يمكن أن تتوقع من تلفزيون رمضان أي شيء، خاصة في حمى التنافس بين معظم القنوات في أيها يغنم الهبرة الأكبر من الإعلانات التي تبحث عن البرامج المثيرة لاقتناص زبائن لبضائعها. ولست أعجب من وصول الحال إلى حد وصف البعض لبعضهم (بالحشرات) لأن الإناءين، الذي يَصب والذي يُصب فيه، ينضحان بما فيهما. هذه هي بيئتهما ولغتهما وقاموسهما الشخصي الذي تجاوز كل حدود الأدب وكل حدود الذوق. عادل كرم إعلامي لبناني يلعب على مفارقات وطنه وتضاريس ضيفاته، وأحلام، التي لا يعجبها كرم ورأيه فيها، (معلمة) في سوق البلح استخدمت موهبتها الفذة في الردح والشتم.!! ولولا أن داود الشريان قطع المكالمة لسمعتم من الاثنين كلاما لا يمكن أن تسمعوه في أقذر شارع. كله عند العرب صابون. ونحن، كمشاهدين لتلفزيون رمضان، نتزحلق من صابونة إلى صابونة لأن الحال العربية كلها هزيلة وكسيحة ومهزومة في صميم وجودها وقيمها وأشخاصها. التتفيه الإعلامي كان مشروعا ظهرت بوادره، منذ منتصف التسعينيات، في بعض التلفزيونات اللبنانية ثم سرعان ما اكتسح معظم القنوات العربية التي اكتشفت أن (التفاهة) بضاعة جماهيرية رابحة؛ لتتحول هذه التفاهة، مع الوقت، إلى صناعة ضخمة يهيئ لها كل من هم على استعداد للانخراط في خطوط إنتاجها. وكان من حسن حظ المنتجين، وسوء حظنا، أن (التافهين) أكثر من الهم على القلب وأنهم على استعداد لفعل أي شيء وقول أي شيء بغض النظر عن وجهة نظر من يطالبون بضرورة أن يحترم الإعلام نفسه ويحترم جمهوره. نحن الآن في سياق أو سباق إعلامي تلفزيوني طاغٍ لا تعنيه اللغة الجيدة ولا الذوق الرفيع ولا الضيوف المحترمين الذين يحدثون الناس بمسؤولية ويرتقون بحياتهم وأفكارهم وسلوكياتهم. والسبب الوحيد لذلك هو أن أبواب هذا الإعلام فتحت منذ سنوات لكل من هب ودب بغض النظر عن موهبته وجدارته وقيمته الفكرية والفنية والاجتماعية. وسيظل هذا الوضع قائما طالما أن السيد المطاع في تلفزيونات اليوم هو الإعلان وليس الإعلام. والفرق بين الاثنين واضح وضوح الشمس. المعلن يبحث عن جماهيرية بغض النظر عن القيمة، والجماهيرية، كما هي طبيعة البشر، تتحقق بالإثارة وبتصدير الوجوه المثيرة، بينما الإعلام يبحث عن القيمة بغض النظر عن الجماهيرية المبنية على الإثارة. وهذه هي منطقة الصراع بين الاثنين، حيث يبدو أن الإعلان ينتصر ويزيد، كل سنة، من رقعة التفاهة ومن حضور التافهين على الشاشات.