صادف احتفال المملكة العربية السعودية باليوم الوطني 86 مع مناسبة عيد الأضحى المبارك، ونجاح موسم حج 1437، في إنجاز غير مسبوق في أداء حجاج بيت الله شعائر نُسُكَهم بكل يسر وسهولة في ظروف سياسية واقتصادية صعبة تجاوزتها المملكة بكل كفاءة واقتدار، لذا كان الاحتفال بهذه المناسبات مميزا وفريدا، ليعكس هذا النجاح الجهود التي بذلتها كافة القطاعات العسكرية والأمنية والمدنية، وذلك أداء للرسالة والأمانة والتشريف التي حملتها هذه الأمة منذ تأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وحتى تاريخ عهدنا هذا، عهد الخير والنماء والتطور والحزم والحسم، عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود حفظه الله.. لذا كان الاحتفال بهذه المناسبات مميزاً. إذ تطل علينا في كل عام ذكرى اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، لنقف برهة من الزمن لنعيد للأذهان أمجاد وحضارة أمة، إذ يظل الأول من الميزان، يوما تاريخيا، منقوشا في فكر ووجدان المواطن السعودي، اليوم الذي وحد فيه الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- شتات هذا الكيان العظيم، وأحال الفرقة والتناحر إلى وحدة وانصهار وتكامل، ففي هذه الأيام تحتفل بلادنا بإحياء هذه الأجواء وهذه الذكرى العطرة (ذكرى اليوم الوطني)، وهي مناسبة خالدة، ووقفة عظيمة تسترجع فيه الأجيال، قصة كفاح وملحمة وطنية بطولية، وأمانة قيادة، ووفاء شعب، ونستلهم من الاحتفال بهذا اليوم القصص البطولية، التي سطرها مؤسس هذه البلاد الملك عبدالعزيز رحمه الله، الذي استطاع بفضل الله عز وجل، ثم بما يتمتع به -طيب الله ثراه- من شخصية قوية نادرة، وفكر نير، وحنكة وحكمة، وبعد نظر، وسرعة بديهة، ورباطة جأش، وفطنة وكياسة، وقيادة فذة، أن يغير مجرى التاريخ، وقاد بلاده وشعبه، إلى الوحدة، والتطور والازدهار، متمسكاً بعقيدته، ثابتاً على دينه في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية السمحة. إن ذكرى اليوم الوطني للمملكة مناسبة عزيزة على قلوب أبناء هذا الوطن، تتكرر كل عام نتابع من خلالها مسيرة النهضة العملاقة التي عرفها الوطن، ويعيشها في كافة المجالات، والتي تعتبر معجزة، بكل المقاييس، حتى غدت المملكة وفي زمن قياسي في مصاف الدول المتقدمة، بل تتميز عنها، بقيمها وعقيدتها الإسلامية، وتراثها، وتبنيها الإسلام منهجاً وغاية وأسلوب حياة، حتى أصبحت ملاذ جميع المسلمين، إذ أولت خدمة الحرمين الشريفين في مكةالمكرمة والمدينة المنورة، جل اهتمامها منذ عهد المؤسس الأول الملك عبدالعزيز رحمه الله، وسار عليها أبناؤه من بعده، إذ شهد الحرمان الشريفان توسعات عملاقة ضخمة من أولويات اهتمام الدولة، حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، إذ بذل كل غال في إعمار الحرمين الشريفين وتوسعتهما بشكل أراح زائريهما من المصلين والمعتمرين والحجاج، وأظهر اهتمام الدولة على خدمة المسلمين وإبرازها في أفضل صورة يتمناها كل مسلم. إن في حياة الأمم والشعوب أياماً ووقفات من أنصع تاريخها.. ويومنا الوطني لبلادنا الطاهرة تاريخ بأكمله.. إذ يجسد مسيرة جهادية وملحمة وطنية، خاض غمارها الملك المؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز، معه أبطال مجاهدون، هم جيل الآباء والأجداد في سبيل ترسيخ أركان ودعائم هذا الوطن وتوحيده، تحت راية لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وهي راية التوحيد، فمثلما كان اليوم الوطني تتويجاً لمسيرة الجهاد من أجل الوحدة والتوحيد، فقد كان انطلاقاً لمسيرة جهاد آخر.. جهاد النمو والتطور والبناء والنهضة والتنمية لبناء الدولة الحديثة. لقد حظيت التنمية الاقتصادية بجل اهتمام الدولة طوال تاريخها الطويل، لذا جاء برنامج التحول الوطني، الذي اعتمده مجلس الوزراء في جلسته التي عقدت غرة شهر رمضان 1437ه الموافق 2016/6/6، أهم برامج رؤية المملكة 2030، بعد أن تم الاطلاع على ما رفعه ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، على تنظيم عمل المركز الوطني للدراسات الإستراتيجية التنموية، إذ اعتمد مجلس الوزراء إطار حوكمة تحقيق «رؤية المملكة 2030»، الذي شمل تفاصيل لأدوار ومسؤوليات الجهات ذات العلاقة بتحقيق رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وآليات التصعيد المتبعة لتذليل العقبات التي تعوق تحقيق البرامج التنفيذية لأهدافها، واعتمد برنامج التحول الوطني الأهداف الإستراتيجية الداعمة لتحقيق رؤية المملكة العربية السعودية 2030، والوقوف على التحديات التي تعوق تحقيقها، والابتكار في وضع مستهدفاتها لعام 2020، والتي جاءت على النحو التالي: ترجمة الأهداف الإستراتيجية إلى مبادرات تنفيذية خاصة بالجهات المشاركة لتحقيق تلك الأهداف، وتطوير خطط تنفيذية تفصيلية ودراسة الجدوى الاقتصادية، بما ينعكس على عملية التخطيط والتنفيذ، ورفع كفاءة الإنفاق، وتحقيق الأولويات الوطنية. تحديد الأولويات الوطنية ذات الأثر والنفع العام، والمبنية على الأهداف الإستراتيجية للرؤية، إذ يتم تحليل المبادرات إلى برامج دعم متخصصة. المساهمة في توليد الوظائف إلى أكثر من 450 ألف وظيفة في القطاع الخاص بحلول عام 2020. تعزيز العلاقة مع القطاع الخاص في دعم وتمويل المبادرات، ما يوفر نحو 40% من الإنفاق الحكومي لرفع مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي. يساهم عدد من مبادرات التحول الوطني في توطين أكثر من 270 مليار ريال في المحتوى المحلي، بما يعزز الارتقاء بالقيمة المضافة للمحتوى المحلي، والتقليل من الاعتماد على الواردات، وخلق فرص عمل جديدة. المساهمة في التحول الرقمي حيث حدد برنامج التحول الوطني خمس منصات رقمية مشتركة بين الجهات العامة، و29 مبادرة رقمية جوهرية متعلقة بقطاعات حيوية، وعدداً من الأصول الوطنية الرقمية، يمكن استثمارها لدعم برنامج التحول الرقمي الحكومي، وذلك تماشياً مع الالتزام برؤية المملكة 2030، بتنمية البنية التحتية الرقمية، وتنشيط القطاعات الاقتصادية، ودعم الصناعات ومنشآت القطاع الخاص، والدفع نحو تطور نماذج الأعمال بين القطاعين الحكومي والخاص. هذا ووضع برنامج التحول الوطني إستراتيجيات وأولويات لتنفيذ تلك البرامج تعتمد على عدة مراحل، أمكن إيجازها فيما يلي: حصر تحديات الجهات في سبيل تحقيق رؤية المملكة 2030، ووضع أهداف مرحلية حتى عام 2020. تطوير مبادرات داعمة