تلتئم الذكريات على نحو خاص حول المائدة الأولى في رمضان، إذ إنها لا تنفك في إيفاد حنايا القلب بمشاعر حانية وجياشة دون بقية موائد الشهر، فبعضها يقرع أبواب حزن الغياب والفقد على اختلاف أشكاله وصوره، وبعضها يستدعي الحنين إلى حقبة مضت مترفة باللحظات السعيدة والذكريات الآسرة، فمن منا يا ترى لم تتهاد ذكريات رمضان الطفولة وبعض اللحظات العذبة إلى ذاكرته مع شجن المآذن ولحظات الغروب، ومن منا لم تتداع إلى مخيلته صور الراحلين الذين مضوا إلى دار الخلود أو أولئك الذين باعدت بيننا وبينهم الظروف. «المائدة الأولى» هي باكورة التجمعات الرمضانية الدافئة وعادة ما تحوي ما لذ وطاب، ليس من مأكل ومشرب فحسب، بل ومن تآلف وطقوس عادة ما تكون في ذروتها في مطلع الشهر، حيث لا نشوة تعلو فوق نشوة الابتهاج بأيامه والحنين إلى طقوسه ولحظاته الاستثنائية دون بقية شهور العام. وإذا ما كان السعوديون يختلفون حول طريقة تجهيزهم أول مائدة إفطار رمضانية بين منطقة وأخرى وحول مكانها، فإن الغالبية منهم تحرص على أن يكون منزل رب الأسرة وكبيرها ملتقى يثابرون عليه كل عام، أو أن تكون دعوتهم له على مائدة خاصة عرفا يسيرون عليه مطلع كل شهر رمضاني، إلا أن ذلك ليس أمرا مطلقا أو مشرعا على عمومه. فيما أن آخرين يفضلون أن تكون المائدة الأولى لهم في الحرمين الشريفين لقاطني مكة والمدينة، أو في ساحات المساجد وموائد الرحمة الخيرية لمن هم خارجها رغبة في الأجر ومشاركة المغتربين عن ديارهم وعابري السبيل ألفة أول أيام رمضان. فيما ستكون المائدة الأولى أكثر اختلافا لنحو 264 ألف شخص يقضونه هذا العام بعيدا عن حياة العزوبية، استنادا إلى مقاربة مع إحصاء عدد وقائع الزواج في 1436 وفق إحصاء مركز المعلومات الوطني والمقدرة بنحو 132 ألفا و467 واقعة، إذ سيكون بالنسبة لهم أمرا مختلفا. فيما أن ذكرى 26684 رجلا و13958 امرأة على الأقل ستكون حاضرة على موائد السعوديين غرة رمضان، هم من توفاهم الله خلال العام بحسب إحصاءات المركز نفسه.