انطلاقا من حب العلم والمعرفة وإيمانا بدور الثقافة في إحياء الأمم وإعلاء شأنها، وتماهيا مع جبال يوقظها المطر كل صباح. وظّف محمد بن عبدالله الحميد كل قدراته العقلية والمالية والإدارية ليجعل من أبها قبلة ثقافة. ومقصد مثقفين. ولا يتأتى من مثل هذه القامة إلى ما هو وضاء. إذ أنه من أوائل من ألغى نظرية المركز والهامش. ومن أوائل المقاومين بالنور في وجه الظلام. وإذا كانت منطقة عسير زاخرة اليوم بأسماء أدبية مضيئة فإنها تعترف بأنها غرفت من معين الحميد التبشيري. ذلك أن هذا الرجل بما يحمل من كاريزما شخصية وما ورثه من أسلاف وطنيين وما أحاط به من ظروف مواتية ومعاندة نجح وبتفوق في قيادة سفينة الإبداع العسيرية وسط حقول من الأنغام. وكسب بدهاء الرجال قلوب وعقول الجميع. أسس نادي أبها الأدبي. مع ثلة من المثقفين المحافظين إلا أن منزعه التجديدي دفعه لما عدّه البعض مغامرة وكان يراه هو جرأة مبعثها الإيمان بكل الأطياف والأطروحات. استضاف منبر أدبي أبها في عصره الأضداد. وأقنع الجميع أن المنصة حق لكل صوت قادر على إثبات وجوده دون التفات إلى توجهه وتفتيش في نواياه طالما أنه يقدّس الوطن. كان يعمل على مدار الساعة كونه أحال الهم الثقافي إلى معشوقة يصابحها ويماسيها ويحتفي بها حتى وقت قيلولته. تمتع متعه الله بالصحة بروح الشباب ولم يزل. وأغرى نماذج من الهواة بالاحتراف وترك الكسل. أعان الجميع بمواقفه وماله. وفتح صدره وبيته للزائرين والمحبين والمعاتبين دون أن يفكر في وضع حواجز أو استقواء بجهة أو شخصية ما. كان أدبي أبهى ربيع ثقافة دائم. وشعاع شمس جنوبية سلسة في مخامرة كل الدروب التي لم تكن في عهده ضيّقة. اليوم والحميد في عقده الثامن لم يغب عن ذاكرة كل من عرفه، خصوصا من هم في سني وعلى شاكلتي ممن ربّت على كتوفنا يوما ما وكأنه كافل أيتام. ويستحيل على من يريد معرفة عسير أن يعرفها دون استعانة بالعراب الذي أغرى مؤشر بوصلة الأدب بالاتجاه إلى الجنوب. ولد محمد بن عبد الله الحميد في قرية سبل إحدى قرى بني مالك عسير ، في شهر شوال من العام 1354ه ، ونشأ في بيت يعد من أشهر البيوت العلمية في عسير . تلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي في مدينة أبها في بداية ستينيات القرن الهجري الماضي ، وتخرج من المرحلة الثانوية في العام 1372ه ، وحصل على المركز الأول على مستوى المملكة في ذلك الوقت. وفي عام 1374ه حصل على دورة تعليمية تربوية بالجامعة الأمريكية في لبنان. واجتاز عام 1397ه دورة إدارية من معهد آراك في القاهرة. بدأ العمل عام 1372ه ملازما في إمارة منطقة عسير، ثم عمل كاتبا ومترجما حتى عام 1374ه، التحق بالتعليم، إذ عمل معلما ثم مراقبا ثم وكيلا ثم مدير مدرسة ثم مفتشا إداريا مركزيا، ومديرا للتفتيش الفني والإداري، إلى أن تم اختياره مساعدا لمدير تعليم عسير. انتقل للعمل مفتشا إداريا في صحة عسير ثم مديرا للتفتيش الإداري والفني، ومديرا للشؤون الإدارية بين عامي 1385ه و 1397ه . وعمل مستشارا للأمير خالد الفيصل أمير منطقة عسير ، ومشرفا على أعمال المجلس الإداري بين عامي 1397ه و 1412ه . ونال عضوية مجلس الشورى في دورته الأولى من عام 1413ه / 1417ه . وتم انتخابه رئيسا لنادي أبها الأدبي عام 1399ه حتى عام 1427ه، إذ أمضى 28 عاماً رئيسا ناجحا معطاء. من مؤلفاته المطبوعة ( شهادة للبيع . الرد على افتراءات الصليبي عن تاريخ عسير . أديب من عسير) .