أوراق ومطبوعات مهملة، وبقايا سجائر.. قلق وصمت تبعثره كلمات ترحيب مختصرة.. واعتذارات من المنظمين، وسط رؤية ضبابية حول أسباب الإيقاف والتأجيل.. هكذا بدا المشهد أمس في بهو فندق صحارى بتبوك، الذي أريد له أن يكون مقراً لضيوف مهرجان تبوك الأول للشعر الخليجي، قبل ساعات من موعد انطلاقته التي أوقفت، فيما سيطرت مشاعر الإحباط والصدمة والحزن على الجميع. كان ضيوف المهرجان يتقاطرون من مطار تبوك إلى الفندق، ليجدوا أمامهم مسؤولي نادي تبوك الأدبي، وكلمات الترحيب تمهد لخبر إيقاف المهرجان، دون أي تفاصيل مقنعة للطرفين. إلى ذلك برأت وكالة الشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام ساحتها من مسؤولية وقف المهرجان، وقال وكيل الوزارة للشؤون الثقافية الدكتور ناصر الحجيلان ل"الوطن": وصل الوزارة محضر مجلس إدارة النادي حول تأجيل المهرجان إلى شهر شوال المقبل وليس للوزارة دخل في ذلك، وإنما يرجع الأمر إلى قرار مجلس إدارة النادي. الشاعر عبدالله الزيد قال ل" الوطن": "أنا ضد إلغاء أي تجمع ثقافي أو مهرجان أدبي لأسباب لا تمت إلى الثقافة بصلة، ينبغي أن نفرق بين موقف شخصي وبين عرقلة مهرجان شعري"، مطالباً بمنح المؤسسات الثقافية استقلاليتها في تنظيم الفعاليات، متسائلاً: "ما معنى أن تكون هناك هيئة ثقافية غير مستقلة؟"، لافتاً إلى أن ربط المؤسسات الثقافية بمؤسسات عامة للموافقات أو الإجازات أو غيرها لا يليق بالمشروعات الثقافية. الشاعر الإماراتي إبراهيم محمد إبراهيم أكد أنه علم بالتأجيل بعد يومين من وصوله لتبوك، وقال: "أتحفظ على هذا الموقف، وأتمنى ألا يتكرر مع غيري من الأدباء والمثقفين"، مشيراً إلى تقديره لمن قام بدعوته، وأضاف "أنا أفصل بين الشعر وبين سواه، أقدر للإخوة الذين دعوني للمهرجان وأكن لهم كل احترام، وسعيد بوجودي حتى بعد إبلاغي بإلغاء المهرجان، وسأعتبر أن شيئا لم يكن، وسأشارك بالأمسيات مع تحفظي على الموقف".. الشاعر العماني عبدالله العريني علق مؤكدا صدمته من قرار التأجيل: "بلغت بالخبر قبل ساعات من بدء المهرجان، ولا أرى أن هناك تبريرا للإيقاف بعد الإعلان عن الفعاليات بشكل رسمي وتنظيم كل التفاصيل، وفجأة في أقل من 24 ساعة يؤجل المهرجان.. هذا عمل غير مبرر"، لافتاً إلى شعوره بالاستياء والحزن، وأن هذا الفعل لا يليق بالثقافة العربية، على حد قوله. وأضاف العريني" حسب علمي ما حدث يعود لأشياء شخصية وعلى المسؤولين أن يفصلوا بين الشخصي والعملي، وهذا المهرجان في دورته الأولى ومن شأنه أن يعكس الوجه الثقافي للمنطقة والمملكة بشكل عام من حيث تبادل الثقافات والرؤى والأفكار، ولا أتقبل هذا الأمر، ولكن احتراما وحبا للأرض والإنسان في تبوك علينا أن نقف في صف الإبداع والإنسان، رافضين الآراء التي تقف ضد الثقافة في كل مكان". ولم يعلم الشاعر القطري عبدالله السالم بتأجيل المهرجان، وبعد مفاجأته علق قائلا: خبر مؤسف وصادم لكل المهتمين بالشعر والثفقافة.. المفترض