أكد الشيخ حسن بن شريف المشيخي معبر الرؤى والأحلام المعروف وعضو الدعوة بمنطقة الرياض أن الرؤيا الصالحة بشارة من الله عز وجل، وكلما كان العبد المسلم قريباً من الله عز وجل نال تلك البشائر. وقال: "لقد كانت الرؤيا وما زالت في العصور المتقدمة والمتأخرة موضع جد واهتمام لدى أصحابها, وإذا نظرت إلى القرآن الكريم، وجدت أن الله تعالى قد قص فيه شيئاً من ذلك وكأنه سبحانه وتعالى يدعونا إلى الاهتمام بها وبتعبيرها". وأوضح المشيخي ل"سبق": "انطلاقاً من هذا التوجيه الإلهي المتمثل في الاهتمام بالرؤيا وجدنا الكثير من الناس يهتمون بها حتى أصبحت الرؤيا تمثل شيئاً مهماً في حياتهم، بل وأصبحت الرؤيا باباً من أبواب الدعوة إلى الخير, وأشار لقد كثر الكلام حول الرؤيا، وحول حقيقتها ووصفها وكذلك صدقها وواقعها، فمن الناس من يغالي فيها مغالاة على غير الشرع، ومن الناس من يجافي عنها مجافاة على غير الشرع أيضاً، ومنهم من يقف موقف الوسط وهو الحق، فلا هو بالمغالي ولا هو بالمجافي، وهذا الذي وقف موقف الحق وقد يصفه المغالون بالمجافي، ويصفه المجافون بالمغالي، والقول في هذا الأمر هو تحكيم النصوص الشرعية وكذلك وفق قواعد الاجتهاد والنظر". وبيَّن المشيخي أنه اشتد الاهتمام في حال الرؤيا إلى أن كُتبت فيها المقالات وأُلِّفت الكتب وأُلقيت فيها المحاضرات والخُطب، بل وقامت لأجلها الندوات العلمية والبرامج الفضائية. وأشار المشيخي إلى أنه قد استفاد من الرؤى أناس كانوا على غير هُدى؛ فجاءت الرؤيا لتأخذ بنواصيهم إلى طريق الهدى والنور، بل كم من أناس كانوا على الكفر والشرك فجاءت إليهم الرؤيا لتكون سبباً في هدايتهم إلى الإسلام, ولهذا فإن الرؤيا الصالحة بشرى من الله عز وجل وبشائرها لا تُحصى, فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله تبارك وتعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ} قال: «هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له» رواه الإمام أحمد والدارمي والترمذي وابن ماجه وابن جرير والحاكم، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين وفي رواية لأحمد وابن جرير عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أرأيت قول الله تبارك وتعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ}، فقال: «لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي أو أحد قبلك»، قال: «تلك الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو تُرى له». وذكر المشيخي أن علم تعبير الرؤيا علم عظيم مهم ورد في القرآن العظيم والسنة المطهرة ومبناه على حسن الفهم والعبور من الألفاظ والمحسوسات والمعنويات أو ما يناسبها بحسب حال الرائي وبحسب الوقت والحال المعلقة بالرؤيا, والرؤى لها مقام عظيم من أول البشرية، كانوا يعتنون بها؛ لأن أمرها غريب ولأن شأنها عجيب، ولهذا قلّ أن يكون زمن إلا وفيه معبِّرون يعتنون بتعبير الرؤيا ويهتمون بها، لما يخفى فيها من الأمور الغريبة والأحوال العجيبة. وقال أهل العلم: "الروح؛ روح الإنسان ثلاثة أنفس. فإن الروح منقسمة إلى أنفس قال جل وعلا ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إلى أَجَلٍ مُسَمًّى) فالروح أنفس، والأنفس في حال المنام: منها نفس تكون مع النائم يتردّد بها نفَسُه وتستقيم بها حياته. ونفس أخرى يقبضها الله جل وعلا ويتوفّاها فتكون عنده. والنفس الثالثة تسرح وتذهب هنا وهناك منفصلة عن البدن. وكلّ هذه الأنفس قريبة من البدن تعود إليه في أقرب من لمح البصر". وأضاف المشيخي: "أما النفس التي تتجول فهذه النفس هي التي يحدث منها ومن تجوالها الرؤى والأحلام، والرؤيا الصالحة بشارة للمؤمن وتأنيس له وتثبيت، وتُشعر المؤمن بلطف ورعاية الله سبحانه وتعالى لعبده المؤمن، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أو تُرَى" (مسلم: 738). والشاهد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سمّى الرؤيا الصالحة بالمُبَشِّرة، وما هذا إلا لأنها مبشِّرة، والبشارة تكون بالإخبار بالخير والسرور، وهذا الأمر من علامات الرؤيا الصالحة, مبيناً أن من علامات الرؤيا الصالحة أنها مبيِّنة لفضل المؤمنين؛ فعَنْ أُمِّ الْعَلَاءِ - وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِمْ بَايَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: طَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتْ الْأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ فَاشْتَكَى فَمَرَّضْنَاهُ حَتَّى تُوُفِّيَ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، قَالَ: وَمَا يُدْرِيكِ قُلْتُ: لَا أَدْرِي وَاللَّهِ، قَالَ: أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ مِنْ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ، قَالَتْ أُمُّ الْعَلَاءِ: فَوَ اللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ، قَالَتْ: وَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ فِي النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِي، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: ذَاكِ عَمَلُهُ يَجْرِي لَهُ. ففي هذا الحديث تأنيس للمؤمنين بأن مصير ميِّتهم إلى خير، وفيه أيضاً بيان لفضل المؤمنين وهداية المؤمنين إلى الدين