سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد مهاوش: في قصائد البدر.. المرأة ليست تلك المرأة ولا الوطن هو الوطن ولا الشعر هو الشعر
متحدثاً عن تجربة الشاعر بدر بن عبدالمحسن
نشر في الرياض يوم 19 - 10 - 2013

في تصوري إن من أهم ملامح التجربة الشعرية للشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن أنها نتاج حالة من التأمل العميق للحياة وللناس والى ابعد من ذلك. هذا التأمل قاده إلى أن يكتب الحب بطريقة مغايرة عن السائد. وجعلته يقدم صورة مختلفة للعاشق. والتميز يمتد في تجربة البدر إلى صورة المرأة التي هي دوما في قصائده في مقام الحلم. عندما كتب قصائده الوطنية كان الوطن مشرقا برؤية مختلفة. وربما هذا الحس التأملي يجعلنا نلامس تلك الرهافة الفلسفية في قصائده.
إن هذه التجربة الشعرية العميقة برغم انحيازها إلى الحداثة الشعرية إلا أنها لم تخلق حالة من الرفض لسبب إنها جاءت كنموذج للقصيدة المدهشة. بل إنها أسست لتيار شعري كتب قصائده على غرار نموذج البدر. ومن مزايا هذه التجربة هي حالة الاستمرارية الطويلة من الإبداع المتواصل والمتألق. ولأن هذه التجربة بعمقها الشعري وبتأثيرها على المشهد الثقافي السعودي تحرض على المساءلة والمجادلة، كان لثقافة اليوم هذا الحوار مع الناقد محمد مهاوش الظفيري عن ملامح تجربة الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن:
البدر أجده شاعراً شعبيّاً حداثيّاً استفاد من الفصيح حيث ألمس فيه نزار وإيليا أبو ماضي
* منذ حضور البدر شعريا، كانت تجربته مستقلة، ناضجة، ومختلفة عن السائد محلياً. في تصورك ما هي المعطيات التي أسست لهذا الاختلاف الشعري في تجربة البدر؟
- المعطيات التي تحرك الشعراء عديدة كمعطى زمني/ مكاني/ تاريخي/ إنساني/ وجداني. . وهلمّ جرا في هذا السياق، لكن الذي جعل البدر يبزّ فيها الشعراء عدة أمور توافرت في تجربته لبلوغ هذا للمعطى الذي سأتحدث عنه، وهي ثقافة شعرية مكنته من الوصول لما يريد بأيسر الطرق، علاوة على قدرة فذة في صياغة جمله الشعرية وعباراته الأسلوبية بشكل لا تجعل المتابع الحذق الماهر يلحظ بان في هذه الصياغات الشعرية أي تشويش لغوي أو ارتباك شعري بالإضافة لوجود خيال شعري منحه مساحة للتأمل والحركة.
هذا المعطى الذي مكّن البدر كل هذا الحراك الشعري هو الاعتماد الكبير على اللامرئي في رسم الواقع المرئي أي على توظيف العامل المجرد من أجل عكس المشهد الحسي المتحرك أو الشاخص أمام الأعين، وهذا التعامل يظهر في العديد من جوانب رؤيته الشعرية حيث نجد من خلال هذا المعطى تداخل الحلم بالرؤية لديه إذ نرى الأشياء المجردة كالحب والوصال والفراق تعتمد من خلال تعامله مع الحلم، أما الرؤية فهي نابعة عن طريق إعادة رسم الخط البياني للمضامين، فالمرأة ليست تلك المرأة ولا الوطن هو الوطن ولا الشعر هو الشعر حيث صرنا معه نلمس الوطن بالمرأة ونرى القصيدة في الأنثى، وهكذا. . وقد تم تحوير هذه المضامين المجسمة في الواقع أو الذاكرة إلى رؤى ذاتية ترتبط بالشاعر نفسه.
