منذ أكثر من 50 سنة مضت بدأت حركة سوق واقف بشكلها البسيط والبدائي في محافظة القطيف، لتنطلق حركة هذا السوق في منطقة "الجبلة" المعروفة في المحافظة، حيث كان السوق عبارة عن بيع أواني منزلية وأثاث منزلي مستعمل من خلال ثلاثة أو أربعة من الباعة الذين في الجهة الغربية من سوق الخضار المركزي وعلى مقربة من حراج سوق الأغنام، لينتقل هذا السوق إلى منطقة تواجد البنوك في وسط المحافظة وبالتحديد عند منطقة سوق "ميّاس" المعروف بالمنطقة الشمالية منذ ما يقارب 20 سنة. وكان السوق في كل مرة ينتقل من مكان إلى آخر كان يتطور ويزداد عدد الباعة فيه، حتى استقر قبل حوالي ثلاث سنوات في الساحة المتواجدة شمال سوق "الخميس" الذي اشتهرت به المحافظة، حيث لم يكن يفصل بين سوق الخميس وسوق واقف إلا شارع فرعي فقط، مما سهل على الزبائن ومرتادي هذا السوق التحرك بحرية لشراء كل ما يحتاجونه، سواء من المأكولات بجميع أنواعها الأسماك والروبيان والخضراوات والمواد الغذائية والمعلبات، وكذلك الأواني المنزلية وأدوات النظافة والأثاث المستعمل والأجهزة الإلكترونية منها الجديد ومنها المستعمل، بل كل ما يخطر على بال المتسوقين يجدونه في مساحة لا تتعدى 600 متر مربع تقريبا. ولكن لم تدم هذه الحركة في السوق حتى بدأت الشكاوى تصل إلى بلدية المحافظة سواء من بعض أهالي المنطقة وإحدى العيادات المتواجدة على مقربة من الساحة، والذين بدؤوا يظهرون انزعاجهم من الروائح المختلفة سواء الصادرة من الأسماك أو غيرها من المأكولات، ليتم تفكيك هذا السوق - الذي يأخذ الطابع الشعبي وملتقى العديد من الأصناف - إلى ثلاثة أقسام، فقسم المأكولات بجميع أنواعها انتقل إلى جهة تبعد حوالي أقل من نصف كيلو، وقسم السيديات والأشرطة في طرف آخر، بينما ظلت بقية البضائع والتي تمثل الملبوسات والأجهزة الإلكترونية حبيسة في أسوار سوق الخميس، ليتذمر أصحاب هذه البسطات من انخفاض المبيعات لديهم وقلة الزبائن والسبب يعود لتشتيت السوق على حد تعبيرهم. حكاية بدأ محمد الماحوزي والذي يبلغ من العمر 65 عاما وكان قد أمضى حوالي 40 عاما في هذا السوق حديثه بقوله، أولاً سبب تسمية السوق بسوق واقف لأن الزبون إما يقف أمام البضائع أو يمشي بالسوق ولا يمكنه الجلوس، ولكن للأسف أن توزيع وتشتيت السوق قضى علينا بشكل كبير، فأنا أصبحت لا أحرص على التواجد في السوق وأعرض بضاعتي الخاصة بالأواني المنزلية والأجهزة الإلكترونية إلا يوم الجمعة فقط، بعد أن كنت أحرص على التواجد يوميا، ولكن يوم الجمعة باعتبار أن العديد من الأجانب الذين يعملون في أرامكو وغيرها من الشركات يحضرون للسوق في هذا اليوم ونعرض عليهم البضائع المستعملة الجديد منها والقديم، وكنا نتمنى لو أن البلدية بالمحافظة طورت هذا السوق الشعبي بدلا من أن يتم تشتيته بهذه الطريقة. ويضيف الماحوزي بقوله في السابق كان الزبون عندما يأتي إلى السوق يجد كل ما يريده متوفرا، بينما الآن إذا