تفاعل عدد من كتاب الرواية في السعودية مع ما نشرته «عكاظ» يوم السبت الماضي عن تصدير الرواية العربية للعالم وتحدث فيه الناقد محمد العباس عن عدم قابلية هذه الروايات للتصدير. الروائي علوان السهيمي قال ل«عكاظ»: إن الرواية حالة إنسانية وليست منشورا سياسيا، وهذا ما ينبغي أن يدركه بعض النقاد السعوديين الذين يتعالمون على الرواية وينظّرون حولها، وهم في الأساس لا يفهمون المعنى الحقيقي للرواية كفن إنساني، وكحالة كبرى للحياة. واستغرب السهيمي إطلاق الأحكام القطعية تجاه الفن من بعض النقاد الذين يرون أن الرواية العربية لا تستحق أن تصدّر للعالم، وفي الوقت نفسه نجد الكثير من الروايات العربية تحقق نجاحات في العالم الغربي بعد ترجمتها مثل رواية عزازيل ليوسف زيدان، وبعض روايات أمير تاج السر. وتعجب السهيمي من الناقد الذي ينتظر ابتكارا أو تقنية ما، مثل الواقعية السحرية أو غيرها، وهو في الحقيقة لا يعي جيدا بأن أغلب الروايات العظيمة في العالم كانت حالات إنسانية وليست تقنيات روائية، فنحن رأينا الرواية الإسبانية تنتشر في العالم قبل وبعد الواقعية السحرية، وبالتالي لم يكن هذا الابتكار سببا في انتشارها من عدمه، وهذا الحكم هو تعالم لا مثيل له إزاء الفن الروائي الذي هو في الأساس عبارة عن حيوات على الورق. وأضاف السهيمي «إن محاولة كتابة الرواية وفق نمط معين، أو فكرة محددة، مثل أن تطلب من مهندس معماري أن يتحدث عن الرواية أو يكتبها، أو أن تطلب من مترجم Google أن يترجم لك قصيدة وتحاول أن تنسجم مع قراءتها فيما بعد، أو أن تقرأ مقالا نقديا لناقد سعودي»! وأكد السهيمي أننا نقرأ الروايات لنتعرف على الآخرين، ولا أتصور أن الغرب يختلف عنا في هذه النقطة، فالأدب والرواية على وجه التحديد يقومان على هذا الأساس، أن تنقل حياة الآخرين، ويقرأها الناس ليتعرفوا على الثقافات الأخرى، لأن البعد من وراء ذلك بعد إنساني وليس سياسيا، ولا أرى أن هناك علاقة بين انتشار أدب لغة ما أو ثقافة ما بالسلطة السياسية لتلك الدول، فنحن نقرأ لماركيز وماريو بينيديتي، وليس لكولومبيا أو الأورغواي تلك السلطة السياسية الكبرى، وما زالت هذه الدول تعاني بشكل أو بآخر من بعض المشكلات الموجودة في الوطن العربي. فالأدب وليد اللحظة الراهنة في أي بلد أو ثقافة ما، فنحن قرأنا في كثير من الأدب اللاتيني عن الحرب الأهلية التي انتشرت في فترة ما، وعن دكتاتورية السلطة، وعن الفقر والجوع والحروب؛ لأن تلك الأشياء كانت جزءاً من تاريخ تلك الدول، فالأدب لا ينفك عن الراهن، ونحن لا ننتظر من العراقي أو السوري أو الليبي أن يكتب شيئا آخر غير الحرب والقهر والدكتاتورية، ولو طالبناه بغير ذلك فنحن مثل من يطلب من ناقد سعودي أن يكتب لك رواية؛ لأنه من غير المحتمل أن يحصل ذلك. وأشار السهيمي إلى أن الأدب العربي لم يصل للعالم بشكل جيد لأن صناعة الكتاب في الوطن العربي متأخرة جدا، وليست كما هي في الدول الأخرى، الأمر ليس له علاقة بالجودة من عدمها، فقد قرأنا كتبا كثيرة لكتاب غير عرب ليست جيدة على مستوى الفن، ورغم ذلك وصلت لنا، لأن تقنيات النصوص ليست معيارا لانتشار أدب عن آخر، وليست السبب الرئيس في تصديرها للخارج إذا لم تكن تلك النصوص ذات قيمة إنسانية عالية، فالتذوق في الأصل للتقنيات الروائية مسألة نسبية من شخص لآخر، فما يراه شخص ما جيدا، ليس بالضرورة أن يكون جيدا بالنسبة لشخص آخر. الروائي والقاص سعيد الأحمد يقول: دعنا نتفق أولا أن الإبداع الأدبي نتاج فردي وليس جهدا جمعيا أو منظوميا، فالحالة الإبداعية ذاتية وليست جمعية.. يتأثر بمحيطه وظروفه ومعطياته، نعم، لا يمكن إغفال ذلك، غير أن الحالة الإبداعية متفككة ومتحررة من كل القيود الجمعية، ولا يمكن أن تتهتك أو تتهالك بسبب ظرف الزمان أو المكان. فأمريكا اللاتينية أنتجت أعظم أعمالها الروائية التي اكتسحت بها العالم وسط أسوأ ظروف الديكتاتوريات والمطاحن والاتجار بالبشر، ولم تكن ظروف القهر والتعتيم والجوع سببا في هزيمة المبدع. لا أعني بكلامي هذا أنني أميل لمقولة «أن الإبداع يخرج من رحم العناء» فأنا ضد هذه المقولة أيضا، وما أعنيه هو أن الإبداع حالة ذاتية وخاصة جدا ولا علاقة لها بالظرف السياسي أو الاقتصادي. ويضيف الأحمد «قد أتفق مع العباس في جزئية غياب العمل المؤسسي فيما يتعلق بالوصول إلى الآخر، أو حركة الترجمة، فالوصول فعلا يحتاج إلى عمل مؤسسي لا جهود فردية، ووزارات الثقافة والمؤسسات العربية الرسمية مشغولة بترجمة أجناس محددة من الكتب ولا تهتم بالأدب والفن، لأسباب أصبح الجميع يعرفها ولا وقت للخوض بها الآن». ويختصر الأحمد رأيه فيما وصل إليه العباس في أنه لا يمكن لأحد منا أن يجزم أن شح وصول الرواية العربية للعالمية وللترجمة سببه ضعف المحتوى، بل غياب الأداء المؤسساتي وضعف التسويق، والدليل وصول بعض الأسماء للعالمية كمحفوظ ومنيف، ولن أذكر الفرانكفونيين لأننا نتحدث هنا عن أعمال عربية-عربية. أما التعويل على مؤسسات ثقافية غربية فلن يؤتي أكله، حيث هناك تعمد ملحوظ للاحتفاء بالأعمال (الدستوبية) الرديئة، وليس حتى الدستوبيا الراقية، سواء على المستوى الفني أو الإعلامي أيضاً.