الاقتصادية - السعودية في أثناء زيارة أستاذ الاقتصاد من جامعة هارفرد دان بباي للملكة، تحدثنا عن مواضيع مختلفة من تحديات التنمية إلى أفضل السبل لتشجيع الصغار على القراءة، ولكن لفت نظري ملاحظة واحدة حين تحدث عن كتاب دارون، والربط بين حالة التنمية في المملكة وطرح هذا العالم. ذكر أنه في الأخير لا يفوز الأسرع ولا الأقوى، ولكن من يستطيع التكيف، وأردف يقول إن التكيف - ما هو إلا المنافسة في بيئة تسمح بالتنافس للأصلح؛ لأن المنافسة بحد ذاتها قد تكون مدمرة إذا كانت البيئة غير سوية مؤسساتيا. انتهى حديثه وجاء التغيير الوزاري ليذكرنا مجددا بضرورة التعامل مع التحديات التنموية من منطلق جديد. التغيير الوزاري امتداد للطبيعة التكنوقراطية السائدة، خاصة أن الغالبية من المجربين بيروقراطيا. العلاقة بين ملاحظة دان والوزراء هي مدى الحاجة إلى تغيير البيئة؛ ليكون التنافس باعثا عميقا وحقيقيا للتقدم، وليس فقط من منظار مواصلة الطرح المعتاد. تعرفت على بعضهم، وليس لدي شك في مقدرتهم وحرصهم على خدمة الوطن، ولكن البيئة أهم من الأشخاص في أغلب الأوقات وأكثر الحالات. تشبعت البيئة الإدارية والاقتصادية بنسق تراكم على مدى عقود، ولكن العوامل السكانية والتعليمية والدولية وأنماط التفكير والتواصل تغيرت، ولذلك لم يعد الطرح القديم كافيا للتعامل مع قضايا التحديات الراهنة في ظل مستوى إنتاجية لم يحقق تقدما يذكر، لذلك فإن التحدي الكبير من نوعين: النوع الأول تكنوقراطي، وهو ما تحاول الوزارة الجديدة مواجهته، وقد حقق بعض الاختراقات مثل ما قامت به وزارة التجارة. ولكن التحدي الأهم يتمثل في تحديد وتقويم البيئة. التحدي البيئي يبدأ بإعادة تعريف المصطلحات كي نستطيع النفاذ إلى فكر جديد. اعتدنا تعريفا خاطئا للمؤسسات حين نعرفها بأنها تلك الشركة أو الوزارة أو الجهة الرقابية أو غيرها من الفعاليات المشاركة، ولكن المؤسسة هي قوانين وأنظمة اللعبة أيا كان المجال. فلا بد من أنظمة جديدة للطرق، ولا بد من أنظمة جديدة للأراضي، ولا بد من أنظمة جديدة للابتعاث، ومن يؤهل للجامعة، ولمن يستحق الضمان الاجتماعي، ومنظومة للقطاع الصحي وللعمل، وليس برامج تعويضية قبل أن يبدأ العلاج الحقيقي . لا بد أن تكون هذه الأنظمة في تناسق قادر على تغيير البيئة لتكون أكثر تنافسية وفي اتجاه تصاعدي إنتاجيا. قد يأخذ التنافس توجها لتقليص التكاليف، أو تنافسا لتعظيم العوائد، أو لمن يستطيع أن يحصل على تعليم مميز من جامعة وقسم عالي التصنيف بعيدا عما اعتدناه من وزارة التعليم العالي. الرابط بين الطبيعة التكنوقراطية والبيئة المطلوبة أن نتأكد من كفاءة الطبقة التكنوقراطية التي لم نكلف أنفسنا بالتمحيص والتدقيق الذي وصلت آفاته حتى لبعض الوزراء، وتمدد حثيثا إلى من تحته في الأجهزة العامة، أحد هذه الأعراض هو استعانة الكثير منهم بمختصين أجانب لا يعرفون كثيرا عن بيئة المملكة، بينما الكثير من التكنوقراط المفترضين يذهبون للحصول على أي شهادة من مكان عليه الستر والتستر.