بدا الأمير محمد بن سلمان خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم الإثنين الماضي وهو يجيب على أسئلة الصحفيين المتدافعة حول برامج التحول الوطني (رؤية 2030) الذي أعلن مجلس الوزراء موافقته عليها في ذلك اليوم، بدا شابا أنيقا تملؤه الثقة والتفاؤل بنجاح ما يتحدث عنه من رؤى مستقبلية تطمح إلى أن تقفز بالوطن عاليا ليبلغ سقف الأمان الاقتصادي والقوة العلمية والإنتاجية. تستمع إلى هذا المسؤول الشاب وهو يتحدث، فلا تملك سوى أن تؤخذ بما يتميز به من طلاقة في الحديث، ويقظة وحضور ذهني، وسعة معرفة وإدراك واسع، حتى بالتفاصيل الصغيرة. الرؤية المستقبلية، سواء للوطن أو للمشاريع أو للذات أو غيرها، تبدو فلسفة جديدة على الثقافة المحلية، فتخيل المستقبل والاستعداد له وفق خطط ممنهجة هو من المستجدات الطارئة على ثقافة المجتمع، فما اعتاده الناس هو الاهتمام بالحاضر والعمل وفقا لما يتوفر فيه، أما المستقبل فغالبا متروك أمره للمجهول، وربما لهذا كان لإطلاق رؤية مستقبلية للوطن وقع مثير لأذهان الناس. رؤية 2030، هذا البرنامج الضخم، يبدو شاملا للتحول في جوانب كثيرة تمس صلب بناء المجتمعات كالاقتصاد والصحة والتعليم والعلم والعمل، وهي تحولات متى تحققت فاءت على البلاد والعباد بخير كثير، فتحققها يعني دخول الوطن عالم الرقي العلمي، والكفاءة الإنتاجية، والأمن الاقتصادي، وهو ما يعد أشبه بحلم لفرط ما فيه من الجمال. لكن الأمير يرفض عد هذه الرؤية ضمن الأحلام، فهو يؤكد أنها واقع قابل للتحقق، وأن العوامل التي تحول الرؤى إلى حقائق متوفرة وقابلة للتنفيذ. ورغم أن هذا التأكيد يبث الطمأنينة في النفوس، إلا أن ثمة تساؤلات تظل تنبض داخل الذهن، عن نوع العلاقة المرسومة ما بين ثقافة المجتمع وما تنطوي عليه رؤية 2030 من تحولات؟ إن العامل الأول في تحقق جميع البرامج والمشاريع التطويرية، يرتبط إلى حد كبير بثقافة المجتمع، التي تشكل معظم الأفكار والمفاهيم المسيطرة على حياة الناس والمتحكمة في معظم ما يجري فيه، فهل يمكن لهذه الرؤية الوطنية الطموحة أن تتحقق إن لم يصحبها تحول في ثقافة المجتمع يواكب ما فيها من طموح؟ هل يمكن لبرامج التحول الوطني ان تتحقق إن بقيت ثقافة المجتمع تتشبث بالقبائلية والمذهبية وفلسفة (الفزعات) لتخطي الأنظمة وتمرير ما لا ينبغي تمريره؟ هل يمكن لهذه البرامج أن تتحقق إن بقيت ثقافة المجتمع كما هي لا ترى ضيرا في أن تُهدم أسرة ويُشتت أطفال بحجة عدم تكافؤ النسب بين الأبوين؟ أو بقيت لا ترى خللا في أن تفرض الوصاية على المرأة مهما بلغت من العمر أو الدرجة العلمية أو المكانة الاجتماعية؟ أو بقيت لا ترى في سلوك أفرادها الأخلاقي سوى أنهم مقادون بالغرائز محكومون بالشهوات في حاجة مستمرة إلى حجر النساء، ورفع العصا في وجوه الرجال ضمانا للفضيلة؟ إن نجاح برامج التحول الوطني رهين التحول في ثقافة المجتمع، ولا بد أن تتضمن رؤية 2030 ما يضيء هذه الثقافة المعتمة ويخرج بها من قمقم الاحتباس في المفاهيم القديمة والرؤى المتوارثة، لأنها ستظل حجر عثرة تعترض طريق الانتقال إلى المستقبل المرتقب.