قال الإعلامي د. عبد العزيز قاسم، أفخر أن أرى ابنتي تعمل وتكنس وتنظف في أي موقع عملٍ آمن، يوفر لها الخصوصية، دون أن يمنعها هذا من إكمال حلمها في دراسة الطب, وأضاف "سيشهر في وجهي – وغيري ممّن يرون هذا الرأي- السؤال الصافع: هل ترضاه لابنتك؟ وأنا أجيب بالفم الملآن، بل والله أفخر", مشيراً إلى تجربة وثقافة سرت في محيط الكثير من العائلات وتسابق كل أفراد الأسرة للعمل في الصيف، وقال إن هذا ما يدعوني هنا إلى المناداة بحملة وطنية مكثفة من كل فئات المجتمع، لتجذير ثقافة العمل لدى ناشئتنا، وإشاعة روح الفخر بالابن الذي يعمل في أي مهنة شريفة، حتى لو كان يقوم بغسل البلاط، ومسح الموائد، ومباشرة الزبائن، ولنا في تلك الدول المتقدمة علينا في الغرب مثالٌ، إذ لا يستنكف الطلبة الجامعيون امتهان تلك الأعمال، لسداد أقساطهم الدراسية. وأضاف "قاسم"- في مقاله بصحيفة "الوطن" – قائلاً: يحتج الأحبة بأننا في بلد البترول، ذي الميزانية التريليونية، ولكن يا سادة والله، هذا البترول لن يدوم لنا، والميزانية التريليونية لن تبقى على الدوام، ولكن ثقافتنا هي التي تبقى، وجيلنا الذي نعدّه اليوم ليتسلم غداً قيادة وطننا، هم الذين يبقون، وهم رأس مال هذا الوطن الحقيقي, ويجب أن نتنادى لإحياء ثقافة العمل، ونحارب تلكم النظرة الدونية للمهن، والأنا النرجسية المتضخمة التي أقعدتنا عن أن نزاحم أمم البسيطة في ميدان التدافع الحضاري الكوني، فلا عيب أبداً في العمل وكسب الرزق من أي مهنة شريفة، ودونكم مثالاً الشيخ سليمان الراجحي أحد أباطرة المال في بلادنا، فقد كان هذا الملياردير يعمل (حمّالاً) في سوق بريدة، ويتفاخر ببداياته تلك، ولعمر الله لهو درسٌ لنا جميعاً في احترام المهن. وقال عبد العزيز قاسم: "اهتبلت فرصة إجازة منتصف الفصلين كي آخذ أبنائي إلى مدينتي الأحبّ، تلك التي تختال بين الجبال كعروس للمصائف أجمع، مدينة الطائف، حيث الطفولة ومدارج اليفاعة وملاعب الشباب. وفي كل زيارة لعاصمة العمر تلك، أحرص على سوقهم قسراً لسوق المدينة القديم، لأوصل رسائل تربوية لهم، وبالطبع لأزهو أيضاً بذكريات عملي وأنا يافع في (خان القاضي)، إذ كان آباؤنا يحرصون في تلكم الأزمنة على أن يلتحق الابن منذ طفولته ك (صبي) بأحد المحال؛ ليتعلم ويعمل، ويمتهن مهنة شريفة تفيده في مستقبله، وليكتسب خبرات لا يصل إليها إلا عبر العمل، وكم أفادتني تلك الثقافة العائلية بحياتي لاحقاً". وأضاف: "الأبناء من حولي يتضجرون، وأسمع تعليقاتهم الهازلة، وأنا أشير لمحل (عبد الحفيظ اللبّان) بذلك السوق العتيق، وفول (الشاولي)، ومحل عيش (الفتوت)، وأرى ابتساماتهم المتهكمة عليّ، فيما أنا سادرٌ بتلك الذكريات، وغير عابئ بجيل (المولات) العملاقة، ومطاعم الوجبات السريعة والقهوة السريعة التحضير. أمشي بين أزقة السوق، أرمق السابلة بكثير من الحنين، وأعيش لحظات خاصّة، تستولي على حواسي كلها، أحلق فيها عبر سنوات طويلة، والصور تنثال أمام عينيّ لكل تلك الأيام التي قضيتها، وأنا أعمل في يفاعتي تلك. أستحضر ثناءات أبي وفخره بي، وتلك السعادة التي ترتسم على وجه والدتي وقتما أنقدها – كاملاً - أجري الزهيد نهاية كل شهر، كتصرّف محتم بتلك الثقافة التي ترعرعنا عبرها، والتي تعطي الأم المنزلة الأولى على الإطلاق. أتذكّر تماماً كيف تعلمت في تلك السنّ المبكرة التعامل مع الزبائن، وفرز أمزجتهم وطرائق استرضائهم، وكم كان ذلك اليوم تأريخياً بالنسبة لي، عندما تسلّمت مفتاح محلّ الأقمشة لأفتحه وحدي، وأنا بسنّ الثانية عشرة. وأشار إلى قصة عمل عشر من الفتيات الفاضلات في النظافة في بريدة، وقال "فتياتنا في بريدة، نفخر بكنّ والله، وقد ضربتن للمجتمع مثالاً في الكسب الشريف".