الصياغات الشعرية في تجربته تخلو من أي تشويش لغوي أو ارتباك شعري
* إلى حد كبير نجد إن قاموس البدر الشعري ضئيل لكن في المقابل هناك اتساع في المعنى. ورغم تكرار المفردة في أكثر من قصيدة إلا إننا نجده يوظفها بصورة شعرية مبتكرة. ما بين ضالة القاموس واتساع المعنى كيف ترى هذه المفارقة؟
- يقال لولا شعر الفرزدق لضاع ثلث اللغة غير أن الذي يقرأ شعره لا يجد فيه تلك العذوبة الشعرية التي يلمسها عند جرير، القاموس اللغوي مهم للشاعر، لكن درجة الشعرية أو الشاعرية تكمن في مقدرته هذا الشاعر أو ذاك على توظيف ما يملك من مفردات لخدمة الغرض الذي يريد الحديث عنه، والمستفاد من هذه المعلومة العابرة عن الفرزدق تركز على أن ثراء القاموس اللغوي لا يعد من لوازم الشاعرية مع التسليم بأهميته القصوى بالنسبة للشاعر، لكن بعض الناس منحهم الله قصوراً في جانب ووهبهم تميزاً في جانب آخر. أما بشأن التمايز في استخدام نفس المفردة فهذا شيء طبيعي ولا غرابة فيه لدى الشاعر المتمكن، لأن المفردة خارج السياق أشبه بالمادة الخام، والشاعر الماهر هو القادر على تشكيل هذه المفردة أو تلك لخدمة السياق الذي يريد
* في إحدى قصائده كتب:(عمر الزمان ما لوّع المشتاق، والله الزمن مظلوم). وبعد زمن طويل كتب (لو للزمن عن نية الغدر شيمة. . ما فرق أحباب ولا بعد أوطان). من هذه الحالة، أسألك: في قصائد البدر هل وجدت أن رؤيته للحياة ومواقفه تتغير مع الزمن؟ وهل هذه الرؤية تنعكس على مضامين قصائده؟
في قصائده تم تحوير المضامين المجسمة في الواقع أو الذاكرة إلى رؤى ذاتية ترتبط به
- هنا لا بد من التلويح بشيء، وهو أن اختلاف المواقف الذاتية العاطفية، وربما تداخل المواقف النفسية في النص الواحد لا يُعدّ من العيوب، فنحن حينما نتابع هجمة كروية ونتحمس لها ونفرح بوصول مهاجمي المنتخب أو الفريق الذي نؤازره لمرمى الخصم، لكن هذه الحالة الانفعالية المبتهجة تنقلب إلى غضب وحزن عندما يتم إهدار الهجمة، وهذا ما يحدث للشعراء لأنهم ينطلقون عن مواقف وجدانية، والحب وأقدار العاشقين كالريشة التي تلهو بها النسمات، وإذا كان هذا ديدننا في النص الواحد، فمن الطبيعي أن تحدث الانقلابات النفسية في مسيرة الشاعر، وتتغير المواقف وتتبدل الظروف، وفي يقيني أن البدر تفوق في طرح رؤيته الخاصة عن الحب والحياة والإنسان والمرأة، ولم يكن المضمون هو الذي دفعه للتميز، لأن المضمون ثابت لا يتغير، وحينما يحدث له تغيير فإنه قد تم تفريغه من حالته الثابتة كمضمون، وتحوّل إلى رؤية تتعلق بالشخص الذي قام بفلسفة هذا الشيء وتحويله من مضمون إلى رؤية.
* (حبيبتي يا حلم. وجه تصوره الحروف وأتخيله. شيء أحس انه قريب وما أوصله). في هذا المعنى غالبا ما تحضر صورة المرأة في هيئة الحلم. هل هذا يفسر غياب الحالة الحسية تماما في قصائده؟
- أشكرك على طرح هذا السؤال لأنه دعم موقفي حول تجربة البدر الشعرية، حيث قلت في ردي عليك بأن البدر تمازج معه المرئي باللا مرئي، إذ إن الحبيبة والحروف حالتان مرئيتان بينما الإحساس والحلم حالتان غير مرئيتين منفصلتان عن الواقع، وهنا نلمس تجسيدًا حيًّا من خلال سؤالك لحالات تداخل المرأة بالشعر، وكأن الحروف التي ترمز للقصيدة هي أنثى على الورق والحبيبة قصيدة في الواقع. فهذا المزج بين الحسي والمجرد أظهر لنا خلطة شعرية قوامها بأن الشعر الجيّد ما هو إلا انعكاس لمواقف الإنسان الخالق للشعر ومقدرته الشعرية على تحويل المرئي إلى لا مرئي حيث أصبحت الحبيبة حلم ممتد تتداخل فيه الرغبة في الطموح، كون الرغبة تكمن في: " وأتخيله " بينما الطموح نجده في: " شي أحس انه قريب وما أوصله ". أما على مستوى جعل المرئي لا مرئيا فنابع من مقدرته على احتمال أن يكون ما يشعر به المرء من الإمكان أن يلمسه الشاعر أو يصل إليه.
