«لا تنادني سيدا، ولا حتى بروفسورا، أنا رجل حر، الجميع يناديني باشلار»، تلك عقيدة لا يستطيع اعتناقها المشهد الثقافي السعودي، لأنه متشبع بشخصيات أقرب في «راكورها» وديكورها الخارجي من شخصية (هاردي) الكرتونية، في المسلسل الشهير (لوريل اند هاردي). عندما يتضخم المثقف تتضاءل أطروحاته، تأثيره، ومساهماته في ترقية مجتمعاته، خاصة تلك التي تمشي في الظلام وتشعر بدونية أمام حملة شهادة الدكتوراه حتى لو كانت مزورة. كان أعلاه تمهيدا لإعادة صياغة فضفضة صديق رمته حظوظ المهنة بين كتيبة مثقفين سعوديين استضافهم سوق عكاظ بدلال فندقي، وغذائي، فتورط صديقي برؤية (الأنا المثقفة) في حالة تضخم، عززها أنهم الصفوة المنتقاة لعكاظ، وبالتالي (كرز) يعتلي كيكة الثقافة السعودية. جاءت فضفضة صديقي على جرحي القديم، بل جراحي تجاه عجز المشهد الثقافي السعودي عن تجاوز الانشغال بتعظيم الذات، لدرجة أنهم نحتوا لأنفسهم مظهرا يكاد يكون متشابها، كتشابه مظهر حرس قصر باكنجهام، بينما ثرثرة الأول ليست أثمن من صمت الثاني. يمتد تضخم «الأنا» الثقافية السعودية إلى الأندية الأدبية، لأنها متشبعة بهم، إلى القناة الثقافية السعودية، لأنها مزدهرة بهم، وليس صعبا تلمّسها في صفحات الرأي، أو الأعمدة الصحفية، بينما رفوف المكتبات تكشف هزالة الإنتاج الثقافي بمقدار أكثر نحالة من سيقان «زيتونة» زوجة الكرتون الشهير «باباي»، كما أنهم كلما ظهروا في صالون ثقافي، وعلى شاشة تلفاز تجدهم وكأنهم للتو التهموا علبة سبانخ. يجسد المثقف السعودي حالة نادرة تجد فيها انتفاخ الأوداج أكبر من حجم رئة صاحبها، وبينهم وبين مجتمعاتهم سنوات التيه التي عايشها قوم موسى عليه السلام، وكذلك قدرتهم على المطالبة بالبصل بديلا عن المن والسلوى. كعيون القطط، لا تبرق إلا في الظلام، ولا تتسع إلا فيه، وعندما تقرأ كتابا ثم تجلس مع صاحبه، يصيبك الشك بأنك لا تجيد القراءة، أو أنه ليس من بنات قلمه، لسعة البون بين العقل الكاتب والعقل الناطق رغم وحدة الاسم والرسم. يود المثقف السعودي أن نؤمن بالسحر دون الإيمان بالساحر، بمعنى أن نحاكمه على كتابه وليس لسانه، ففي طيات الكتاب يوجد الشخص الذي يحلم أن يكون عليه، وفي الواقع نجد الإنسان الذي لانحلم بأن نكون عليه، وبالتالي تحول تأثير المثقف السعودي على مجتمعه إلى حوار طرشان. نهضت أوروبا ثم أمريكا، اليابان، وسنغافورة على أكتاف أصحاب نظريات التطور الاجتماعي، علماء، أو مثقفون، لا ينفصل ما يكتبونه عن ما يقولونه حتى في أحاديث النفس للنفس، فكتبهم تشبههم، عدا أنهم ماتوا، بينما كتبهم مستمرة بين العالمين تبث الحياة. يوجد عندي شك تجاه أن جزءا من «أنا» المثقف السعودي أتت من باب تحول بعض الشعراء إلى كتبة، تخلص من الشعر، ولم يتخلص من نزق الشاعر، كبريائه، تضخمه، تخلص من أجمله، وتمسك بأسوئه، ثم تمدد على أرائك فنادق سوق عكاظ يملأ البهو بمفردات، جمل، وحكايات بأنه أكسجين الوعي، الوسيم البهي، باشلار السعودية.