الوسط الثقافي المصري منشغل هذه الأيام بالجدل الدائر بين وزارة الأوقاف وهيئة كبار العلماء، حول توحيد خطبة الجمعة. وزارة الأوقاف أصدرت تعميما بتوحيد خطبة الجمعة واقتصار الخطيب على قراءة ما هو مكتوب له على الورقة، لكن هيئة كبار العلماء المصرية، أغضبها ذلك ورأت فيه تقييدا لفكر الخطيب حين يلزم قراءة خطبة معدة لتلقى على جميع الناس على اختلاف أوضاعهم ومستوياتهم على طريقة (مقاس واحد يناسب الجميع). لعل ما دفع وزارة الأوقاف إلى إصدار مثل ذلك التعميم، ما رأته من بعض الخطباء من توظيف الخطبة لخدمة أفكارهم الخاصة، وما يغلب عليهم من تشنج عاطفي وانفعالات صاخبة تجعلهم يحولون المنابر إلى منصات شتم ولعن لكل من يخالفهم الفكر والرأي من الكتاب والمفكرين والسياسيين وغيرهم من أصحاب الاتجاهات الأخرى، ليس هذا فحسب بل إن بعض الخطباء يتجاوز ذلك الى مهاجمة رؤساء دول تكون بينها وبين بلدهم مصالح مشتركة، فيحرجون حكومتهم ويثيرون الفتن داخل بلدهم. وربما رغبة في التخلص من هذه المزعجات، لجأت الوزارة إلى هذا التعميم الذي أغضب كبار العلماء في مصر. هذا الشأن المصري الداخلي، ما كان له أن يستوقفني لولا أننا (في الهم سواء)، فما يحدث من بعض خطباء مصر يحدث مثله من بعض خطبائنا، فالموضوع يمسنا أيضا، لكني لا أظن أن توحيد الخطبة هو الحل الأمثل لمشكلة تجاوز الخطباء، وذلك لأن الخطبة الموحدة ليست ضمانا أن الخطيب لن يتجاوز ما فيها إلى غيره مما (يهوى) من المواضيع، وفي الوقت نفسه هي تقيد الخطباء الجيدين في خطاب جامد يعوقهم عن مخاطبة احتياجات الناس ومشاكلهم المعاصرة. وفي ظني أن الأولى من ذلك، الاهتمام بإعداد الخطيب الجيد، فأغلب الخطباء الذين يقعون في تلك الأخطاء، هم من البسطاء في المعرفة والمحدودي العلم، فمن واجب وزارة الشؤون الإسلامية مساعدتهم على الارتقاء بمهاراتهم ووعيهم، فتعقد لهم دورات تدريبية يتلقون خلالها تدريبا على صقل مهارات التفكير المنظم، ومخاطبة العقل، وتعزيز قيم التسامح والمحبة، والابتعاد عن الكراهية والتحريض على العنف. فهذا أجدى وأكثر ضمانا من فرض خطبة مكتوبة بإمكانهم التنصل منها أو التحريف فيها. [email protected]