القلق الفكري عند البدر ليس بسبب صدود حبيب أو ضياع موعد بل لما هو أبعد من ذلك
* قصيدة البدر العاطفية لا تصنف قصيدة عاطفية خالصة. حيث نجد في تلك القصائد همه النفسي يجاور همه العاطفي، وقلقه الفكري يتجاوز قلقه العاطفي. هذه الرؤية العاطفية الملتبسة كيف تراها وكيف تجد أثرها الفني في تلك القصائد؟
- شعر الحداثة الذي هبّ على المنطقة، فرض على الشاعر الواعي ضرورة الانتقال من شاعر قبيلة إلى شاعر يتحدث عن همه، حيث تحوّل الشاعر من واصف إلى معبر، ولم يعد الخد أو الجيد أوالطول أوالقصر من المقومات الفنية للقصيدة الحديثة، حيث لنتقل الشعر إلى حالة إنسانية باعتباره مادة خاما أولية تتشابه فيه النزعات والرغبات في أي مكان أو زمان عاش فيه الإنسان
هذا القلق الفكري الحاصل عند البدر ليس مرده صدود حبيب أو ضياع موعد، بل عائد في تصوري الشخصي لشيء أبعد من هذه المواقف التي تحدث وحدثت وستحدث ما دام الإنسان فوق هذه البسيطة، ربما يعود هذا إلى أن المرأة تحولت من ملهمة والسلام إلى رفيقة درب وشريكة حياة، إنسان قَلِق حالها حال الرجل، يفكر في قضايا الدين والسياسة والحياة والمجتمع، وأن الشاعر لمس هذا التحول وأدرك هذه الخاصية، لهذا لم تعد قصائد الحب والغزل هي تلك التي كانت في السابق
* (انا سجين الحال مهما تسليت وانا الطليق وكل شي قضبني). الحالة الفلسفية عالية عند البدر. كيف ترصد هذا الجانب الفلسفي. هل تراها فلسفة الحكمة أم فلسفة القلق الوجودي؟ أم هي فلسفة الذات الحائرة؟
- لا أظن أنها فلسفة حكيم، لأن الشعر إذا دخل في مجال حكمة الفلاسفة أو فلسفة الحكماء تمّ تفريغه من محتواه الجمالي، فكما أن الدين يقوم على الغيبيات والعلوم الطبيعية تعتمد على الاستقراء العلمي والفلسفة تركز على المنطق والاستدلال العقلي، والشعر كلما ابتعد عن هذه المضامين كان أسلم له، لأنه حالة جمالية ذاتية في المقام الأول والأخير
في هذا المثال المطروح توق عروبي إلى البلاغة في الدرجة الأولى، وهذا من حيث الفهم الظاهري للأشياء، إذ نلاحظ التضادات ما بين " السجين – الطليق " وكذلك ما بين " تسليت – قضبني "، وهذا الفهم الظاهري للبيت الشعري يؤكد بأن الفرد العربي مهما تقلب في فنون المعرفة وتنوعت مشاربه الثقافية يظل ناقوس يضرب في داخله يجذبه للجذور مهما حاول الاستفادة من المعارف الحديثة. أما من حيث الفهم الداخلي للبيت، يشير إلى حالة بعض أبناء الأسر الحاكمة في البلدان العربية الذين يشاهدون ويرصدون الأحداث لكنهم لا تمكنهم الظروف من إشهار مواقف الرفض أو القبول لها
* البدر يكتب الشعر بأشكال شعرية مختلفة. هل ترى لعامل الشكل أثر في مضامين القصائد؟ وهل يبدو كلاسيكيا وهو يكتب القصيدة النبطية؟ أم أن حداثته تظل حاضرة في تلك القصائد؟
