تقول الحكمة: "إذا أردت أن تزرع لسنة فازرع قمحاً، وإذا أردت أن تزرع لسنوات فازرع شجرة، وإذا أردت أن تزرع للأبد فازرع رجالاً..". والسؤال البدهيّ: - كيف نزرع ونستنبت رجالاً، بمعنى الرجال المنتجين الفاعلين الذين يحملون همّ الوطن، وتكريس مفهوم المواطنة، والانتماء، وعشق الهوية، والتضحية لصيانة الإرث، والمكتسبات..؟؟ أحسب أن ذلك يتم عبر رؤية ناضجة وحكيمة في إخضاع مسيرة العمل الوطني عبر مؤسسات الدولة والمجتمع المدني إلى تأصيل ثقافة الوعي المعرفي، و،التنوير، والقناعات بأهمية التحديث، والتطوير، وتوظيف العقل ليكون مهيمناً ومحتوياً لكل الأفكار والرؤى التنويرية في كل المجالات، والصعد أكانت تعليمية، أو اقتصادية، أو، فكرية، أو حياتية. ونحرص على احتضان الإنسان المدرّب وتطوير أدواته المعرفية، والإنتاجية. وتشجيع انخراطه في عملية البناء، والنمو، والتنمية، ومواكبة المستجدات، والتحولات. والحرص على أن يكون الكائن البشري بجنسيءه، وكل أطيافه، وشرائحه الاجتماعية. كائناً منتجاً عاملاً، دقيقاً، واعياً، مدرَّباً. بعد أن نلغي من مفاهيمه حالات الاتكالية والعجز، والهروب، والاعتماد على الأحلام، والآمال، والأمنيات. ونتيجة ذلك حتماً حالة سقوط مريعة وقاتلة للإنسان. بهذا المفهوم فإن الدول، والشعوب، والحكومات تضع لنفسها رؤى مستقبلية لما تود، أو ترغب، أو تفكر أن تكون عليه. وينتج عن هذه الرؤى خططاً، وبرامج، وأهدافاً، وغايات، وآليات عمل لتحقيق هذه الرغبات، وتحويلها إلى واقع معاش في حياة الناس. وحياة الوطن وتفاصيل العمل اليومي. والسؤال - أيضاً، وأيضاً -. نعرف أن الدول التي قهرت الزمن، وانتصرت على كل المعوقات، والعقبات، وقفزت إلى مصاف الدول الفاعلة المنتجة والمؤثرة في اقتصاديات، وسياسات العالم. وخرجت من أتون التخلف، والبطالة، والأمية، والجهل، والاتكالية. وضعت أمامها رؤية شاملة لما ترغب أن تكون عليه بعد عشرين عاماً، أو ثلاثين عاماً. - وهذا الزمن في عمر الأمم والشعوب قصير جداً - وعملت على تحقيق هذه الرؤية بالعمل الجاد المعقلن. ونأخذ مثلاً سنغافورا، والصين، واليابان، وغير هذه الدول كثير، فهل لدينا رؤيةُ ما يمكن أن نكون عليه في العام 2020مثلاً؟ أطرح السؤال، وهو سؤال مشروع لكي لا نقع في الكارثة التي وقعنا فيها قبل سنوات عندما توجهنا إلى زراعة القمج. ونحن نعرف أننا لسنا دولة زراعية بالمفاهيم العلمية. إذ لا توجد لدينا وفرة مياه. ولسنا على أنهار، والنتيجة أننا استنزفنا مخزون المياه من باطن الأرض في عملية غير مدروسة بحيث لا نستطيع تعويضه حتى بعد مائة سنة..!! علينا أن نحدد أهدافنا، ورؤانا، ومن ثم خططنا، وبرامجنا ونعرف ماذا نريد، وما هو المتاح لما نريد، لكي نبني أجيالاً ونعمل من أجل مئات السنين.