عبر استفتاء تاريخي طلق البريطانيون أخيراً الاتحاد الأوروبي بعد 43 عاماً من انضمامهم له، طلقوه طلاقاً لم يكن متوقعاً قبل أشهر قليلة، إذ كانت معظم الاستطلاعات تؤكد أن أغلبية الشعب البريطاني ترفض الانفصال عن أوروبا، لكن نسبة هؤلاء أخذت في الانحدار منذ شهر مارس الماضي تحت ضغط أزمة اللاجئين، وازدياد جماهيرية التيارات اليمينية المعادية لسياسات الهجرة الأوروبية، وارتفاع مؤشر القلق من الإرهاب، ففي يوم 22 فبراير 2016 كانت نسبة البريطانيين من رافضي الانفصال عن أوروبا تصل إلى 48 %، ونسبة المحايدين 14 %، فيما لا تزيد نسبة المطالبين بمغادرة الاتحاد على 38 % بحسب «وول ستريت جورنال»، أما في شهر مارس فنزلت نسبة رافضي الانفصال إلى 40 %، وهو الشهر نفسه الذي فاحت فيه رائحة الدم والبارود من العاصمة البلجيكية، نتيجة سلسلة هجمات إرهابية على مطار بروكسل ومحطة المترو. يمكننا أن نقول إن البريطانيين اختاروا إغلاق حدودهم في وجه أوروبا خوفاً على أمن بلادهم، فالخوف شئنا أم أبينا أقوى محرك شعبي في كل مكان على سطح هذا الكوكب، وقد سبق البريطانيين في المطالبة بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي كثير من رموز اليمين في فرنسا وهولندا وبلجيكا لذات السبب، بل إن اليمين الفرنسي ممثلاً في فلوريان فيليبو نائب رئيس حزب الجبهة الوطنية هنأ البريطانيين بنتيجة الاستفتاء، وقال معلقاً على النتيجة: «حرية الشعوب تفوز دوما في النهاية.. برافو للمملكة المتحدة.. الدور علينا الآن». إلى جانب تنامي القلق من الإرهاب عانى البريطانيون على المستوى الشعبي من قيود عضوية الاتحاد الأوروبي، فعدد السكان زاد بسبب الهجرة خلال العقد الماضي بنحو 10 ملايين نسمة، وترافق ذلك مع العجز في التجارة البريطانية نتيجة تزايد الأعمال التجارية الصغيرة للمهاجرين وارتفاع الواردات على الصادرات، هذا إلى جانب التخوف الكبير لدى البريطانيين من موافقة الاتحاد الأوروبي على ضم تركيا، فهذه كارثة تعني تدفق ملايين الأتراك إلى بريطانيا بحثاً عن العمل والإقامة الدائمة بشكل يضرب التكوين الديموغرافي للبلاد في الصميم. اللافت في نتائج الاستفتاء البريطاني أن نحو 60 % من الشباب تحت سن 24 سنة صوتوا ضد الانفصال، بينما صوت نحو 60 % ممن تجاوزت أعمارهم 65 عاماً لصالح الانفصال، وهذا يكشف عن الصراع بين طموح الشباب المتسم عادة بالتهور، وحكمة الشيوخ الميالة للمحافظة والاستقرار والنزعة الشيفونية أو «التعصب الوطني والعرقي». وصف بعض المحللين السياسيين خروج بريطانيا من الاتحاد ب«الصحوة» التي ستعدي الشعوب الأوروبية الأخرى، وهذا بالطبع أمر متوقع في ظل استمرار سياسات الاتحاد الحالية، لكن الوصف الأكثر دلالة وإثارة وتجسيداً للتعالي البريطاني وصف أطلقته قناة تلفزيونية روسية على الحدث هو «الأسد البريطاني يزأر في الحظيرة الأوروبية».