عقد في غروزني عاصمة الشيشان الروسية (25 - 27 أغسطس الماضي) مؤتمر «إسلامي» لتحديد مصطلح وأتباع أهل السنة والجماعة!؟ عقد هذا المؤتمر برعاية روسية.. ومشاركة من رموز ومؤسسات كانت معالم لمذهب أهل السنة والجماعة، قبل أن يُزج بها في أتون السياسات الإقليمية والدولية؛ لأغراض بعيدة كل البعد عن المقاصد الفقهية والعقدية، التي كانت تُعد اجتهادات لإثراء الفكر وتحري ممارسة الشعائر الإسلامية الصحيحة، وفقاً لنهج النبوة وما سار عليه الصحابة والسلف الصالح، رضوان الله عليهم أجمعين. المفاجأة لم تكن فقط في رعاية المؤتمر وليس في منْ حضره، لكنها كانت في ما جاء عن هذا المؤتمر من إقصاء لطائفة واسعة - هي الغالبة - من أهل السنة والجماعة من المذاهب المعتبرة الأربعة وتابعيهم ومقلديهم ومريديهم، في الأمور والتفاصيل الفقهية، وليس في العقيدة الصحيحة التي يعتنقونها، من أهل الحديث والسلفيين وغيرهم، الذين هم على خلاف (عقدي) مع الشيعة.. وغلاة المتصوفة.. والمعتزلة، وتابعيهم من الجبرية ممن قالوا قديما بخلق القرآن. لم يعد الخلاف المذهبي سنياً شيعياً، بل أضحى، بقرارات هذا المؤتمر، هناك خلاف (عقدي) بين أهل السنة أنفسهم، يطال الأصول وليس فقط الفروع، بهدف إخراج أغلبية أهل السنة والجماعة، من الملة، والعياذ بالله، ومن ثَمّ التحريض على قتالهم، بمعونة أعداء الدين من الملحدين وأتباع الديانات الأخرى! تماماً كما حدث تاريخياً، في تجربة الحروب الصليبية.. وغزو التتار، وطرد العرب المسلمين من الأندلس. هذا المؤتمر، أولاً وأخيراً، بعده سياسي، ولا يمت إلى الدين بأي صفة. من خلال من حضر المؤتمر.. ومن رعى المؤتمر.. ومن لم توجه لهم الدعوة للمشاركة في المؤتمر، تتبين لنا أجندة المؤتمر الخفية، مهما حاول منظمو المؤتمر ورعاته والداعون إليه والمضيفون له، الاختباء وراء ستار ديني مذهبي، لمناقشة قضية هي محسومة، منذ قرون. لطالما نُظر إلى المملكة العربية السعودية بوصفها زعيمة العالم الإسلامي السني، في العالم.. ولطالما نُظر إليها، كمرجعية رائدة في الفكر والممارسة السلفية، الأقرب لمناهج السنة النبوية وهدي القرآن الكريم. ثم في صدر زعامة المملكة الروحية للعالم الإسلامي، يأتي شرف خدمة وسدانة الحرمين الشريفين، التي رمى المؤتمرون (المتآمرون) إلى النيل من سيادة المملكة على أراضيها، التي تضم أطهر بقاع الأرض قاطبة (مكةالمكرمة والمدينة المنورة). الشيء الملفت في هذا المؤتمر ليس فقط تجاهل دعوة المملكة لحضوره والمشاركة في فعالياته، إنما نجاح منظمي المؤتمر ورعاته، حضور مؤسسات علمية سنية عريقة، مثل الأزهر، الذي حضر شيخه وشارك في صياغة قرارات المؤتمر وتبني موقفه، الذي انتهى بإخراج المملكة بعلمائها وشعبها من أهل السنة والجماعة! قد يتفق هذا مع توجه مشيخة الأزهر الحالية المغالية في صوفيتها المتطرفة، إلا أن الأزهر يظل ركناً أساسياً من أركان الدولة في مصر. كما أن شيخ الأزهر لم يحضر وحده المؤتمر، بل جاء معه مفتي الديار المصرية الحالي والسابق.. ومستشار رفيع في