جوليان اسانغ، الذي كشف موقعه "ويكيليكس" الجمعة 400 ألف وثيقة سرية حول حرب احتلال العراق، يسلط الأضواء على الفضائح الخفية في العالم، لكنه شخصية غامضة وبارعة في إحاطة نفسها بالسرية. اسانغ مؤسس موقع "ويكيليكس" متخصص بتسريب وثائق سرية، وهو أسترالي في التاسعة والثلاثين من عمره، يجمع معلومات من العراق إلى كينيا مروراً بأيسلندا والحرب في أفغانستان. وقال مؤسس "ويكيليكس" في أغسطس المنصرم: "نريد تحقيق ثلاثة أمور: تحرير الصحافة وكشف التجاوزات وإنقاذ الوثائق التي تصنع التاريخ". وبنشره 77 ألف وثيقة عسكرية سرية حول أفغانستان في 23 يوليو أثار زوبعة إعلامية وسيلاً من الانتقادات، خصوصاً من وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون)، التي تتهمه باللامسؤولية وبتعريض حياة مدنيين وعسكريين للخطر. وفي نهاية سبتمبر دافع عن نفسه قائلاً: "إن هدفنا ليس فضح أبرياء، بل العكس تماماً". وأضاف "أعتقد أن رسالة هذه الملفات أقوى، وفهمها ربما أسهل من الوضع المعقد في أفغانستان". وجاءت تصريحات اسانغ بعد ساعات من نشر موقع "ويكيليكس" نحو 400 ألف وثيقة سرية للجيش الأمريكي حول حرب العراق. ويعد كشف هذه الكمية من الوثائق "أكبر عملية تسريب لوثائق عسكرية سرية في التاريخ". وأصبح اسانغ الرجل الذي يخيف وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) الأمريكية، صائد التجاوزات ورسول الشفافية، لكنه يبقى لغزاً؛ حيث يرفض لأسباب عديدة، منها الاحتراز، البوح بتاريخ ولادته بدقة، وقال: "نواجه منظمات لا تخضع لأي قوانين. نحن أمام وكالات استخبارات". وبعد أيام من هذه المقابلة اتهم جوليان اسانغ في قضية اغتصاب في السويد، لكنه نفى تورطه نفياً قاطعاً، وتحدث عن "قضية مفتعلة". وُلد اسانغ في 1971 - يرفض أن يذكر أي تفاصيل - في مانييتيك ايلند شمال شرق أستراليا، لأبوين من نشطاء السلام، التقيا في مظاهرة ضد حرب فيتنام، ومن بعدها عاش طفولته متنقلاً؛ ما أدى إلى دخوله 37 مدرسة، كما روى لوسائل إعلام أسترالية. وأمضى سن المراهقة في ملبورن حين اكتشف موهبته في القرصنة المعلوماتية. وضبطته الشرطة، لكنه تمكن من الإفلات باعترافه بذنبه، ودفع غرامة وقسم بأنه سيحسن السلوك. ويضيف "أصبحت بعد ذلك مستشاراً أمنياً، وأسست أولى شركاتي للخدمات المعلوماتية في أستراليا، وكنت مستشاراً في التكنولوجيا وباحثاً في الصحافة، وشاركت في تأليف كتاب". وفي تسعينيات القرن الماضي أسس مجموعة "ويكيليكس"، التي ليس لها مكاتب ولا موظفون منتظمون تُدفع لهم رواتب، ويُعرف أعضاء المنظمة – باستثناء اسانغ - بحروف رمزية. وعن طريقة العمل تقول الصحيفة: عندما يتم إرسال أية وثائق أو معلومات إلى موقع "ويكيليكس" يتم توجيهها مباشرة إلى حاسب في السويد، ومن ثم يتم نقلها إلى "سيرفر" أو "خادم" في بلجيكا، قبل أن يتم تحميلها إلى مواقع أخرى؛ بهدف إخفاء أصول الوثائق عن أعين أجهزة المخابرات، ثم تعود الوثائق مرة أخرى إلى موقع "ويكيليكس". أما عن وثائق الجيش الأمريكي فقد كانت مشفرة، واستغرق اسانغ ومجموعة من المتطوعين شهوراً لفك شفرتها. ويزن هذا الرجل الممشوق القامة والمهذب وصاحب الابتسامة الساخرة كل كلمة يتفوه بها، ويتمهل قبل الإجابة؛ ما يجعل خطابه واضحاً وشفافاً ومتقناً جداً. ويصعب معرفة أي شيء عن تنقلاته؛ فهو يرفض القول من أين أتى وإلى أين يذهب، وينتقل من عاصمة إلى أخرى، ويسكن لدى أنصار أو أصدقاء لأصدقاء. ومنذ نشر وثائق سرية عن أفغانستان أحاط نفسه بسرية تامة. وتعدُّ أيسلندا والسويد؛ حيث يحظى بدعم وبتشريعات مواتية، محطتين مفضلتين في رحلته الدائمة في العالم، من لندن إلى نيروبي، ومن هولندا إلى كاليفورنيا، إلا أن السويد رفضت منحه تصريحاً بالإقامة هذا الأسبوع. بقي القول إن حقيقة مؤسس موقع "ويكيليكس" ودوافعه ربما تظلان مخفيتين حتى يأتي من يسربها أو تتضح الصورة برمتها بعد مضي الوقت.