هاجم الدكتور محمد بن سعود بن محمد البشر المطالبين بإطلاق الحريات واصفاً إياهم ب «الشرذمة»، مؤكداً أن الأمة التي تسمح لشرذمة من أبنائها أن تنال من ثوابتها باسم حرية الرأي «هي أمة مهزومة، ضعيفة، فاقدة لهويتها». كما طرح إجابات وحلولاً مقترحة لعدد من الإشكالات، في مسائل التخلف والإصلاح التعليمي، مطالباً بعقد ورشة عمل ل «تشخيص علة التخلف» في المملكة العربية السعودية. وفي اللقاء الذي لم يتسم بالمهادنة أو الديبلوماسية من أستاذ الإعلام السياسي تجاه التيارات الأخرى، نعت البشر خطاب التيار الليبرالي السعودي بأنه «خربشة أفراد» ولا تستحق أن توصف ب «التيارات». مؤكداً عدم استعداد المجتمع السعودي لاستقبال خطاب هذه التيارات باعتباره «مجتمعاً مسلماً سنياً، رُغْم أنف من قال غير ذلك». وتابع في انتقاد الليبرالية في السعودية بوصفها: «أصواتاً فردية ارتفع صوتها عبر مكبرات الصوت (وسائل الإعلام) لتزعج أهل الحي (المجتمع)» مشبهاً حركة التيار الليبرالي ب «طفل يعبث بمكبر صوت، وستأتي اللحظة التي يُضرَب فيها على يديه، ويؤدب أو يُطرد». كما وصف تعامل المؤسسات الخاصة مع أجهزة الاستخبارات بالعمل الوطني الذي يصب في المصلحة العامة للبلاد ... فإلى تفاصيل الحوار: يتهم أصحاب الفكر السلفي بأنهم فاشلون في تسويق الفكر السلفي النقي، بسبب تشبثهم بالصغائر على حساب أهداف الدعوة الكبرى؟ - دعنا نستخدم مفردة (نشر) عوضاً عن (تسويق)، وهذا أمر قد يكون صحيحاً في ما مضى عندما كانت البيئة صغيرة لم تشهد هذا الانفتاح الإعلامي والثقافي على الدول والمجتمعات بسبب التطور الهائل في تقنية الاتصالات. الآن الوضع مختلف عما كان عليه في الماضي، وعلماؤنا ودعاتنا أصبحوا رموزاً بمعايير عالمية. ليس هذا من ادعاء الكمال، فالمهمة لا تزال شاقة والطريق طويل، ونحتاج إلى مزيد من انفتاح علمائنا المعتبرين على مجتمعات المسلمين، آخذين في الاعتبار متغيرات (الزمان والمكان والحال) حتى يكون للمنهج السلفي وهجُه الذي كان عليه. أصدرت أخيراً كتاباً فكرياً سمّيته (تحولات النخب) تحدثت فيه بأسلوب نقدي عن شريحة المثقفين والإعلاميين والدعاة... فمن بقي لم يسلم من النقد؟ - ذكرتُ في مقدمة الكتاب أن موضوعه يركز على مشهد النخب في تحولاتها، على طائفة قليلة منهم، لكنهم مؤثرون في المشهد النخبوي في مجتمعنا. الكتاب يصور المتزلفين بالقلم أو المتلاعبين بالقيم. في الكتابة عنهم لم أقصد تسجيل حادثة معينة أو تفصيل واقعة محددة، أو التعريض برموز أو أشخاص. إنما حاولت أن أرسم صورة لعموم الفئة، وسمات الشريحة فكان في الحديث عنهم تشخيص للطبيعة، وتصوير للنماذج. فالعبرة بالمواقف لا بالأشخاص، وهذا منهج القرآن. انتقدت الغلو في التدين الذي أفرز اتجاهاً مضاداً من الكتبة ذا نفَس ليبرالي، وانتقدت الإعلامي الذي ارتد علينا بجهل أو بقصد ليشكك في قيمنا وثقافتنا، والصحافي المتزلف بالقلم والمرائي بالكلمة، وانتقدت المحسوبين على طلبة العلم والدعاة الذين يزايدون على الدين والوطنية ويدّعون لأنفسهم الكمال، أو أولئك الذين يتدافعون بالأكتاف والأكعب ليكونوا في الصف الأول ليراهم المسؤول أو يبتسموا لعدسات التلفزيون والصحافة، كلما رأيت هذه المشاهد تذكرت قول الشاعر: ما كل من جرّ العباءة سيداً يُخشى، ولا كل المظاهر تبهرُ دعوتَ إلى وضع معايير دقيقة للكلمة والرقابة الإعلامية بحيث تكون مفيدة أكثر من كونها حازمة ومانعة... برأيك كيف يتم تحقيق ذلك في عصر (الحياة الثانية) الذي ترى أن الأمة تعيشه؟ - في كل بلاد الدنيا هناك معايير وضوابط لحرية الرأي والتعبير، وإن لم تكن مكتوبة فإنها معلومة من المهنة بالضرورة لكل من يعمل في وسائل الإعلام. حرية الرأي كذبة كبرى، روّج لها الغرب وصدّقناه مع الأسف الشديد. أميركا لا ترضى لشيوعي أن يروج لمذهبه في معقل الديموقراطية، وإسرائيل لن تسمح لصحافي من أبنائها أن يطالب بأن تكون القدس عاصمة للمسلمين، وهكذا. هناك خطوط حمراء تنتهي عندها حرية الرأي في كل مكان، إما أن تكون مرتبطة بثقافة المجتمع، أو بأمنه، أو بسيادة الوطن ومصالحه العليا. ونحن لسنا بدعاً من الأمم، فلنا ديننا وقيمنا وأمننا ومصالحنا العليا، ومن يطعن في ثوابتنا وهو بيننا فمن حق من له الأمر أن يُسكته أو يوقع العقوبة عليه، وليبحث بعد ذلك عن من يصدق (حرية الرأي) فقد تكون في كوكب غير الأرض، ليس فيه إلا الحجر والتراب. فالأمة التي تسمح لشرذمة من أبنائها أن تنال من ثوابتها باسم حرية الرأي هي أمة مهزومة، ضعيفة، فاقدة لهويتها. ولذلك فإن من يتعدى على هذا الوطن القوي بثوابته بدعوى حرية الرأي والتعبير لا بد من أن يقال له: اذهب إلى مكان آخر من الأرض، فهذه الأرض ليست إلا للمسلمين، كما قال الأمير نايف بن عبدالعزيز. الخطاب الإصلاحي الخطاب الإصلاحي الاجتماعي في وسائل الإعلام ينقسم إلى قسمين أساسيين: قسم يدعو إلى توطيد الثوابت والوقوف في وجه الهجمات الثقافية، وقسم ينادي بتمرير ثقافة الحرية وحقوق الإنسان والمرأة؟ هل يعيش الخطابان اختلافاً حقيقياً في الأهداف؟ - ليس هناك عاقل يقف ضد الإصلاح، والإصلاح الذي يرومه ولاة الأمر إنما هو نحو الأفضل والأكمل، لكن من يصنّفون أنفسهم بالإعلاميين والمثقفين الإصلاحيين من ذوي النفَس الليبرالي ظنوا أن المقصود هو الإصلاح بمفهومهم هم، فأوهموا الناس بأن هناك صراعاً بين تيار رجعي ظلامي وآخر تنويري إصلاحي (لاحظ المصطلحات!) والحقيقة هي أن ليس هناك صراع سري أو علني بين تيارات فكرية في السعودية. وأنا ضد تسمية خربشة أفراد ونعيق أشخاص أنها (تيارات). المجتمع السعودي مجتمع مسلم، رغم أنف من قال غير ذلك، وما يسمى تيارات (ليبرالية مثلاً) إنما هي أصوات فردية ارتفع صوتها عبر مكبرات الصوت (وسائل الإعلام) لتزعج أهل الحي (المجتمع)، فهي كمثل طفل يعبث بمكبّر صوت، وستأتي اللحظة التي يُضرب فيها على يديه، ويؤدب أو يُطرد. وأما المناداة بثقافة حقوق الإنسان والحرية وحقوق المرأة وقضاياها فإن ذلك قد هيأت له ظروف سياسية دولية، أهمها ما كانت تتعرض له المملكة من هجمة إعلامية غربية أميركية على دينها ومؤسساتها، وكأنّ هذه الحقوق لم تكن موجودة في بلد مسلم مثل المملكة. صحيح أن هناك قصوراً يحتاج إلى معالجة لكن ليس بهذه الطريقة التي نراها في بعض وسائل