في أول أمس ضجت وسائل التواصل الاجتماعي (التويتر) تعليقا على اعتقال أحد المحرضين الذين يواصلون الزج بشبابنا إلى أتون معارك فاسدة باسم الجهاد. والتقاطع بين الرافضين والمؤيدين لذلك الاعتقال يجب التأكيد بأن هناك فروقا شاسعة جدا في أن تمتلك أو تطالب بحرية الرأي أو أن تعمل إلى نقض بنية المجتمع. ومن هنا علينا التنبه والإيمان أن حرية الرأي لا تدعو إلى هدم الدولة والسعي لانهيار كل مقوماتها ودفع القوى البشرية شابة إلى الاقتتال في أي موقع كان. ففي هذه الحالة تكون حرية الرأي إفسادا لجوهر الوحدة، كون صاحب الرأي يقوض أسس بقاء المجموع من أجل خلق فوضى عارمة لا تبقى كيانا نتعايش فيه بأمن ويكون الرأي عملية ميكانيكية للحركة والنماء. وأحيانا تكون المطالبة بحرية الرأي حق أريد به باطلا، والقياس بين الحق والباطل هي النتائج فإذا كان الذي يقال مثمرا للمجاميع الاجتماعية فإن الكل سوف يصطف خلف القائل وإن كانت النتائج مدمرة للكيان وعاصفة لكل تنمية يكون الرأي فاسدا ومفسدا. وغمر أي شيء أو تنقيعه يخرجه من طبيعته إلى حالة أخرى على الأقل حالة ليست سوية، ولأن مشاعرنا الدينية تعاقب عليها كثير من الغلاة سعوا عبر سنوات طويلة لإخراجنا من الاعتدال إلى التطرف من خلال تغذية دينية انحرفت بالفرد والجماعة عن الوسطية. وقد دأب المحرضون على استغلال المشاعر الدينية وعدم اطلاع الكثيرين لفحوى آراء فقهية قيلت في زمن من الأزمان ليتم تحريض الشباب للخروج بزعم نصرة الإسلام وهي دعوة باطلة في زمنيتها الراهنة، وحينما يستند أي محرض على رأي فقهي يلزم الناس بضرورة الجهاد ودفعهم للخروج إلى غياهب المجهول يكون استناد المحرض على أمرين إما عدم إدراكه لأهمية إدخال الزمن كعصر أساس انبثق عنه قاعدة فقهية في حينها، أو أن يستند المحرض على عدم اطلاع اتباعه بالسياقات التاريخية التي أدت إلى خروج حكم من الأحكام. ومع تزايد المحرضين تكون نتائج آرائهم وبالا على الجميع (خاصة إذ كان لهؤلاء المحرضين أتباع امعات)، وحينما يعتمد المحرض على فتوى بعينها ويغفل سياقها التاريخي يكون ساعيا لخلق الفتنة. (فتبرير القتل لا يمكن أن يطبق في عالم يحترم حرية الاعتقاد والحقوق المدنية). لذلك فإن حرية الرأي تثبيت الوجود لا قلعه ونسف كل مقدراته.