- التنوّع حالة طبيعية، فحب التقليد موجود في النفس كما هو الحال في التحمس للتجديد، فالمرء بشكل عام حريص على وضع القيود ومتحمس للتخلص منها كذلك، حيث يرى أن له حدودا وخصوصيات لا يريد أن يقترب منها أحد، في الوقت ذاته يسعى جاهدًا للتخلص من بعض القيود رغبة في التحرر، فالثنائية في الشيء ونقيضه موجودة في ذات كل إنسان مهما ارتفع سلّمه الاجتماعي أو نزل
أما بخصوص تنوع الأشكال الشعرية، فكما أعلم أن البدر كتب القصيدة التقليدية بطابعها النبطي العتيد، وكتب قصيدة التفعيله، وله نص كما يحضرني بعنوان " أغصان المساويك " التي خرج بها عن النظام العروضي في الوزن، فهذه الأنواع الشعرية من الطبيعي أن يختلف الشاعر في طريقة تناوله لكل حالة في هذه الأشكال، لكن المتتبع لشعره يجد في بعض قصائده التقليدية - أي النبطية – ميلا للكتابة بشكل تقليدي يتوافق فنيًّاً مع أجواء النص، لكن العديد من نصوصه العمودية تتماهى مع قصائد التفعيلة لديه.
* أغلب قصائد البدر تم غناؤها من مطربين مختلفين. لكن البدر حافظ على نكهة نصه ولم يستسلم لإغواء الأغنية في كتابة النص الغنائي. ولذا الملحن هو من تكيف مع قصائد البدر. كيف ترى علاقة الأغنية مع تجربة البدر وكيف ترى البدر مع عالم الأغنية؟
- أستمع للموسيقى لكن لا علم لي بالألحان، ما أنا في هذا المجال إلا متذوق بسيط، لكن سأتحدث عما أعرفه، وقبل الدخول لهذا الأمر، سأسجل هنا اعتراضا بسيطا على مصطلح نص غنائي، فهو في الحقيقة نص شعري تم غناؤه أو كُتب من أجل أن يُغنى، لأنه في المقام الأول والأخير نص شعري
هناك مقولة شعبية "مرضي الناس كايد " وأفهم من هذا المأثور الشعبي أن الذي يسعى لإرضاء الناس يخسر نفسه، حيث إن أبسط وسيلة لبلوغ الفشل بأيسر الطريق هو السعي لإرضاء جميع الأذواق.. كن أنت، ومن بعدك الناس سيكونون أو سيتكيّفون معك، وهذا ما فعله البدر بكل بساطة
* البدر رفع سقف الخيال الشعري في الأغنية السعودية. بل ان قصائد البدر المغناة تعتبر حالة فريدة في الأغنية العربية. وسؤالي. هذا الخيال الشعري الشاسع هل قابله خيال موسيقي يتماهى معه. وهل نقول إن البدر ساهم أيضا في رفع سقف الخيال الموسيقي؟
- سؤالك هذا جعلني أرجع لبعض قصائد البدر المغناة، ومن ثم أعود لقراءة سؤالك من جديد، حيث أكاد أن أقول أنني ألمس كمتذوق للأغنية عذوبة خاصة في أداء المقاطع الموسيقية ولسان حالي يقول بأن البدر إذا لم يكن يملك الكلمة الأولى في تحديد كيفية أداء الملحن لألحانه، فإن لديه الرأي الأخير والمعتمد في قبول اللحن من عدمه
* كتب الكثير من القصائد الوطنية. كيف تجد تلك القصائد من الرؤية الفنية. هل كان البدر في رؤيته للوطن مختلفا عن الشعراء الآخرين وهو يكتب للوطن؟
- تحول الشعر الحديث أو المعاصر من طابع شعر الحماسة المعروف في الأدب العربي إلى نوع جديد يعرف بالشعر الوطني، وإن ظل شعر الحماسة على استحياء لدى بعض الشعراء النمطيين الجامدين
قلت ولازلت أقول بأن مزجه للمرئي باللا مرئي جعل الخطوط تتقارب لديه، فالوطن أرض، والأرض امرأة، والمرأة قصيدة، والقصيدة وطن، والوطن قصيدة، هكذا عنده تتحول المضامين إلى رؤى فنية
