في بداية عصر التنمية كان الاهتمام ينصب على الشهادة العلمية في شغل المناصب العامة جنبا إلى جنب مع بعض المعايير الأخرى الموازية والتي كانت تقوم بدور ال «المرصص» للقب «دكتور» والذي شكل عملية إبهارغير مسبوقة في ذلك الوقت وأصبح وصفة سحرية لكل الراغبين والمهووسين في المناصب العامة التي ازدهر سوقها في بدايات الطفرة الأولى وفي تقديم أنفسهم على لائحة هذه المناصب، وظل مثل هذا اللقب يمثل القاسم المشترك آنذاك في أدبيات اختيار الكفاءات الحكومية وأصبح أصحاب «الدال» يمثلون آنذاك الرعيل الأول من جيل التكنوقراط الذين أرسوا دعائم التنمية بعد حقبة ارتفاع النفط في جيل السبعينيات والذين كانوا قد تخرجوا للتو من الجامعات الأمريكية والبريطانية وأبلوا بلاء حسنا في عملية إقامة البنية التحتية للبلاد، لكن ومع الزمن، طغت عوامل أخرى بعد أن خف بريق مثل هذه الألقاب والشهادات المجردة مع تزايد أعدادها لاحقا في البلاد، في حين بقيت جذورهذه الثقافة في الاختيار قوية وضاربة، ومع تفاقم مظاهر البيوقراطية وتراكم المشكلات العامة وتراجع برامج التنمية رغم وجود الأسطورة على رأس المنصب، تراجعت هذه العقدة وعدنا في المرحلة اللاحقة للاستنجاد بالقطاع الخاص كمعمل لتحضير الوزراء والمحافظين ورؤساء المؤسسات العامة ومن في حكمهم، وبطبيعة الحال لم ننس نصيبنا من أرامكو وسابك. لكن النجاح الذي كان يحرزه القادمون من القطاع الخاص في شركاتهم ومؤسساتهم لم ينعكس بالضرورة على عملهم الحكومي، بل قد يكون لذلك ردة فعل سلبية بسبب عدم قدرة هذا المسؤول على الآداء في أجواء إدارية ومالية تختلف تماما عن أجواء القطاع الخاص، إذ التنفس برئة إدارية واحدة خلاف أن ليس لديه بالضرورة ملكة المكر الإداري الذي اكتسبه زميله الذي ترعرع في القطاع العام واكتسب مهاراته وضروراته وعرف متى يتحدث ومتى يسكت، وإذا تحدث وماذا يقول !! ورغم أن فرص النجاح لبعض الكفاءات للقادمين من القطاع الخاص يفترض أن تكون أكبر قياسيا بسيرتهم الذاتية التي سبقتهم إلى هذه الكراسي، إلا أن الذي حصل يشير إلى خلاف ذلك تماما، فأين تكمن المشكلة ياترى؟ هل المشكلة واقعة في الفجوة بين قيم العمل في القطاع العام والخاص وتقنياته المعاصرة، أم أن طبيعة هذه المناصب وإن كانت تكنوقراطية تحتاج إلى جرعة تأهيل سياسي وإداري وليس مهنيا فقط ؟. [email protected]