تبقى آمال المواطن السعودي في الحصول على قطعة أرض يقيم عليها مسكناً له ولأبنائه "حلماً قائماً" , حتى يهرب من كابوس الإيجار الذي يطارده مع نهاية كل شهر, ففي ظل شح توزيع الأراضي وارتفاع أسعارها بلا مبرر وغياب الرقابة التامة, يقول البعض إن هذا الكابوس لن ينتهي. ففي "مدينة تبوك" تحديداً وهي إحدى المدن التي يعاني ساكنوها ارتفاع أسعار أراضيها في مخططات ينعدم فيها الحد الأدنى من الخدمات الحكومية كالمياه والصرف الصحي وتوفر المدارس بكل مراحلها, تطرح عدة أسئلة ينتظر المواطن من المسؤول إجابات شافية عليها وحلولاً تضمن له العيش بكرامة, ما سبب ارتفاع أسعار الأراضي على الرغم من الخدمات المتواضعة في تلك المخططات؟, ولم يقتصر الارتفاع على الأراضي الجرداء فحسب بل ألقت بلهيبها حتى على الشقق السكنية الضيقة فبات المواطن التبوكي يقتسم حجر الشقة مع أولاده وضيوفه, فلم تعد شقة العمر أو عش الزوجية كما كان مخططاً له, ولم تحقق آمال رب الأسرة في لم شمل زوجته وأبنائه, ولم يستطع رب الأسرة تهيئة المكان المناسب ليؤدي أبناؤه واجباتهم أو يستذكروا دروسهم أو يناموا في بيت فسيح أو حتى متوسط, بل اضطرّ إلى أن يودع أولاده" عند أهله أو أهل زوجته هرباً من شبح الإيجارات, فلم يعد مرتب المواطن العادي قادراً على مقاومة جشع تجار العقار وسماسرة الأراضي, ولم تفلح الزيادات التي أقرتها الدولة "أعزها الله" في رواتب موظفيها في السنوات الماضية من كبح جماح هذا الارتفاع, بل استغلها الكثير من سماسرة العقار لممارسة هوايتهم في رفع أسعار الشقق السكنية, لتصل إلى أرقام خيالية لا تتناسب أبداً مع مستوى دخله الشهري, فبات الموظف الكادح بين سندان التاجر ومطرقة الرقابة حتى قالوا عنها إننا لم نلمس جهودها إلا على بعض صالونات الحلاقة فحسب.
"سبق" تنقل معاناة أهالي تبوك وحكاياتهم المستمرة مع ارتفاع شقق الإيجار والأراضي.
ماجد الجابري يقول وهو موظف حكومي يسكن في حي المروج أ: أضطر إلى أن أدفع مقابل سكني أربعة وعشرين ألف ريال سنوياً أي ما يعادل 2000 ريال شهرياً, وقال كنت في السابق قبل ثلاث سنوات أسكن ب 18000ريال, وقال لا أعرف ما السبب وراء هذا الارتفاع, وأنني أجد نفسي مضطراً إلى السكن في هذه الشقة التي تتعدى أربع غرف وصالة, بحكم قربها من عملي وتوفّر الخدمات فيها وقربها أيضاً من المدارس, ولا أستبعد أن يتم رفع الإيجار في أي لحظة.
فيما بيّن مهدلي الحكمي: أنني حاولت التقديم على أراضٍ سكنية لعلني أسلم من الإيجار الشهري ولم أتحصل على أرض سكنية حتى الآن, وعندما عزمت لشراء أرض سكنية لم أستطع فأسعارها وصلت إلى 200000 و300000 ريال في المخططات كالريان، وقال كل المخططات أسعارها متشابهة في ارتفاع سعرها.
وتابع: أنني سألت عن أسعار البناء في حال شراء الأرض فجاءت المفاجأة بأن سعر بنائها "عظم " فقط يصل كحد أدني 60000 ريال، فبهذه الحسبة وبمقارنة بمرتبي لن أتمكن من بناء مسكن, وأوضح أن هذه الأراضي تفتقد للخدمات الحكومية كشبكة المياه والصرف الصحي، وأكد أن المستأجرين بهذه الأحياء ما زالوا يستخدمون الوايتات لجلب المياه وكذلك وايتات الصرف الصحي.