* (ليلة تمرين عطرك فضح ورد البساتين). في نصه العاطفي هل تجد أن البدر أسس لمناخ عاطفي مغاير عن البيئة المحلية. وان نكهة الحب المبثوثة في قصائده هي عالم مخترع. لكن هذا العالم جذب الرومانسيين الذين وجدوا في تعابيره العاطفية حالة مختلفة. كيف تقرأ هذه الرؤية؟
- الشاعر المبدع هو الذي لا يحاكي الواقع، وإنما هو الذي يوجد له واقعًا مغايرًا يصوره في مخيلته، يحدد أبعاده، يرسم خطوطه ومسافاته، ومن ثم يقوم بنقل ذلك الواقع المخبوء في وجدانه إلى الناس والحياة من خلال القصائد التي يبثها هنا وهناك، إنه لم يخلق مناخا جديدا لأن المناخ قد يتغير بل أوجد واقعاً جديداً وعبّد طرقاً جديدة سار الآخرون عليها
* البدر لا يبدو عفويا في كتابة القصائد ومع هذا نجده يكتب العديد من القصائد كردة فعل كقصائد الرثاء والاخوانيات وكذلك في المناسبات الوطنية. في هذه الحالة العفوية غير المعتادة في كتابته للقصائد هل يفقد عمقه الشعري. أم العفوية ناضجة وتجعله يكتب دون أن يلحظ المتلقي الفارق مابين النص العفوي والنص المكتوب بعقلانية المبدع؟
- في عرف الشعراء لا يقاس على الشعر العفوي، لأنه ناتج عن التلقائية، وهنا تحضرني مقولة لبشار بن برد الذي قال فيها عن نفسه: " لم أقبل كل ما تورده علي قريحتي، ويناجيني به طبعي، ويبعثه فكري "، فشعر الرثاء أو قصائده الخاصة هذه أشياؤه الخاصة كفرد وكإنسان يعيش هذه الحياة، ونحن نعتني بقصائده ذات الطابع الفريد التي تعنيه كفنان وكمبدع
* في قصائد البدر هناك رائحة ما للرحابنة. وخصوصا في قصائده المبكرة. هل لمست أثر هذه الرائحة الشعرية؟ وهل تجده الشاعر الفصيح الذي يكتب بلغة عامية؟
- التأثر بفيروز وعالم الرحبانية موجة فرضت نفسها على شعراء الحداثة في المنطقة، وحتمًا البدر منهم، إذ تخطر في بالي له نصوص تتماس مع هذا الجو ك " لو حبّت النجمة نهر " أو " قصّت ضفايرها ". أما بخصوص الشق الثاني من سؤالك، فلا أجده كذلك، بل أجده شاعرًا شعبيّاً حداثيّاً استفاد من الفصيح حيث ألمس فيه نزار وإيليا أبو ماضي، شاعر نبطي ثار على الرتابة في كتابة القصيدة وخلق له عالمه الخاص مستفيدًا من أدواته الفنية كالاطلاع على الشعر الفصيح أو الاستفادة من معارفه الحياتية والثقافية التي لا غنى للشعراء عنها
* في قصيدته النبطية ينحاز أحيانا إلى المفردة السهلة والمترفة. وأحيانا ينحاز إلى المفردة الخشنة. المتوغلة في جذور الصحراء. هذه الخيارات الفنية في استخدامه للمفردة. كيف تقرأها؟
- لا يستطيع الشاعر الواثق بشاعريته عندما يهمّ بكتابة نص ما أن يحدد البحر والقافية أو الشكل الفني الذي يريد الكتابة عليه، حيث الكتابة الشعرية في الأساس نزوع إلى الجمال وتوق فني إلى الكمال، وما هذا التحوّل من السهولة إلى الخشونة إلى مسبب لبلوغ هذا الغرض، وهذا الشيء دليل على تماس التقليدية والتجديدية في شعره، أو حب القيود والرغبة في التخلص منها في آن كما أسلفنا في غير هذه النقطة