بشكل سنوي لتحقيق الأهداف الإستراتيجية. تطوير الخطط التنفيذية التفصيلية لتنفيذ المبادرات. تعزيز الشفافية ونشر النتائج والإيضاحات والمستهدفات. المراجعة والتحسين المستمر، وإطلاق المبادرات الجديدة، إضافة إلى ضم جهات إضافية إلى البرنامج. كما حققت المملكة سبقاً في المجالات كافة، والأخص بها المجال الصحي، إذ شهد نقلات نوعية صحية ضخمة، أخذت بأسباب التطورالتكنولوجي والتقني، في ربط مستشفيات المملكة بالمراكز الطبية الجامعية العالمية المتخصصة المتطورة، عبر الأقمار الصناعية على مدار الساعة، الأمر الذي يزيد من فرص الاطلاع المعرفي، ومن سهولة الاستعانة بآراء واستشارات المراكز الطبية الأخرى، التي تمكن من تشخيص بعض الحالات، التي كانت في السابق تتطلب جهوداً أكبر للحصول على هذه الخدمات الطبية. إن توحيد هذه البلاد على يد قائدها الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، تجربة فريدة من نوعها، مميزة في أسلوبها، قدمها للعالم نموذجا ناجحا في تاريخ الأمم، وأبرز ذلك النهح الذي تبنته المملكة في سياستها الداخلية القائمة على مبادئ الإسلام الحنيف، كان نتاجها استقرار الأوضاع الأمنية، وتأمين وتوفير مناخ آمن للمواطن بالرغم ما تشهده المنطقة والدول المجاورة من صراعات ومتغيرات، من جهات تمول وتشجع وتدعم الإرهاب، كانت المملكة لها بالمرصاد، ونجحت في تحقيق إنجازات أمنية، أذهلت العالم في مواجهة هذه الفئة الباغية الضالة، وبالرغم من كل ذلك تتمتع المملكة برخاء وازدهار واستقرار، بفضل السياسة الحكيمة التي وضع أسسها المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله، وسار عليها أبناؤه من بعده. كما نجحت السياسة الخارجية والدبلوماسية السعودية، في تحقيق إنجازات أذهلت العالم، مستمدة من نهجنا وتراثنا وحضارتنا، من احترام سيادة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، ونجاح المملكة في تقديم المساعدات ونصرة المظلوم، ووقف أي عدوان على أراضيها، فتبنت أخيرا عاصفة الحزم وإعادة الأمل لعودة الشرعية لليمن، وكذلك نصرة الشعوب العربية من الظلم والجور والطغيان. إن احتفالنا باليوم الوطني ال86 للمملكة العربية السعودية هو فرصة نادرة لأن نغرس في نفوس النشء معاني الوفاء لأولئك الأبطال الأشاوس، الذين صنعوا هذا المجد لهذه الأمة، ليستشعروا الفخر والعزة والكرامة، وتغرس في نفوسهم تلك المبادئ والمعاني السامية التي قامت عليها هذه البلاد، وكذلك تعمق في روح الشباب معاني الحس الوطن، ومشاعر الولاء والانتماء إلى هذه الأمة، حتى يستمر عطاء ذلك الغرس المبارك، الذي تجسد في التضحيات التي يقدمها أبناء هذا الوطن المرابطون على ثغورنا في الحد الجنوبي. سائلين الله العلي القدير أن يوفق الجميع لرسم تلك الصورة المشرقة، التي نقلت فيها البلاد من أمة جاهلة متناحرة إلى أمة واحدة قوية في إيمانها وعقيدتها، غنية برجالها وعطائها وإسهامها الحضاري، فخورة معتزة بأمجادها وتاريخها.. فإلى المزيد من التقدم والنمو والرفاهية، تحت ظل قيادتنا الرشيدة وولاء شعبنا ووحدة وطننا.. حفظ لنا الله نعمة الأمن والأمان والتطور والازدهار. * الرئيس التنفيذي لأسمنت العربية - جدة