والصلاح وعمل الخير ودعوني أضرب لكم بمثال ثابت صحيح: فقد رأى ابن عمر رضي الله عنه رؤيا قال: فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَكَانَ بَعْدُ لَا يَنَامُ مِنْ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا. فكان ابن عمر رضي الله عنه من الملتزمين بقيام الليل، وسبب ذلك رؤيا صالحة عبَّرها له النبي صلى الله عليه وسلم". وذكر أن القصص في هداية الناس إلى الخير كثير, فكم من ضالٍّ هداه الله سبحانه وتعالى إلى الخير والصلاح برؤيا رآها، فشرح الله على أعقابها قلب رائيها، فاندفع إلى الخير اندفاعاً، فإذا ما سألته عن سبب هدايته قص عليك رؤيا رآها مستشعراً عِظَمتها. وفي الرؤيا الصادقة إرشاد إلى خير الدنيا، أي من الرؤى ما يراه المسلم فيفهم منه أن عليه الانصراف عن شيء ما؛ لأن فيه ضرر وأذى، وهذا أيضاً يقع ضمن البشارات التي تبين للمسلم الخير وتبشره به، وقد يكون بيان الخير وببيان الأمور التي فيها الضر، فيبتعد الرائي عن السوء وقد يكرم الله تعالى بعض من أصيب بالسحر عن مكان سحره وقد يرى المحسود والمعيون من أصابه فيأخذ من أثره فيبرأ بإذن الله، وبعض الصالحين من الرجال والنساء يُكاد لهم بأعمال سحرية من قبل ضعاف النفوس وخاصة من العمالة المنزلية وهذا يكثر من الخادمات فيكشفها الله تعالى لهم برؤى صادقة. وقال المشيخي: "كل من يذهب إلى البلدان التي تكثر فيها الأعمال السحرية أو لديه عمالة تجارية أو منزلية، لا تُهمل السؤال عما تراه في منامك فقد ترى رؤيا تكون هي سبب لنجاتك بإذن الله، ومن تدير منزلها خادمة وتشعر بقلق أو اعتلال في صحتها أو نفور من زوجها أو العكس أقول لا بد من سؤال المعبر عن فحوى ما تراه مهما من الرؤى المنامية حتى نتحاشى بإذن الله ولو شيئاً يسيراً ما يحصل من أذى بسبب تلك العمالة التي لا يخفى أذاها وبعضها لا يرقب في تلك الأسر التي أكرمتهم إلا ولا ذمة". ولنا من قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل وبيان فمن الرؤيا الظاهرة رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه أن الوجع الذي أصابه كان بسبب السحر، وقد جاء في ذلك حديثان عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم، ونكتفي بحديث واحد، فأما حديث عائشة رضي الله عنها فقد روي عنها من طريقين: أحدهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سَحَرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهوديُّ من يهود بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم، قالت: حتى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم دعا ثم دعا ثم قال: «يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه جاءني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي أو الذي عند رجلي للذي عند رأسي: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، قال: من طّبه قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة، قال: وجبّ طلعة ذكر، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان»، قالت: فأتاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أناس من أصحابه ثم قال: «يا عائشة والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ولكأن نخلها رءوس الشياطين»، قالت: فقلت: يا رسول الله أفلا أحرقته؟ قال: «لا، أما أنا فقد عافاني الله وكرهت أن أثير على الناس شراً فأمرت بها فدفنت» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وابن ماجه وابن سعد وهذا لفظ مسلم ونحوه عند أحمد وابن ماجه. ولكن ليعلم أن السحر الذي أصيب به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومرض منه ستة أشهر إنما كان تأثيره في جسده لا في قلبه وعقله فإن الله حمى قلبه وعقله وصانهما من وصول السحر إليهما، وما كان الله ليسلط السحرة والشياطين على قلب رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه ومقر وحيه وتنزيله، كلا، هذا لا يكون أبداً، وأما بدنه فإنه عرضة للأقسام والآلام كسائر البشر، وذلك لا يحط من قدره، بل يزيده أجراً وثواباً في الدار الآخرة, قال القاضي عياض في كتابه "الشفا": السحر مرض من الأمراض وعارض من العلل يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته، انتهى. ولفت أن هذه شواهد عابرة أوردها، ولكنه حذّر من أن بعض الناس قد يصاب بأمر ما، فيرى رؤيا فيعبرها له فلان ممن يدعي التعبير وهو في الواقع غير مجيد لعلم التعبير، فيقول له إن فلاناً من الناس هو الذي أصابك بهذا السحر أو العين وما شابه ذلك، وهذا من أعظم الأمور خطراً فإنه يوقع العداوة والبغضاء بين الأسر والعشائر، ويترتب عليه أيضاً أمور غاية في الخطورة، وهذا بلا شك ناتج عن جهل المعبر أو خطأ تعبيره لتلك الرؤيا، وهذا للأسف يعرض علينا بكثرة فإن البعض يتصل ويسرد رؤيا وقد يكون من مشاهد تلك الرؤيا قريب للرائي، وعندما أعبر له التعبير الذي تبرأ به الذمة يقول لي أنا سألت أحد المعبرين وحذرني من فلان الذي رأيته في الرؤيا أو قال فيه كذا وكذا، بل إن بعض الخطاب يتأخر زواجه لظروف مالية أو لأحد الأسباب كإكمال دراسة أو نحو ذلك ومن الطبيعي أن يحلم حلماً أو يرى رؤيا تكون خطيبته ضمن أحداث تلك الرؤيا فتجده بعد فترة يفكر بفسخ الخطوبة بسبب رؤيا فسرت وعبرت بطريقة خاطئة إن هذا والله لمن الأمور المؤلمة.