فيما وصف عبدالعزيز العنزي أسعار العقار في تبوك "بالمخيفة"، فالشقة ذات الثلاث غرف تصل إلى 1800 ريال شهرياً, وقال العنزي: إنني أتقاضي شهرياً 5800 ريال يقتص الإيجار منه 1800 ريال, بالإضافة إلى قسط البنك التجاري فماذا عسى أن يفعل لي الباقي, وقال إيجارات الشقق السكنية لا رقابة عليها ولا أعرف هل عليها رقابة أصلاً ومَن الجهة المسؤولة عنها.
وتابع: أستغرب من هذا الارتفاع المتكرر فشقتي التي أسكنها منذ أربع سنوات حتى إنني ما زلت أحتفظ بالإيصالات, سكنت في البداية ب 1400 ريال شهرياً وباشر صاحب العقار برفع الإيجار حتى وصل 1800 ريال، وبيّن أن مع كل زيادة في الراتب يقابلها ارتفاع في أسعار الإيجارات, حتى إن الإشاعات التي يتداولها البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي أخيراً حول عزم الدولة صرف بدل السكن لم تسلم من تهديد أصحاب الشقق برفع إيجارات عقاراتهم, وتابع "العنزي" أن عذر صاحب العمارة في رفع الإيجار بشكلٍ مستفز قوله إن كل شيء مرتفع.
وقال العنزي معلقاً هل يتوقع صاحب العقار أن كل شيء ارتفع فقط عليه وحده فإنه ارتفع علي أيضاً, وقال نتمنى وجود لجان تساهم في وقف هذا التلاعب, وأضاف أن العمارة التي بناها صاحبها قبل خمس عشرة سنة يعمد إلى رفع الإيجار على الرغم من تحقيقه لربح ما دفعه في عمارته خلال المدة الطويلة الماضية.
فيما رأى عامر الزهراني أن ارتفاع أسعار إيجارات الشقق بات سبباً رئيساً لبعض من أعرفهم في ترك وظائفهم لعدم تمكنهم من إيجاد السكن المناسب, فهو غير قادر على تكوين أسرة مستقرة فتجده يبحث عن العيش في المحافظات الصغيرة أو القرى ويعمد إلى العمل في أسواق الخضار أو المواشي أو غيرها من المهن ليكون قريباً من أهله.
وتابع الزهراني عدم إيجاد المسكن المناسب يسبب أيضاً حالات طلاق كثيرة وهذا معروف وكذلك عزوف عن الزواج، وأضاف أن وجود القطاعات العسكرية بتبوك كانت سبباً في ارتفاع أسعار الإيجارات, على الرغم من أنها تمنح بعض موظفيها إسكاناً, إلا أن الكثير لم يحالفهم الحظ في الحصول على سكن, وقال: إنه من الضروري مساواتنا بزملائنا الذين حصلوا على سكن, بصرف بدل سكن شهري لتكون الكفة متعادلة.
وطلب "الزهراني" من الجهات الرقابية العمل الجاد لتحديد أسعار الشقق بحسب غرفها وإلزام أصحاب الشقق بذلك.
فيما رأى سلطان الشهراني أن الإيجارات لا يمكن السيطرة عليها فارتفاعها مبالغ فيه في كل الأحياء، وقال أنا أسكن بإيجار 2000 ريال ل أربع غرفة وصالة, وفي العمارة نفسها التي أسكنها يسكن "جاري" في الملحق ويدفع مقابل سكنه 1650 ريالاً بشقة سقفها من الزنك.
فيما قال مواطن فضل عدم ذكر اسمه: إن صعوبة إيجاد سكن مناسب جعلني أترك أولادي عند أهلهم, وتابع لدي من الأبناء سبعة ولإيجاد سكن مناسب لهم أضطر إلى دفع 2500 ريال, وفي ظل ارتباطي بالتزامات بنكية أجد نفسي عاجزاً عن تأمين سكن لأسرتي وتوفير مصاريفهم الشهرية, ما دفعني لترك زوجتي وأبنائي في قريتنا لاكتفي بزيارتهم في العطلة الأسبوعية.
