منذ زمن بعيد يمارس المعتدي صلفه، هذه الحقيقة تنبه لها الفلاسفة فصاغوا حكاياتهم هربا من جور وبطش الحكام الجائرين وتناقل الحكاؤون تلك الحكايات عبر الزمن. فالفيلسوف بيدبا صاغ قصصا ذات عبرة عن جور المستبد، ومن أشهر القصص لهذا الاستبداد قصة الذئب والحمل إذ يروى أن ذئبا وقف يوما ليشرب من أعلى النبع، فإذا بحمل صغير يشرب من أسفل النبع، فقال له الذئب: «لماذا تعكر عليّ الماء؟»، فقال الحمل الصغير: «وكيف لي أن أعكر عليك الماء وأنت تقف في أعلى النبع، والماء يأتيني من جهتك؟»، قال الذئب لا بد أنك عكرته العام الماضي! قال الحمل ولدتني أمي هذه السنة ولم أكن موجودا في العام الماضي. قال الذئب لعل أباك هو الذي عكر مائي سأنتقم منك! قال الحمل لقد باعه راعينا إلى القصاب وذهب به بعيدا ولم يشرب من هذا النهر. قال الذئب إذن.. هي أمك التي عكرت مائي وانقض الذئب لافتراس الحمل. هذه هي وسيلة المستبد، وكان هذا الاستبداد السياسي له صورة واحدة عندما كان النظام له حدوده الجغرافية، أما في زمن الاستبداد الدولي الحالي فقد غدت أمريكا هي الذئب الذي لا تقنعه كل المبررات المبرهنة على عدم اتساق حجته فظل في حالة ترقب للانقضاض على فريسته. ويتضح هذا التحفز الأمريكي للانقضاض على العالم الإسلامي من خلال قانون أقره الكونغرس الأمريكي تحت مسمى «العدالة ضد رعاة الإرهاب»، وإذا شئنا معرفة القانون فظاهره حق وباطنه باطل، فصياغة القانون في ظاهره لا لبس حوله عندما يمنح الحق لأقارب ضحايا العملية الإرهابية، التي وقعت في 11 سبتمبر عام 2001، بمقاضاة الدول الأجنبية ورفع الحصانة الدبلوماسية عنها إن وجد أن لها علاقة بوقوع هجمات إرهابية على أرض الولاياتالمتحدةالأمريكية. وهذا الحق لا اعتراض عليه، وإنما الاعتراض على اتساع الدائرة التي تمكن أمريكا من وضع من تشاء داخل الدائرة، ووضع كل دولة تحت المنظار الأمريكي حتى وإن لم تثبت القرائن والأدلة على تهمة بعينها. ونعلم أن الكونجرس الأمريكي لم يستطع إثبات أن المملكة كان لها دور في هجمات 11 سبتمبر إلا أن حجة (الذئاب) لاتزال مترسخة في ذهنية الكونجرس الأمريكي لتثبيت الإدانة مع أن كل ما سبق من تبرئة لم يثبط حجة الذئب. وعندما يظل موقف الرئيس أوباما غامضا إزاء التهمة ضد السعودية (والذي تم نفي التهمة من خلال أوراق الكونجرس نفسه) يعزز الظن بأن بلادنا مستهدفة تماما كونها لم ترسب في وحل ثورات الربيع العربي لهذا جاء الذئب بادعاء جديد. الآن، وإزاء التنديد الإسلامي بقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب كيف يمكن استخدام السجل الأمريكي ضد دولنا الإسلامية ودفع الحركات الإرهابية على أراضي المسلمين ورعايتها؟ فهل يمكن أن يتجمع العالم الإسلامي ككتلة واحدة، ويطالب بالعدالة ضد رعاة الإرهاب في المحكمة الدولية، واتهام أمريكا برعاية الإرهاب؟ إذ يمكن للعالم الإسلامي أن يخاطب الكونجرس الأمريكي بالحجة نفسها: أنا أدينك بقانونك ذاته. [email protected]