الرئاسة، الذي هو في الوقت نفسه، وكيل اللجنة الدينية في البرلمان! كما أن ما صدر عن المؤتمر من قرارات، يتوافق مع توجه رسمي - غير تقليدي - في مصر، يطال ليس فقط تعريف أهل السنة والجماعة، بل توجه لتعريف الإسلام، ومراجعة (النصوص)، بدعوى الوسطية والاعتدال ومحاربة التشدد والإرهاب! فإذا كان المؤتمر أخرج المملكة بعلمائها وشعبها من أهل السنة والجماعة، فإنه أدخلهم - في نفس الوقت - ضمن رعاة الإرهاب، في تحريض واضح لمقاطعة المملكة، بل وإعلان الحرب عليها! هناك موقف سلبي، ليس فيه فقط تهوين لما صدر عن المؤتمر للنيل من مكانة المملكة الرفيعة وزعامتها للعالم الإسلامي، بالتشكيك في انتمائها لأهل السنة والجماعة، فحسب.. بل يتعدى لما هو أخطر من ذلك: تجاوز حدود ومنطلقات خريطة التحالفات الإقليمية، في المنطقة.. وما تُعورِف عليه وأُخذ به من تحديد لمعالم العلاقة مع قوى دولية، بعضها لم يخفِ تاريخياً عداءه لنا، والبعض الآخر عُدَ (تاريخياً) ضمن منظومة حلفائنا الدوليين التقليديين. ليس هنا مجال الحديث عن ما قدمته المملكة من دعم وتأييد ومساندة لأشقاء لنا، كان دافعه الأساسي الإحساس بمسؤولية حقيقية تجاه الأمن القومي العربي. لقد أظهر المؤتمر وجه السياسة الآخر القبيح، الذي يعكس حقيقة ما لا يمكن أن تخفيه عبارات وسلوكيات الدبلوماسية الخادعة، ولا ادعاءات وشعارات المصير الواحد المشترك الجوفاء. آن الأوان لأخذ موقف من سياسات تقليدية متبعة تدعو: للحفاظ على وحدة الصف، مع من يعمل على شق صفوف الأمة ويجعل من نفسه معولاً في يد أعداء الأمة لهدم وحدة المسلمين والنيل من عقيدتهم، تمهيدا للإجهاز على الأمة ودينها الحنيف. إن قرارات مؤتمر غروزني لا يجب أن ينظر إليها خارج من دعا وموّل واستضاف المؤتمرين (المتآمرين)... إن ذلك المؤتمر في حقيقة الأمر، يهدف إلى نزع العقيدة الإسلامية من إيجابيتها في نهج دعوتها لدين الله الحنيف.. وتطبيق شريعة الإسلام السمحة. واستبدال كل ذلك بالتجديف في عقيدة أهل السنة والجماعة الصحيحة النقية، الخالية من البدع والضلالات، حتى يفقد الإسلام روحه النيرة الخيرة، ولن يبقى منه سوى طقوس مبتدعة.. وسلوكيات سلبية.. وروح منهزمة، وملذّات دنيوية مبتذلة. لقد أراد المجتمعون في غروزني هدم الإسلام من جذور عقيدته السمحة.. وتقويض أعمدة فروضه الواجبة.. وزعزعة أركان دعوته الخالدة لعبادة الله وحده لا شريك له، بعيداً عن البدع والضلالات. إن الوقت قد حان للذود عن عقيدة الإسلام السمحة.. وتأكيد تمسكنا بتطبيق شريعته العادلة.. والالتزام بتحمل مسؤولية نشر دعوته الخالدة ليعم السلام والحرية المعمورة. وهذا لن يتأتى إلا باتباع سياسة وطنية حازمة غير تقليدية، تعطي الأولوية لمصالح الوطن.. وتتحرك إستراتيجياً للذود عن أمنه. لم يعد هناك مجال لترديد شعارات وحدة الصف، وهناك من يعمل لشق الصفوف.. وليس هذا مجال للحديث عن الأمن القومي، مع من جعلوا من أنفسهم حصان طروادة لتقويض الأمن القومي من داخله، خدمةً لأعداء الإسلام والعروبة. [email protected]