رغب في سلعة معينة سيأتي لهذا الجانب، وإذا احتاج سلعة أخرى سيضطر للذهاب للطرف الآخر خارج السوق، إلى جانب أننا في السابق كنا نحن الباعة متواجدين في البسطات من المواطنين فقط، بينما الآن نافستنا العمالة الأجنبية وهذا أثر علينا في البيع والشراء، كما أن تنظيم السوق من ناحية المحلات في الوقت الحالي لا يتم بطريقة جيدة فكل شخص يريد أن يستولي على محل له. أما علي آل ثنيان والذي تحول من موظف بأحد البنوك قبل أن يستغني البنك عن خدماته بعد أن أمضى 18 عاما في العمل المصرفي، ليصبح صاحب بسطة بيع أجهزة إلكترونية في هذا السوق منذ 35 عاما، فيقول عندما كان السوق مجمعا كله في موقع واحد ويضم كل أنواع البضائع المتنوعة كان الزبائن ينعشون السوق، ولكن بعد أن تم عزل السوق وتقسيمه إلى ثلاثة أقسام (كل قسم في وادي على حد تعبيره) أصبح السوق شبه ميت ويفتقر للزبائن، مع العلم أننا نبيع بأرخص الأسعار لكوننا لسنا مطالبين بدفع الإيجارات مثل أصحاب المحلات، ولهذا يرغب الزبون في الشراء من بسطاتنا أفضل من الشراء من المحلات، والبضاعة التي نبيعها يتم بيعها في المحال التجارية وبأسعار عالية، أضف إلى ذلك أننا سمعنا بأن البلدية ستفرض علينا إيجارا لاستخدامنا المظلات في سوق الخميس، وأنا أؤكد لكم إذا ما تم هذا الأمر فإننا لن نستطيع دفع الرسوم بسبب صعوبة المعيشة وقلة الزبائن. قصة البداية ويروي أحمد البوري والبالغ من العمر 83 عاما وهو صاحب بسطة صغيرة يبيع فيها الخواتيم المتنوعة والسبح فيقول، إنه كان مزارعا وعمل في بيع وشراء المواشي إلى أن تعرض لإصابة من أحد العجول والتي أقعدته على كرسي متحرك، ولكنه فضل التواجد بالسوق لرؤية الناس بدلا من الجلوس في المنزل، بالرغم من أنه يبيع أحيانا ب20 ريالا وأحيانا بأكثر أو أقل بعد أن يتواجد في السوق من الساعة الثانية ظهرا إلى المغرب، في الوقت الذي يتمنى أن يجد فرصة لعلاج ظهره حتى يتمكن من التخلي عن الكرسي المتحرك، مناشدا المسؤولين تقديم الرعاية له، مبديا في الوقت نفسه الامتنان لما يقدمه خادم الحرمين الشريفين من إعانات مادية وراتب شهري للمحتاجين، لينوه عن أن حال السوق في السابق قبل فصله كان أفضل حالا من الوقت الحالي. أما خليفة الحمد من أهالي دارين والمتواجد في السوق منذ 26 عاما والذي يبيع المشروبات الباردة والمتقاعد من شركة بترومين يجد أن تواجده في السوق والتعرف على الناس والذين أصبح بعضهم تربطه به علاقة صداقة أفضل من الجلوس في المنزل، ولهذا لجأ للتواجد في جميع المهرجانات التي تقام في المنطقة الشرقية على وجه الخصوص وفي الجنادرية بوجه عام، فهو يحترف مهنة "طوّاش اللؤلؤ" وهي عبارة عن الشخص الذي يبيع ويشتري اللؤلؤ، فيقول أنا أقوم بعرض اللؤلؤ في الجنادرية وغيرها ولكوني أجيد التحدث باللغة الإنجليزية فأنا كثير التعامل مع الأجانب في الجنادرية وغيرها من المهرجانات، وأقوم بعرض ما أمتلكه من لؤلؤ وإن كان الوقت