* في بعض القصائد ذهب البدر إلى التفاصيل اليومية مثل قصيدة: في الشارع. . عتمة ونور. . زحمة.. وإشارات المرور. كيف ترصد تجربة البدر في قصيدة التفاصيل اليومية؟
- في نصوص التفاصيل اليومية للحياة يخلع الشاعر عباءة المهارات الأسلوبية والأجواء المخملية التي اعتاد عليها الشعراء، ليدقق بتفاصيل الأشياء من حوله، لأن الشعر المخملي يجبر صاحبه على انتهاج أساليب لغوية عالية التقنية، وهذا الشيء لا يتوافق مع من ينتهج شعر التفاصيل التي تجبر الشاعر أن يكون في الشارع وقريبًا من إشارات المرور، الأمر الذي دفعه لممارسة أسلوب السرد القريب من القصة، وذلك لأنه تخلص من رمزية الشعر وغموض المعنى من أجل أن يكون واضحًا وضوح الشمس التي يسير تحتها
* العيون السود هي خيار البدر المفضل ودوما يصف العين بتلك الصفة ماعدا مرة استخدم هذا الوصف في أغنية الرسايل " دمعة العين الكحيله عذرها الواهي دليل". هذا التكريس للعيون السود هل انحياز للذوق الكلاسيكي أم هو خيار فني أم هي حالة عفوية لم يتقصدها البدر؟
- من يقرأ شعر الغزل العربي يكتشف بأن الجميع إلا ما ندر يتغنون بامرأة: الطويلة – الجميلة – ذات العيون السود – الخدود – الشفاه – القوام الممشوق. . وكأن الجميع يعشقون امرأة واحدة مهما كان للشعراء تبريراتهم التي يريدون بها إقناع أنفسهم. أما مسألة الانحياز للذوق التقليدي فأمر طبيعي، ومن يتفحص مثالك الذي طرحته هنا يجد أن السواد في العيون هو المسيطر على وصف البدر لهذه العيون، باعتبار أن الكحل أسود، فالسواد موجود في العيون على مستوى الوصف أو الدلالة
* (وليلة كانت الفرقا. ان الفراق جزا الفراق). ثيمة الفراق هي الأعلى حضورا في نص البدر العاطفي. كيف تفسر تكرار هذه الثيمة. ولماذا في تصورك أن اغلب قصائده تنحاز إلى النهايات في الحب وليس بدايات الحب؟
- الحب قصته قصة، بدايته أنيقة لطيفة، وأوسطه حيرة وذهول ونهايته عذاب وحزن ومشقة، والحب الجميل للأدباء وللشعراء هو الذي يموت كحكاية بينما تظل ذكراه تداعب النفوس بين الفينة والأخرى، والشعر العظيم هو الذي ينشأ بسبب حدوث علاقة مفقودة لأن المسرور المبتهج لا وقت لديه للكتابة أما الحزين المهموم فيسلي نفسه باجترار أشجانه والحديث عنها
*البدر جرّب كتابة المسرحية الشعرية والرواية الشعرية. وغيرها من الأجناس الشعرية. كيف رأيت حظوظه في النجاح في تلك التجارب الإبداعية؟
- حقيقة لم تشأ لي الظروف للاطلاع على المسرحية أو الرواية حتى أستطيع أن أصدر رأيي حول هذين العملين، ولعلي أوضحت فيما سبق من مداخلات حول تجربة البدر الشعرية كل ما كان يعتلج في نفسي، ويدور في خاطرك يا أخي الكريم
محمد مهاوش
ماينقش العصفور
فيروز
إليا أبو ماضي
نزار قباني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.