ضربت الاستقالة المفاجئة لرئيس الائتلاف السوري المعارض معاذ الخطيب خطط القمة العربية بالدوحة، في تجمع الجهود الغربية والعربية لإنهاء الحرب وحكم نظام الرئيس بشار الأسد. ودبَّت الفوضى في صفوف المعارضة أمس الأول الأحد، عندما أعلن "الخطيب" أحد أكثر أعضائها شعبية استقالته من زعامة الائتلاف، مما قوض مقولة: إن الائتلاف يمثِّل بديلاً متماسكاً للرئيس بشار الأسد، في ظل رفض الجيش السوري الحر، لغسان هيتو- المحسوب على الإسلاميين- رئيساً لحكومة المعارضة. وسيجعل قرار الاستقالة الذي جاء قبل القمة العربية يومي الثلاثاء والأربعاء في قطر الأمر أشد صعوبة على الزعماء المجتمعين لإخفاء الانقسام بين قوى المعارضة، والذي أثنى الغرب حتى الآن عن تزويدها بدعم عسكري حاسم. وإذا بدا الاضطراب على القمة فقد يتلقى "الأسد" دعماً معنوياً كبيراً، في حين سيواجه دور الزعامة القطري في رعاية المعارضة مزيداً من التدقيق. وقال "نيكولاوس فان دام" الدبلوماسي الهولندي السابق والمؤرخ المتخصص في السياسة السورية ل"رويترز": "إن نتيجة استقالة الخطيب تبدو كفوضى، حتى بالمقارنة مع جهود فاشلة سابقة للمعارضة لتكوين جبهة موحدة ضد الأسد". وأضاف "إنها تعود إلى المربع رقم واحد، فيما يتعلق بتكوين موقف مشترك". وتكثر الخلافات في صفوف المعارضة، سواء بين الليبراليين ومختلف فصائل الإسلاميين، أو بين من يعيشون في المنفى والجماعات التي تنشط داخل سوريا، وأخيراً بين من يسعون لتسوية سياسية ومن يصرون على أن العمل العسكري هو الحل الوحيد. وينظر إلى "الخطيب" كشخصية معتدلة تمثل حصناً ضد النفوذ المتزايد لجماعات سنية متشددة مرتبطة بالقاعدة وتحارب في صفوف المعارضة. وكان من المقرر أن يحضر "الخطيب" (53 عاماً) القمة بوصفه زعيماً للائتلاف، وهي خطوة من شأنها أن تعزِّز الدعم الإقليمي له ومعنويات المعارضة المسلحة، وربما كانت ستؤدي إلى مزيد من التمويل العربي والغربي. ورفض "الخطيب" ذكر أسباب قراره الاستقالة، لكنه أشار إلى خيبة أمله إزاء جهود لتقويض سلطته منذ اقترح إجراء محادثات مع حكومة "الأسد". ويتعين على قطر التي تستضيف القمة القيام بإجراءات دبلوماسية ماهرة؛ للتغلب على الشعور بالفوضى وخيبة الأمل في صفوف المعارضة. وقال سلمان شيخ مدير مركز "بروكينجز الدوحة": "إن الاستقالة كانت تلوح في الأفق منذ فترة، لكن الطريقة التي قدمها بها بعدما قدمت الدولة المستضيفة للقمة كل هذا الدعم للمعارضة، لم تكن بالتأكيد موضع ترحيب". وأضاف "أنه لا يمكن إخفاء الخلافات في صفوف المعارضة، بل وفي الجامعة العربية نفسها". ولفت "أنه حتى إذا تمكنت القمة من الخروج ببيان قوي وجاد، فسوف تظل المعارضة في فوضى حقيقية، وبحاجة لأن تصبح أكثر تعددية وتمثيلاً". وأعرب عن اعتقاده بأن عدم حدوث ذلك يعني أن أيام هذا الائتلاف معدودة. وقال "الخطيب" أمس الإثنين: إنه رغم تقديمه استقالته سيلقي كلمة أمام القمة باسم الشعب السوري. و"الخطيب" عذب اللسان ويجمع بين التسامح الديني والواقعية السياسية، بحكم نشأته في العاصمة دمشق متعددة الثقافات، وهو أكثر أعضاء الائتلاف شعبية داخل سوريا، حتى بين من نأوا بأنفسهم عن الانتفاضة. وشكل الائتلاف في الدوحة في نوفمبر بديلاً ل"الأسد"؛ ليحل محل المجلس الوطني السوري الذي يمثل مظلة لجماعات معارضة أخرى، وتأثر بدرجة كبيرة بنفوذ جماعة الإخوان المسلمين القوية. ويشكل الإخوان وحلفاءهم حالياً كتلة مهيمنة داخل الائتلاف، لكنه لم ينفض عن نفسه صورة أنه يتشكل في أغلبه من أعضاء منفيين مدعومين من الخارج ومنهمكين في الصفقات سياسية. ويبرز بالائتلاف مركزَا قوةٍ؛ أولهما جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها داخل وخارج المجلس الوطني السوري، وثانيهما الأمين العام للائتلاف مصطفى صباغ الذي ينظر إليه على نطاق واسع، باعتباره يتمتع بصلات قوية مع قطر. وعلى غير رغبة الخطيب دفع الجانبان الأسبوع الماضي من أجل سرعة تعيين غسان هيتو، وهو خبير اتصالات ذو ميول إسلامية كرئيس وزراء مؤقت. ولفتت إلى أنه عندما اختار الائتلاف "هيتو" في تصويت أمام وسائل الإعلام في إسطنبول، كانت النتيجة مرتبة بدرجة كبيرة، حتى إن إحدى القنوات التلفزيونية العربية أعلنت الفائز قبل الإدلاء بأي صوت. وضعف "الخطيب" كثيراً، إلا أنه ربما قام بتحرك ذكي بالنأي بنفسه عن الائتلاف وعن حكومة للمعارضة، يقول البعض: إن مآلها الفشل. ورحيل "الخطيب" قد يكون اختباراً للدور الذي صنعته قطر لنفسها كراع رئيس للمعارضة. وقال "مايكل ستيفنس" الباحث لدى المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن والمقيم في الدوحة: "إنه بعد استقالة الخطيب سيرغب القطريون الآن في ضمان وحدة الموقف خلال القمة، رغم أن كيفية تحقيق ذلك غير واضحة". وأضاف: "في نهاية المطاف أراد القطريون أن يتصدروا هذه القضية، لكن الأمر لم يتطور بهذا الشكل". وقال مسؤول في الجيش السوري الحر المعارض: إن القوة المعارضة لا تؤيد "هيتو"، في دلالة على الارتباك بعد استقالة "الخطيب". وكان المتحدث باسم الجيش الحر "لؤي مقداد" قال: إنهم لا يؤيدون "هيتو" أو أي رئيس آخر للوزراء، ما لم يتم اختياره على أساس توافقي.