ساهمت الحرب العالمية أيضاً في تحقيق حسن عباس شربتلي ثراء غير متوقع. فهو يعترف أنه مارس الاحتكار في تلك الحقبة وجنى من ورائه أرباحاً طائلة، وذلك من خلال شراء كل الكميات الموجودة في السوق السعودي من العدس والفول والأرز وغيره. لكنه يخبرنا أيضاً أن الأمور كادت تنقلب ضده حينما وصلت إلى ميناء جدة -بصورة مفاجئة- مراكب بحرية صغيرة محملة بالمواد الغذائية من السودان ومصر واليمن. لذا راح شربتلي إلى المدينةالمنورة لاستقراء أحوالها وأوضاع تجارها، علّه يجد منفذاً لتصريف ما كدسه من بضائع. ويشاء الله أن يعود الرجل إلى جدة ليجد مفاجأة في انتظاره! دعونا نقرأ ما قاله حول هذه المفاجأة (بتصرف): «كانت هناك كميات كبيرة من بعض البضائع في مستودعاتي، مثل ورق السجائر التي ارتفع سعرها من ريالين إلى 60 ريالاً. كما لاحظتُ ارتفاع أسعار مواد العطارة التي كنت أحتفظ بكميات كبيرة منها ارتفاعاً كبيراً، فوجدت أن حسابات الربح والخسارة صارت في مصلحتي، وهكذا حققت أرباحاً عالية جداً». المفارقة في مسيرة شربتلي أن من يدقق في سيرته المهنية يجد أن مصدر ثرائه الأول كان تجارة المواد الغذائية التي عززها لاحقا -أي بعد دخول البلاد السعودية عهد التنمية والبناء- بتجارة الأسمنت والحديد. وقال (بتصرف): «كنت أول من استورد الإسمنت إلى السعودية من السويد، حيث كان سعر الكيس الواحد أربعة ريالات، كما استوردت الحديد، وتعاملتُ من أجل ذلك مع بريطانيا واليونان والعراق وبلجيكا، وكان لدي موظفون يساعدونني في أعمال الترجمة». غير أن النشاط الذي حقق له ثراء أسطورياً، والذي بسببه ترك التجارة، هو النشاط العقاري الذي لم يولِه في بداية الأمر أي اهتمام، إضافة إلى الاستثمار في الأسهم. وفي هذا السياق نقل عنه قوله: «كنتُ أرفض الدخول في تجارة الأراضي، ومع ذلك.. كل الخير جاءني منها»! بدليل وجود صكين في حوزته خاصين بما مجموعه 38 مليون متر مربع من الأراضي في غرب السعودية، استحوذ عليها في وقت لم يكن لها قيمة، فيما وصلت قيمتها قبل وفاته إلى أرقام خيالية. وقد اعترف شربتلي أنه لا يستطيع تقدير ما يملكه من الأراضي والعقارات لعدم احتفاظه بسجلات كاملة عنها، ثم «لأنني أخشى أن أحسد نفسي». وحينما وُجه إليه سؤال حول كيفية تمكنه من الاستحواذ على هذه المساحات الضخمة من الأراضي، أجاب (بتصرف): «كان بعض الإخوان يأتون إليَّ ويعرضون عليَّ أراضي المنح التي حصلوا عليها، ويصل الأمر بهم إلى إلزامي بأخذها في بعض الأحيان أو إهدائها لي، فأعطيه مقابل قيمتها. ووقتها لم تكن للأراضي قيمة، وكان الناس لا يقبلون عليها، وأذكر أن المتر كان يباع بربع ريال (وصلت قيمة المتر المربع في التسعينات إلى أربعة آلاف ريال)». وعلى الرغم من أن شربتلي -باعترافه- لم يحب الاستثمار في البنوك أو المساهمة فيها خشية من الشبهة بحسب قوله، إلا أنه ساهم في بنك الرياض (أحد أكبر المؤسسات المالية العريقة في السعودية) حينما تأسس في عام 1957 برأسمال 50 مليون ريال، شريطة استثمار موجوداته في الأراضي. وسبب هذا الشرط هو أن الرجل لاحظ ارتفاع عائدات البنك المحلي المنافس الآخر (البنك الأهلي التجاري) نتيجة لدخوله مجال الاستثمار في الأراضي.