أن تجد هذه الفعالية الدعم لا العرقلة، ولكن من باب التعاطف مع الثقافة العربية سنقدم الممكن وإن كان في القلب شيء. وأكد الجميع إصرارهم على المشاركة في فعاليات النادي انحيازاً للثقافة، حسب تعبيرهم، فيما أبدى رئيس اللجنة المنظمة لمهرجان تبوك الأول للشعر الخليجي، المسؤول الإداري بأدبي تبوك عبدالرحمن الحربي أسفه الشديد حيال ما سماه "تصرفات غير مسؤولة" من قبل مدير عام الأندية الأدبية عبدالله الكناني والتي أسفر عنها إجهاض المهرجان قبل ساعات من انطلاقته. وقال الحربي: المهرجان بدأ العمل في التحضير له منذ نهاية محرم الماضي عندما طرحت الفكرة على أعضاء مجلس الإدارة وفوضني المجلس بالإجماع على التحضير له، باعتباري رئيس اللجنة المنبرية، وحدد 11 فبراير موعدا مقترحا للمهرجان، وخاطبنا وكيل الوزارة للشؤون الثقافية لمعرفة مرئياته ومخاطبة الوزير للمشاركة في تدشين المهرجان، ولم يأتنا الرد فأرسلنا إليه خطابا آخر نبلغه فيه بموافقة أمير المنطقة على رعاية المهرجان وتحديد الأول من أبريل الجاري موعدا لانطلاق فعاليات المهرجان، ولم يرد أيضا ، فاعتمدنا على موافقة أمير المنطقة وما تضمنته المادة الثانية من اللائحة الأساسية للأندية الأدبية التي نصت على استقلالية الأندية الأدبية ماليا وإداريا، وعدم ذكر أي مادة في اللائحة تنص على اشتراط موافقة الوزارة لتنظيم مثل هذه المهرجانات. .. وأعضاء يعبرون عن استيائهم من "الوزارة" تبوك: أحمد جميل عبّر عدد من أعضاء الجمعية العمومية بأدبي تبوك، عن استيائهم من تدخل وزارة الثقافة والإعلام، وضغطها على مجلس الإدارة؛ لتأجيل مهرجان تبوك الأول لشعراء الخليج العربي، مؤكدين عدم وجود مبرر مقنع لهذا التأجيل، مطالبين بضرورة صدور بيان توضيحي من قبل الوزارة حول هذا التدخل، الذي وصفوه بأنه انتهاك لاستقلالية الأندية، وتسلط إداري يمكن أن يساهم في إعاقة الحركة الثقافية. وقال الدكتور مانع الذبياني: "نحن كأعضاء جمعية وافقنا في الجلسة الماضية على أنشطة كبيرة، ومهرجانات تخدم الثقافة، وتخرج النادي من تقوقعه المحلي، ونطالب كأعضاء ومسؤولين عن رسم سياسة النادي باستمرار فعاليات المهرجان حتى وإن لم يكن تحت المسمى الذي اعترضت عليه الوزارة دون سبب، فالمهرجانات تعقد في كل منطقة وفي كل وقت، دون الحاجة إلى موافقة عليا بعيدا عن التضييق". وأكد ماجد الجابري، أن ما حدث يعبر عن إشكالية حقيقية في العلاقة بين الوزارة والأندية، ويعكس تناقضا فيما يتحدث به المسؤولون عن استقلالية الأندية، وقال "كنا متعطشين لمثل هذا المهرجان منذ سنوات، ولكننا حرمنا منه، ونحن نقدر دور النادي وموقفه، ونثمن وقفته مع الوزارة، حتى وإن كانت لم ترضنا". واعتبر خالد بن ملوح، أن الوزارة حاولت أن تحرج النادي ومثقفي تبوك، ولكنها أحرجت نفسها؛ بسبب مواقف شخصية. وهو ما اتفق معه خالد البلوي، واصفا الإصرار على التأجيل بأنه شكل من الإحراج المتعمد لتبوك ومثقفيها أمام الآخرين.