بعد غد يوم جديد في حياة السعوديين، حالة من التأهب الشعبي ربما تكون الأولى من نوعها، لأن الحدث غير مسبوق بالفعل، يثير يوم الاثنين من كل أسبوع اهتمام طيف واسع من السعوديين، لكن الاثنين القادم بعد غد يثير اهتمامهم جميعا والعالم معهم خصوصا تلك الدوائر الدولية المتحفزة لأخبار وخطط الاقتصاد السعودي. السعودية 2030، وإعلان خطة التحول الوطني التي أثارت الرأي العام المحلي والدولي تطلعا وانتظارا أصبحت الآن واقعا، لقد نضجت الرؤية وأصبحت قابلة لأن يتم طرحها على أبرز وأهم المعنيين بها وهم السعوديون. لن يكون طرح أسهم من شركة أرامكو للاكتتاب إلا واحدا من الأخبار ورغم أهميته إلا أن التحول الوطني يشتمل على ما هو أعمق من ذلك، إنه طريقة مختلفة في تفكير السعوديين وتعاملهم مع المستقبل والتخطيط له. كل المؤشرات والتحولات التي تمر بها المنطقة والعالم والمملكة كذلك، كلها تؤكد أنه من المجازفة التفكير في بقاء الوضع كما هو عليه والاستسلام للاقتصاد الروتيني الذي تنفذه البيروقراطية وتشرف عليه وتجعله رهينة لأفكار المحافظة العمياء وأنماط الحياة الاستهلاكية المفرطة، لقد حان الوقت ليتغير الواقع السعودي اقتصاديا ولكي ينجح تحوله الاقتصادي لا بد أن يحظى بمسحة تغيير اجتماعي تقوم فقط على توسيع الخيارات الاجتماعية لا على فرضها. أيضا هذا ما يحدث الآن. في الغالب تنحو المجتمعات التقليدية إلى مواجهة التغيير وتخلق في داخلها دفاعات ذاتية تعمل على تأخيره أو تعطيله أو حتى تنفيذه بشكل غير ملائم، لكن التجارب على امتداد التاريخ السعودي تثبت أن حالة القبول الاجتماعي ليست واقعا يمكن قياسه بالكامل وما قد تراه قوى اجتماعية على أنه هو الصواب ليس بالضرورة أن يكون كذلك من وجهة نظر المؤسسة. المؤسسة يتمثل دورها في عمليات التغيير في صناعة الأنظمة والمبادرات وقيادة المراحل ومواجهة التحديات وهو ما يمثل سياسة وسلوكا ثابتا للمؤسسة القيادية في المملكة منذ التأسيس إلى اليوم. في حواره الثري والمحوري مع صحيفة بلومبيرغ كشف الأمير محمد بن سلمان ما يمكن تسميته بمبررات التحول الوطني والرؤية المستقبلية للمملكة، إن الاعتماد على النفط مثلا أسهم في الإضرار بسلوكنا الاقتصادي والمعيشي كذلك، أصبحت الأرض هي التي تنتج بينما الأفراد السائرون على ظهرها يستهلكون ما تنتجه، لقد وصلنا في الاعتماد على النفط إلى مستوى غير مسبوق جعل من أي تراجع في أسعاره مبررا للذعر والترقب وحبس الأنفاس، بينما توجد لدينا كل عوامل التنوع الاقتصادي، إن الرفاهة التي يخلقها النفط مخادعة للغاية لأنها تجعلنا في دائرة الرفاهة الموقتة القابلة للتأرجح حسب ظروف السوق، وهو ما لا يحدث حين يكون الاقتصاد متنوعا قائما على الإنتاج والعمل والصناعة والخدمات، حينها تصبح الرفاهة مسؤولية الأفراد أمام أنفسهم أولا وأمام وطنهم. لقد ولد الاعتماد على النفط واحدا من أسوأ العيوب الإنتاجية لدينا وهو البحث عن وظيفة حكومية بين أوساط الشباب بل واعتبار عدم توافر الوظائف الحكومية تقصيرا من الحكومة. من بين أبرز الجوانب التي شملها حديث الأمير محمد بن سلمان مع بلومبيرغ تلك الإشارة إلى أن الرؤية المستقبلية للمملكة العربية السعودية ستشمل العديد من البرامج التنموية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من البرامج، هذا منطق التكامل الأمثل الذي ينطلق من قناعة أن بناء الاقتصاد وتحولاته وإدارة مراحله وتحدياته لا يمكن أن تتم دون أن تتوازى معها برامج اجتماعية متنوعة. إن المجتمع هو المعني بالتحول وهو الذي سيتولى القيام به وتحقيقه، وهو ما يعني أن هذه الرؤية فرصة وطنية عظيمة لكل أطياف المجتمع السعودي لأنه هو الذي سيكون بطل التحول ومحوره. إن الجانب الاجتماعي في خطة التحول الوطني لن يعني فرض تنظيمات غير مألوفة أو الانتصار لتوجه اجتماعي ما على توجه اجتماعي آخر ، وكل ما نقرأه حول ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي هو من قبيل التهويل فقط، إن قيم التحول الوطني قادمة من طموح الناس وأحلامهم وهي لمستقبلهم الأمثل. إن تنويع الخيارات الاجتماعية وترسيخ ثقافة العمل والترفيه والإنتاج ستمثل أبرز محاور وأهداف الرؤية المستقبلية للمملكة، ولقد أثبت السعوديون أنهم القادرون على إدارة مراحلهم بما يعزز استقرارهم ويحفظ مستقبل أجيالهم. إن أبرز عبارة يمكن أن يختم بها السعوديون أي نقاش في مجالسهم هي تلك التي ختم بها محرر بلومبيرغ ما كتبه عن لقاء الأمير محمد بن سلمان حين نقل عن الأمير الجملة التالية: «إن لدينا من الفرص أكثر مما لدينا من المشكلات». [email protected]