لا يتعلق الأمر بنشر معلومات عسكرية أو استخباراتية، ولكن حق الرأي العام في امتلاك المعلومة، تلك خلاصة مبررات موقع ويكيليكس في كشف وثائق سرية حول الحرب في العراق وأفغانستان، وتسلط الأضواء على الفضائح المخفية في العالم. ولم يتوقف جوليان أسانج مؤسس الموقع عند ذلك، ولكنه يذهب بعيدا في التعبير عن حقه في نشر تلك الوثائق «نريد تحقيق ثلاثة أمور: تحرير الصحافة وكشف التجاوزات وإنقاذ الوثائق التي تصنع التاريخ». أسانج شخصية غامضة وبارعة في إحاطة نفسها بالسرية، أسترالي في ال39 من عمره، يجمع معلومات من العراق إلى كينيا مرورا بأيسلندا والحرب في أفغانستان، أسس موقع ويكيليكس ليتخصص في تسريب الوثائق السرية، وقد أثار بنشره 77 ألف وثيقة عسكرية سرية حول أفغانستان في 23 يوليو الماضي زوبعة إعلامية وسيلا من الانتقادات، خصوصا من وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» التي تتهمه باللامسؤولية وتعريض حياة مدنيين وعسكريين للخطر، غير أنه دافع عن نفسه «هدفنا ليس التجريح بأبرياء، بل العكس تماما». وبما نشره من وثائق غاية في السرية، أصبح أسانج الرجل الذي يخيف وكالة الاستخبارات المركزية «سي. آي. إيه» الأمريكية، صائد التجاوزات ورسول الشفافية، لكنه يبقى لغزا يرفض، لأسباب عديدة منها الاحتراز، البوح بتاريخ ولادته بدقة، غير أنه يعرف عنه أنه ولد في العام 1971 في مانييتيك آيلند شمال شرقي أستراليا، وقد أمضى طفولته متنقلا؛ ما أدى إلى دخوله 37 مدرسة، كما روى لوسائل إعلام أسترالية. سرية تامة قضى أسانج سن المراهقة في ملبورن حين اكتشف موهبته في القرصنة المعلوماتية، وضبطته الشرطة لكنه تمكن من الإفلات باعترافه بذنبه ودفع غرامة وأقسم بتحسين سلوكه «أصبحت بعد ذلك مستشارا أمنيا وأسست إحدى شركاتي الأولى للخدمات المعلوماتية في أستراليا، وكنت مستشارا في التكنولوجيا وباحثا في الصحافة وشاركت في تأليف كتاب». أسس موقع ويكيليس في العام 2006 مع «نحو عشرة أشخاص آخرين جاؤوا من وسط حقوق الإنسان ووسائل الإعلام والتكنولوجيا العالية»، على حد تعبيره. ويزن هذا الرجل الممشوق القامة والمهذب وصاحب الابتسامة الساخرة، كل كلمة يتفوه بها ويتمهل قبل الإجابة؛ ما يجعل خطابه واضحا شفافا ومتقنا جدا، ويصعب معرفة أي شيء عن تنقلاته فهو يرفض القول من أين أتى؟ وإلى أين يذهب؟ وينتقل من عاصمة إلى أخرى ويسكن لدى أنصار أو أصدقاء له، ومنذ نشر وثائق سرية عن أفغانستان أحاط نفسه بسرية تامة، ولكن تعد أيسلندا والسويد حيث يحظى بدعم وبتشريعات مواتية محطتين مفضلتين في رحلاته الدائمة في العالم، من لندن إلى نيروبي ومن هولندا إلى كاليفورنيا. وثائق دقيقة عندما نشر موقع ويكيليكس 400 ألف وثيقة للجيش الأمريكي كان ذلك أكبر عملية تسريب وثائق في تاريخ الجيش الأمريكي، وهي تكشف «حقيقة» الحرب في العراق، ولم يكن ذلك، بحسب أسانج، سوى كشف الحقيقة «في زمن الحرب، تبدأ الهجومات على الحقيقة قبل بداية الحرب وتستمر بعدها»، وذلك في إشارة إلى تكتم الجيش عن حالات التعذيب وحصيلة العمليات، وانتقادات البنتاجون والحلف الأطلسي لتسريب الوثائق السرية «التي من شأنها تعريض حياة الجنود للخطر»، كما قال. وقد اجتهد الموقع المثير للجدل في تدقيق الوثائق التي بحوزته وتوصل إلى أن التقارير التي جمعها الجيش الأمريكي تتيح التوصل إلى حصيلة مفصلة لنحو 109 آلاف قتيل منهم 66 ألف مدني، وقال أسانج «مقتل شخص هنا واثنين هناك تسفر في نهاية المطاف عن عدد كبير للقتلى في العراق». وكشف الموقع عن «أكثر من 300 حالة تعذيب وأعمال عنف ارتكبتها قوات التحالف بحق الأسرى»، وأحصى أكثر من ألف عملية قتل من قبل القوات العراقية. كل شيء متاح وبالنسبة لردة فعل البنتاجون برر كبير المتحدثين باسم وزارة الدفاع العقيد ديفيد لابان: «لم نرد إخطار الناس مسبقا ومن ثم لا تظهر أسماؤهم في المستندات المنشورة.. رأينا أنه ما من داع لإزعاجهم دون سبب». وأدان البنتاجون نشر ملفات العراق السرية، التي قال الموقع الإلكتروني إنها بلغت 391،832 تقريرا «هذه معلومات مصنفة سرية وليس للعرض على الجمهور.. أبرز مخاوفنا أنها قد تعرض قواتنا لخطر أكبر مما هي عليه في الأصل بأرض المعارك لأنها تكشف التكتيكات والتقنيات والإجراءات، وكيفية عملهم بساحة القتال وكيفية ردهم على هجمات، وقدرات أجهزتنا.. كيف ننمي المصادر «و» وكيف نعمل مع العراقيين». وقال موقع ويكيليكس إن الوثائق التي تمتد من العام 2003 حتى عام 2009 تعرض بالتفصيل مقتل 66081 مدنيا في الحرب العراقية، وكشفت الملفات السرية عن 109 وفيات في العراق، منها 66،081 مدنيا، و23،984 من المسلحين، و15196 من قوات الأمن العراق بجانب 3،771 من قوات التحالف .