الحروب الدينية التي خاضتها أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر، استمرت أكثر من 130 سنة وذاقت فيها أوروبا الويلات، لم تكن تخضع لإرادة الشعوب مباشرة، بل للسلطة باسم الإصلاح، حتى وإن تم استغلال الشعوب لجناح ضد آخر. التطرف الديني شرارة تقود لمثل تلك الحروب التي ربما استمرت قرنا من الزمن، باسم الدين، أو الإصلاح الذي قاده البروتستانات ضد الكنيسة الكاثوليكية في إسبانيا وفرنسا وكل دول أوروبا الغربية. ما يحدث في الفلوجة اليوم نموذج مصغر من تلك الحروب الدينية، ولكنه أكثر تعقيدا مما حدث في أوروبا، إذ تستعر الحرب بين طائفتين متطرفتين على دين واحد، وتستعين الحكومة العراقية للقضاء على هذا التطرف والإرهاب في الفلوجة، الذي يسمى «داعش» وتشعب كنبت شيطاني، بمتطرف إيراني شيطاني، ومن فيلق ذي اسم رنان «فيلق القدس».. تتواصل الأسماء الرنانة في معركة الفلوجة لتنضم المنظمات والفصائل المتطرفة مع مليشيا تحمل اسما رنانا آخرا وهو «الحشد الشعبي»، فتسمع بالمعيدي خير من أن تراه. قدر الله على الفلوجة في العراق أن تكون مفلوجة طيلة ثلاثة عشر عاما، فهي ساحة للصراع والتطرف، ومكان يستقبل الإرهابيين ومن على شاكلتهم برحابة صدر تحت مسمى (المجاهدين)، مما سبب ضررا فادحا للمنطقة، ولأهلها الذين كانوا هم الضحية أولا وأخيرا، حيث يهربون من داعش السنية ليقعوا بين أيدي الحشد الشعبي الشيعي فيقضى عليهم قتلا بعد التعذيب، والتنكيل، فتتحول المعركة الإصلاحية إلى طائفية تنبئ بكارثة إنسانية. على الحكومة العراقية أن تقرأ التاريخ جيدا، ولا تدع اتفاقها الطائفي مع فيلق القدس يثيرها، فليس بالضرورة أن يكون عدو العدو صديقا، وتتذكر الفرس في القرن الثامن عشر، وتحديدا 1734م عندما استنجد بهم سيف بن سلطان اليعربي ضد الغافرية، لكن النجدة والفزعة تحولت إلى احتلال، فاحتلوا مسقط، ثم صحار. الخوف من داعش ليس مبررا أن تستعين الحكومة العراقية بعدو آخر، فقوات الجيش العراقي، وأبناء الأنبار هم الأقدر والأجدر بذلك، ليكون أبناء الفلوجة المسالمون في أيد أمينة، بدلا من قتلهم، أو فرارهم خوفا ورعبا من فيلق القدس!.