وتابع: في تبوك الشقة المناسبة المكونة من ثلاث غرف وصالة تصل إلى 1800 ريال، وعن شراء أرض وبناء منزل عليها فهذا أمر بيد الله لا تستطيع تحديده.
فيما قال عادل الغالي من وسطاء التأجير وبيع الأراضي: أسعار الأراضي السكنية مبالغ فيها جداً فحي الريان مثلاً تصل أسعار الأرضى السكنية فيه ل 200000 ريال وتصل 350000 ريال بمساحة 640م, مضيفاً أن هذا الحي لا توجد فيه أي خدمات مثل الصرف الصحي والمياه, وأما المروج ج فالأراضي الآن شحيحة فيها فقد تصل أسعارها إن وجدت تصل 60000 إلى ألف ريال, أما حي البوادي فتصل الأسعار فيه 240000 ريال إلى 40000 ريال, أما حي الصفا والشفا تتراوح أيضاً كحد أدني 200000 ريال وقال إن حي المصيف وأراضيه التي تبلغ مساحة الأرض فيه إلى 800 م تصل حتى550000 ريال، وطالب بتحديد أسعار إيجارات الشقق لضمان الاستقرار.
وقال مدير مياه منطقة تبوك المهندس صالح الشراري إن المخططات الجديدة مكتملة من شبكات المياه والصرف الصحي وجارٍ ربطها ومتوقع خلال شهرين أن يستطيع المواطن الاستفادة منها.
فيما قال مدير فرع وزارة التجارة بمنطقة تبوك محمد سليمان الصائغ إن دورهم يقتصر على مراقبة مكاتب العقار من حيث البيع والشراء والتسجيل, والمخالفات المتعلقة في نسبة العمولة على ألا تزيد على 2.5 %, تأخذ من المستفيد سواء المشتري أو المؤجر, وذلك على ضوء العقد والبيانات الخاصة بالسجل, وتابع قائلاً: أما بالنسبة للزيادة أو الارتفاع فليس لدينا ضوابط عن ذلك.
وقال نائب رئيس اللجنة الوطنية العقارية بتبوك عبدالرحمن الرحيل إن ارتفاع نسبة الإيجار يصل إلى حدود غير معقولة وغير مقبولة قد تصل إلى 50 % وقال إن هذا الارتفاع يتم في الأحياء الجديدة, وتابع ارتفاع الإيجارات عملية طردية مرتبطة بأسعار الأراضي الشحيحة في تبوك.
وأضاف: تبوك لا يوجد بها توسع بالنطاق العمراني فشمالها زراعي, وجنوبها مدينة عسكرية مغلقة, وشرقها زراعي ومحدود فيه النطاق العمراني وغربها أملاك خاصة ومحاطة بالجامعة ومنطقة جبلية, وتابع: تبوك لا يوجد بها شركات عقارية مطورة تتبنى عملية البناء, ما جعل الطلب على الشقق أكثر من العرض, فمن الطبيعي أن ترتفع الأسعار وكما أنه لا توجد آلية تلزم على الملاك التقيد بسعر محدد.
وأشار الرحيل إذا لم يكن هناك توسع بالناطق العمراني أتوقع لن تحل مشكلة الإيجارات, وقال إن قرارات وزارة الشؤون البلدية الأخيرة في عدم إعطاء صك للأرض تسهم في إيجاد حلول فهي تلزم صاحب الأرض ببنائها وبالتالي تتوفر الشقق.
كما كشف الرحيل ل"سبق" أن هناك لائحة ستصدر قريباً عن تنظيم الهيئة العليا لتطوير العقار وتشمل كل الاستفسارات في كل ما يخص العقار.
فيما تلقت "سبق" عدة وعود من المتحدث الإعلامي لأمانة تبوك رياض الغبان منذ الثلاثاء الماضي للإجابة عن متى آخر فترة تم توزيع الأراضي بمدينة تبوك, وهل لدى أمانة تبوك نية قريبة للتوزيع؟ إلا أنها لم تصل إجابات حتى الآن على الرغم من وعودهم بالإيضاح.