق تتطلع للاستفادة من سكان مصر البالغ عددهم أكثر من 85 مليون نسمة، معظمهم من الشباب الذين يتوق الكثيرون منهم إلى أنماط التسوق الغربية، ومن ثم تبني مراكز تجارية ضخمة على غرار تلك الموجودة في دبي.
ويعني حظر التجول في مدينة يستمتع سكانها بالتسوق ليلاً أن الكثير من بائعي التجزئة يعدلون خططهم. وتشير تقديرات شركة "جونز لانج لاسال" الاستشارية إلى أن نسبة الشغور في مراكز التسوق البالغة 25 في المئة حالياً سترتفع مع استكمال المزيد من المشروعات.
وقالت مصادر من قطاع العقارات إن المحادثات الرامية لجلب علامات تجارية فاخرة مثل "هارودز" و"جوتشي" و"برادا" إلى مصر معلقة أيضاً.
وقال "ولبورن" من "نايت فرانك" إن مصائب مصر فوائد لمنطقة إفريقيا جنوب الصحراء، مشيراً إلى مدن مثل "لوساكا" في زامبيا و"أكرا" في غانا و"لاجوس" في نيجيريا و"نيروبي" في كينيا.
وأضاف: "ثمة الكثير من الأموال الخليجية التي تبحث عن مكان لها في شمال إفريقيا ومنطقة إفريقيا جنوب الصحراء. أعتقد أنكم ستشهدون الآن المزيد من التوجه إلى منطقة إفريقيا جنوب الصحراء".
وتبين أن قطاع الإسكان في مصر أكثر مرونة، ويمكنه أن يخفف من الضربة التي تلقتها شركات التطوير العقاري القادرة على تحويل مشروعاتها.
وقال بنك "إتش.إس.بي.سي" في مذكرة في وقت سابق هذا العام إن الناس يستثمرون في قطاع الإسكان للحفاظ على ثرواتهم، ويساعدهم على ذلك انخفاض قيمة العملة وتقلب البورصة. وقالت "جونز لانج لاسال" إن أسعار شراء الوحدات السكنية وإيجاراتها زادت ثمانية في المئة في الربع الثاني مقارنة مع عام 2012.
ومن بين الشركات العقارية التي تعيد تصميم مشروعاتها على عجل شركة "سوديك" التي قللت مساحات المكاتب والتجزئة في مشروعها ايستاون. وقال "بدراوي" إن الشركة ستتخذ من المساحات السكنية مجالاً لها لبعض الوقت.
وقال "ولبورن": "كان من المفترض أن يتمخض الربيع العربي عن مستوى أعلى من التواصل بين رجل الشارع والساسة، لكنه أدى في الواقع إلى إبعاد المستثمرين الأجانب".