كلما رفرفت عليّ روح المرحوم الأستاذ عبدالله الجفري أجدني أحببت في ذلك الرجل الجميل عشقه للكتابة الذي يجعلك تشعر أن إبداعه الأخّاذ في مقالاته التي تهطل أحيانا كلّ يوم مفعمة ببوحه الحزين، لكن: المتماسك، والعميق، وعباراته التي ينتقيها بعناية فنان متمكن من اللغة وباذخ الشعور بأهمية الحرف في حياته التي قضاها مخلصا للفن والقيمة الإنسانية للإبداع المتماهي مع الزمن الشقيّ، ولكن: اللذيذ!. والجفري من أوائل من انتموا للكتابة الجديدة بكل ما تنطوي عليه من مآزق وبكل ما تعني كلمة الجديدة من إدراكٍ مزدحم باللوعة كاللوعة التي تخيّم عليّ حين أتذكره راحلا نبيلا وعمودا لخيمة الكتابة المحلية التي ظلت تمارس تمرّدها على الجدران والأسلاك الشائكة التي تحيط بنا من كل جانب. إن قيمة الأستاذ عبدالله الجفري لا تكمن فقط في كتابته المتنوعة والمنطوية على عشق اللغة والوطن والفن العظيم الذي يرفض دوما استرخاصه، والتعامل معه على أنه «مهنة» من لا مهنة له!. حين تنتهي من قراءته تتساءل بإعجاب شاهق كم من الزمن يلزمنا لكي ننتظر كاتبا ممتلئا بالكتابة وكأنها تجري مع كريّات دورته الدموية؟!. إن الكتابة الجميلة كفيلة ببقاء المبدع دوما ك«فرس رهان» لا يمكنك تجاهله إلا إذا أمكنك تجاهل أن الكتابة مثل ميدان متسع يتوهج بعرَق مبدعي سباقاته المتكررة التي تأخذ بالألباب. في عموده اليومي (ظلال) الذي تنقّل معه حيثما تنقّل تدهشك قدرته على الحب الذي أتعب قلبه الكبير، ودهشته التي ظلت عذراء وطفلة مع كل سنوات عطائه التي تُكتب بماء المطر والرطوبة التي تدهش زائر «جدّة» بقدرتها على الحفاظ على الربيع في قلوب الناس. كتب الجفري القصة القصيرة والرواية ك«ما يحبّوك البنات»، والمقالة / القصيدة التي تتهاطل حبا ولوعة وحزنا فسيحا ورديا بلغة تتماهى مع «الشعرية» في كتابته تلك الشعرية التي تجعلك منقادا إلى قراءته مطيعا لإيحاءاته. وكتب ما أسميه المقالة / القصيدة وتميّز بها. وجمع بعضا منها في كتابه «ظلال»، إذ يزدحم السطر الواحد بموسيقى أخّاذة لا يقطعها سوى إيقاعه الذي يقطع عليك الحلم ويدخلك في لعبة أنت بطلها واللغة المموسقة مثل هديل الحمام العاشق. رحم الله عبدالله الجفري الذي كان وسيظل واحدا من ألمع فرسان الكتابة الجديدة في الوطن. [email protected] * قاص سعودي