الحالي لا يوجد سوى اللؤلؤ الاصطناعي. ويكمل الحمد حديثه حول سوق واقف بقوله للأسف عندما كانت السوق تجمع كافة أنواع البضائع وكانت الحركة جيدة للغاية، أما الآن وبعد تشتيت السوق أصبح كل زبون يبحث عما يريده في جانب، ولهذا نأمل من بلدية المحافظة أن تعيد النظر في هذا السوق قبل أن يموت من المنطقة. والتقينا بعبدالله آل زيد والذي يلقبه الباعة بالسوق بعمدة السوق وهو يبلغ من العمر 63 عاما وأمضى ما يقارب 45 عاما في هذه السوق، بعد أن كان موظفا في بلدية المحافظة على بند الأجور وتم الاستغناء عنه بعد التعاقدات التي تمت مع المقاولين في أعمال النظافة وغيرها فيقول بعد أن تم الاستغناء عن خدماتي في البلدية قمت بتأسيس السوق وكنا حينها بجوار سوق اللحم وبدأت ببيع وشراء الأثاث المنزلي المستعمل والأدوات المنزلية وكنا تقريبا خمسة أشخاص وكنت أنا من يقوم بدور المحرج على البضائع حتى تركت هذه المهن أي مهنة المحرج وبدأت بعدها بشراء الملابس والأحذية المستعملة وبيعها وكذلك الأجهزة الإلكترونية الجديد منها والمستعمل، مع العلم أن أكثر الأيام حركة ومبيعات في الأسبوع هو يوم الجمعة واعتمادنا كبير بعد الله على موظفي أرامكو وبالذات الأجانب منهم. تفاصيل البيع ويختتم آل زيد حديثه بقوله إن سوق واقف عندما كان يلم جميع البضائع ويلم كل الأصناف كان سوقا شعبيا متكاملا، ولكن بعد تشتيته بهذه الصورة أصبح شبه معدوم وميتا وأصبح كأنه مقبرة تحيط بنا الأسوار من جميع الجهات ولا يتواجد فيه إلا الباعة أمام بضائعهم ونادرا تجد زبائن متواجدين فيه وتمر علينا أيام كثيرة لا نبيع حتى بريال واحد. ويقتطف الحديث فؤاد آل شيف والذي يعمل في مهنة إعداد الكيك المعروف باسم "هاد كيك" وهي المهنة التي ورثها من أبيه الذي كان يعمل في صناعتها في شركة أرامكو، حيث بدأ فؤاد العمل في هذه المهنة منذ عام 1415 حتى الآن ويتواجد منذ ذلك الوقت وحتى الآن في سوق واقف، فيقول إنني أحلم باليوم الذي أتمكن فيه من افتتاح محل تجاري متخصص في صناعة هذا النوع من الكيك، ولكن لغلاء الإيجارات لم أتمكن من افتتاح المحل، وسيظل الحلم يراودني، مع العلم أنني أبيع في اليوم الواحد في سوق واقف حوالي ما بين 100 إلى 150 حبة وسعر الحبة ثلاثة ريالات، بينما في يومي الخميس والجمعة أبيع حوالي 500 حبة وأقوم بصناعتها وإعدادها بمفردي للزبائن الذين يأتون لي من القطيف وخارجها أيضا، ولو استمر السوق على كيفيته القديمة قبل أن يتم عزله بهذه الطريقة لكانت المبيعات لدي أكثر حيوية. ويؤكد سعيد آل غريب صاحب بسطة أواني منزلية ومنظفات بأن السوق في صورته السابقة كان أفضل بكثير من الصورة الحالية وأن الزبون ضاع بين السوقين بعد انقسامهما ونظرا لضيق الوقت وقصر النهار في الشتاء فالزبون لا يتمكن من اللحاق على السوقين وضاع بين سوق واقف في سوق الخميس وسوق واقف في الطرف الآخر، مناشدا البلدية بضرورة إعادة وضع السوق إلى حاله القديمة.