لا يوجد تاريخ مؤكد لدخول السينما للسعودية، لكن أغلب المراقبين يشيرون إلى أن بداياتها جاءت مع أعمال شركة الزيت العربية – أرامكو حاليا – في شرقي المملكة، حين قامت الشركة بتوثيق أعمال الحفر والتنقيب بالصوت والصورة، ومن ثم عرضها على الملك عبدالعزيز – رحمه الله - في قصره بالرياض. تعتبر تلك المشاهد هي اللقطات الأولى التي بثت في المملكة، تلاها إنشاء دور سينمائية صغيرة في الخبر والدمام داخل مساكن البعثة الأمريكية، لعرض الأفلام الترفيهية للعائلات والأفراد الذين انقطعوا عن ثقافتهم وبلادهم. تسربت السينما بعد ذلك إلى المدن السعودية، مثلها مثل أي أمة تتعامل مع التمدن والتحضر والتقنية التي اجتاحت العالم، فبرزت جدة كأهم مدينة امتلكت خلال فترة وجيزة صناعة سينمائية كاملة وبنية ممتازة من صالات السينما والخدمات المرافقة لها، قدرت بأكثر من ثلاثين دار عرض، برز منها سينما الجمجوم، وفندق العطاس، إضافة لصالات مبنية على أحدث طراز في ذلك الوقت. ولعل جدة تكون هي المؤسس لصناعة السينما في السعودية والتي تعود للعام 1960، فقد أدار رجل الأعمال المرحوم فؤاد جمجوم هذه الصناعة وأسس تاريخها الحقيقي فبنى دور عرض حديثة الطراز كان من أبرزها صالة سينما الجمجوم في العمارية، التي بنيت على طراز سينما «ميترو قولدن ماير» المصرية، وبنى عقودا مع شركات الترفيه العالمية، واستورد الأفلام وقدم الترفيه السينمائي كما هو متعارف عليه. وباعتبار الطائف الحديقة الخلفية للحجاز والمصيف الحكومي، خاصة في الخمسينات والستينات إلى نهاية السبعينات الميلادية، فقد احتضنت هي أيضا العديد من دور السينما زادت على العشرين. وتوزعت على الشكل التالي: سينما حدائق نجمة والمسيال، وسينما عكاظ، ونادي الضباط الواقع بالقشلة العسكرية، وكذلك البعثة البريطانية للتدريب وهي بموقع حديقة الملك فهد حاليا، إضافة لسينما عثمان عوض بالسلامة، وسينما الجبلول والششة وبن مرعي وبن حمدي بحي الشرقية، وأبو راس بحي «اليمانية»، وأبو الروس بالردف، والجمجوم بمسبح عكاظ، وبن جماح في حي العزيزية، وأخيرا سينما نادي عكاظ. ولم تكن العاصمة السعودية بعيدة منها، فقد كانت أندية النصر والهلال والشباب تحتضن صالات سينما، وتعتبر جزءا مهما من دخلها الذي فقدته في فترة لاحقة. كل ذلك السرد للمواقع والأسماء يأتي للتأكيد على أن السينما لم تكن ثقافة عابرة، بل تاريخ طويل امتد في وجدان الناس لأكثر من عشرين عاما في المدن السعودية خاصة الكبرى منها. اليوم يعود الحديث مرة أخرى عن عودة السينما للديار السعودية بعد رحلة نفي دامت أربعة عقود، في الوقت الذي اعتبرها المواطنون كأهم وسائل الترفيه التي يتقاطرون إليها فور مغادرتهم أراضيهم. فالصحوة حولت السينما إلى «تابو» مخيف، وجرمتها وسعت في وأدها ونجحت في ذلك للأسف، لأنها اعتبرتها خصما في منافستها على الناس، ولذلك قمعتها وأخرجتها من المشهد تماما. لم تعد السينما تمثل خطرا أخلاقيا، كما روج كثيرا، فوسائل التواصل اليوم أكثر خطورة منها، لأنها تتيح الانفراد بالمشاهدة دون رقيب، بينما السينما فعل جماعي يستحيل معها الخروج عن النص أو تجاوزه، وتخضع للرقابة المؤسساتية والاجتماعية.