إذا كانت لجنة المهرجان البحري في مدينة ينبع لم تتبع الإجراءات النظامية بأخذ الموافقة المسبقة على أمسية صديقنا عامل المعرفة اليتيم أحمد العرفج وكانت الموافقة مطلوبة بالضرورة، فإنه ليس بوسعنا الاحتجاج كثيرا على الإلغاء والتضامن مع إدارة المهرجان وضيف الأمسية، مع أنه كان بالإمكان إبلاغهم بالإلغاء قبل موعدها بوقت معقول على اعتبار أنها معلنة وتفاديا لإحراج الضيف والمضيف في وقت حرج، وعلى أي حال لا بد من رفع قبعة كالتي يعتمرها العرفج في صورته الشهيرة تحية له على تعامله مع الأمر بروح رياضية وعدم استثماره لإثارة قضية جديدة في ساحتنا المليئة بالجدل. وفي كل الأحوال لا أعتقد أن محاضرة للعرفج أو استضافته في أمسية تحتاج إلى موافقة أو ترخيص من أي جهة؛ لأنه شخص وديع مسالم يحب الحياة، وليس له علاقة بالمواضيع التي تثير الريبة والتوجس. بالتأكيد لن يتحدث أحمد العرفج عن الجهاد ونصرة المستضعفين، ولن يتطرق إلى حلم الخلافة، أو خطر الرافضة، ولن يتهدج صوته حسرةً على تغريب المجتمع، ولن يستفيض في إشكالات السياسة التي تستهدف الأمة الإسلامية. عامل المعرفة نذر نفسه للدعوة الى أمور أخرى بعيدة عن ذلك الحقل الشائك، الحب، السعادة، القراءة، استثمار الوقت، الجمال، الصداقة، الرياضة، الوئام والتصالح الاجتماعي، والحديث في هذه الأمور لا يحتاج إلى ترخيص، بل إلى ترحيب واحتفاء، وأكاد أجزم أن جمهور الأمسية قد حُرم من وقت بهيج كان سيقضيه مع العرفج. المشكلة أن الذين يتحدثون تصريحا أو تلميحا في معظم الأمسيات عن قضايا إشكالية يتم تمريرهم بأكثر من وسيلة ليتصدروا ويصدروا الخطاب الذي مللنا منه وعانينا منه، بينما الذين يحاولون تدشين خطاب جديد يتصل بالحياة يواجهون محاولات المصادرة، وأتمنى ألا نجد أنفسنا نردد مقولة ما أشبه الليلة بالبارحة، والبارحة هي الحقبة التي كان خلالها الخطاب الصحوي التعبوي العنيف يصادر أي خطاب عداه ويلغيه في اللحظة الأخيرة. [email protected]