لم يأبه أبو ريان لصوت طلقة الرصاص اليتيمة التي خدشت سكون الليل، ففي العامين الأخيرين أصبح الليل الخالي من دوي الرصاص هو الاستثناء، حتى أنه أصبح خبيرا في أصوات المسدسات، فهذا لحن مسدس روسي وذلك ألماني، أما الكلاشينكوف فلا يخطئه أحد، بغضبه المتتابع كزوجٍ كتم في قلبه الكثير قبل أن يطلق ما فيه من غضب. وبعد فترة صمت طالت قليلا، سأل نفسه: ترى من هو القتيل (إن كان منهم) أو الشهيد (إن كان أحدنا)؟ ربما كان أبو عبده، فهو برغم الحرب لم يترك عادته السيئة بالتجول ليلا للاستمتاع بهوائه العليل، وكلما حذره أحد من مغبة ذلك، رد بعصبيته المعهودة: إن حانت ساعتي فسيأتيني الموت حتى إن كنت مختبئا في مخزن الطعام في قبو المنزل. أو لعلها تكون أم إسماعيل تلك التي تطل من نافذة بيتها الصغير كل حين لتطمئن على غنماتها الثلاث أمام الباب، فحصدت رأسها هذه المرة رصاصة ضلت طريقها إلى رأس أحد المحاربين. وبعد أن أعياه التفكير، بدأ بترديد لحنٍ فيروزي قديم لعل النوم يطرق بابه مبكرا هذه الليلة. فيرتاح قليلا من تلك الهموم السوداء. لكنه أحس ببلل دافئ في صدره، تسرب إلى الحصيرة التي يرقد عليها، فتحسس صدره ليجد تجويفة رصاصة ساخنة تتوسط تيار الدم المتدفق، وأدرك أن القتيل لم يكن سوى هو، وستحدد نشرات الأخبار لاحقا إن كان بطلا شهيدا أو مجرد قتيلٍ آخر. * كاتب يمني