إعلامنا. ومن المؤسف أن من يصنّفون أنفسهم ب (الليبراليين) قد ركبوا هذه الموجة، وبدأوا يقصفون البناء ويوجّهون السهام، وأول ما بدأوا به المرأة بدعوى تحريرها. والصحيح أنها كانت الباب الأول الذي ينفذ منه كل من أراد سوءاً بأي مجتمع على مر الأيام والأزمان، ولذا فلا غرابة أن يتحدثوا دوماً عن المرأة، وسيأتي يوم يطلق فيه المدير صافرته ويعود الطلا ب إلى فصولهم، ثم تعلن أسماء المشاغبين ومن تسوروا المحراب وتسلقوا الجُدُر والأبواب. ما رأيك في قرار إلغاء وزارة الثقافة والإعلام وتحويلها إلى مؤسسة عامة؟ - ذلك قرار ينتظر التفعيل منذ صدوره عام 1424ه، فقد سبق أن صدر قرار مجلس الوزراء المبني على توصية مجلس الشورى بتحويل الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء إلى مؤسستين عامتين، وتبقى وزارة الإعلام مشرفة على سير العمل وضبطه من الناحيتين المهنية والقانونية. وما زلنا ننتظر من وزير الإعلام الجديد أن يترجم ذلك القرار إلى واقع نعيشه وهو ما بدأ به بالفعل، فالمملكة تشهد تطوراً هائلاً وناجزاً وشاملاً، ولا ينبغي أن يكون الإعلام خلف هذه المسيرة، بل أمامها معرّفاً بها ومبشّراً بملامحها. القرار كان يرتكز على أسس عدة ومنطقية، أهمها أن العمل الإعلامي يتميز بالديناميكية المتجددة والإبداع المستمر، والبيروقراطية في وزارتي المالية والخدمة المدنية تقف حجر عثرة أمام هذا الإبداع ليعطي ثماره. تحويل هذه الأجهزة الحكومية مؤسسات عامة يمنحها الكثير من المرونة في الإنفاق المالي، والسرعة في اتخاذ القرار الإداري والمهني، وفتح باب المنافسة الوظيفية ليكون البقاء للأجدر والأكثر كفاءة... إن هذا القرار - باختصار - هو هدف استراتيجي لدولة عظمى مثل المملكة، بكل ما تعنيه مفردة (السعودية) من دلالات كثيرة. نشرة الأخبار في تلفزيوننا... كيف ترى منافستها لنشرات القنوات الأخرى؟ - الإجابة عن هذا السؤال مرتبطة بما قبلها، هناك رتابة تصاحب نشرات الأخبار في تلفزيوننا. ولا نلوم الوزارة أو العاملين في التلفزيون، فهم يتحركون ويبدعون بحسب ما أتيح لهم من إمكانات وصلاحيات، وعندما يتحول التلفزيون إلى مؤسسة عامة سنرى أننا كنا نرى الأشياء ب(عين واحدة). عندما ظهرت قناة «الجزيرة»... هل تكاثرت شياطين الإعلام حولنا؟ - لا، بل تكاثرت الشياطين عندما ظهرت قنوات تلفزيونية غيرها مملوكة من رجال الأعمال السعوديين. قناة «الجزيرة» - مع تحفظي على فترات معينة من تاريخها - تمثل نموذجاً للمهنية الإعلامية الراقية، ومرحلة مهمة في مسيرة الإعلام العربي الخاص. قناة «الجزيرة» حرّكت المياه الآسنة، وشجعت غيرها على أن يتنفس بكل حرية مثلها، ومن جاء بعدها في مجال القنوات الإخبارية العربية المتخصصة حتى الآن هو عالة عليها. مع أن هناك برامج قليلة قد لا أتفق مع توجهاتها ومذيعين يحملون رؤى معينة تجاه المملكة، وهو ما يجعلني أتحفظ على بعض برامجها، لكن تبقى هي الأفضل في فضائنا العربي. لماذا السعودية مادة دسمة للقنوات الفضائية؟ - السعودية كياناً ودولةً هي بالطبع مادة دسمة لكل من يريد التحدث عنها إيجاباً أو سلباً، فالأصدقاء يتحدثون عن مكانتها الروحية وثقلها السياسي والاقتصادي. والأعداء ينالون منها، لأنها الدولة الوحيدة التي لا يتناقض نظامها السياسي مع دين شعبها وعقيدته، وتضيق صدورهم ببقاء أهلها على قيمهم وتقاليدهم وخصوصية ثقافتهم مع الأخذ بأسباب الحضارة والمدنية، في الوقت الذي يرون فيه تهافُت حضارات وتساقُط ثقافات ذات اليمين وذات الشمال. أما السعودية شعباً فهذا ما يؤلمنا حقيقة، فالسيولة المادية على رغم الأزمات المالية (الداخلية) ما تزال مستهدفة من القنوات الفضائية، وكثير من الإعلانات غير المرشدة ورسائل sms والمكالمات الهاتفية تأتي - مع الأسف - من السعوديين. لا يعني ذلك بالضرورة زيادة وعي ثقافي بين السعوديين، بل له مؤشرات أخرى محزنة. ويكفي أن تعرف طبيعة البرامج لتدرك مغزى المشاركة، إذا علمنا أن نسبة تزيد على 70 في المئة من هذه القنوات الفضائية هدفها الربح المادي الذي تجنيه من خلال تركيزها على الوظيفة الترفيهية من دون غيرها من وظائف الإعلام. كليات الإعلام في جامعاتنا السعودية... هل هي بيروقراطية بحتة؟ - كليات الإعلام تعمل تحت منظومة الجامعات السعودية وأنظمتها، ومع ذلك فهي تعطي لمؤسسات المجتمع ما لا تعطيه غيرها من الكليات الأخرى. وأذكر لك شاهداً على ذلك: نسبة 20 في المئة من منسوبي الإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود من أعضاء هيئة التدريس معارين إلى جهات حكومية أو خاصة، وعدد كبير منهم يعمل مستشاراً غير متفرغ في مؤسسات المجتمع المختلفة، وهذا بلا شك يعطي مؤشرات على إسهام هذه الكليات في خدمة المجتمع ومؤسساته. الشورى والهيئات والإعلام مجلس الشورى... كيف ترى أداءه الإعلامي؟ - مجلس الشورى من أهم مؤسسات الدولة السياسية، وهو السلطة التشريعية في النظم السياسية، وعندنا تسمى «السلطة التنظيمية»، لأن التشريع انتهى بانقطاع الوحي عندنا نحن المسلمين. ومؤسسة بهذا الحجم ينبغي أن يكون لها جهاز إعلامي يناسب أهميتها في الدولة والمجتمع. إعلام مجلس الشورى يحتاج إلى تفعيل آليته وبرامجه. وأتمنى أن يكون له ناطق رسمي يتحدث إلى وسائل الإعلام المحلية عقب كل جلسة، وبرامج إعلامية خارجية تتحدث عن إنجازاته إلى الآخَر الأجنبي، ولا سيما الغربي. بما أنك متخصص في الإعلام السياسي نسألك... ما بال هذا القطاع الأكثر تواضعاً في الأداء الوطني، وأنت ترى كيف لم تستثمر مكانة السعودية إسلامياً وعالمياً بسبب بلادة إعلامنا السياسي؟ - الإجابة عن هذا السؤال في أصلها تعود إلى إشكالية العلاقة بين مؤسسات الدولة الفاعلة وما يسمى ب «بيوت الخبرة» أو «العقول المفكرة» Think tanks في عالمنا العربي والتي لا تزال عاجزة عن استثمار الكفاءات القادرة على العطاء في كل ميدان. والإعلام السياسي هو واحد من هذه المجالات التي تعاني من إشكالية هذه العلاقة. فالمؤسسات المعنية بالقرار الخارجي لا تزال تقتصر على موظفيها والعاملين فيها من دون محاولة الاستعانة بالمتخصصين للإسهام في الدراسات التي تسبق القرار والمؤسسات المعنية بالسياسة الخارجية لبلادنا، مثل وزارة الخارجية. والمؤسسات المساعدة لها مثل وزارة الثقافة والإعلام محتاجة، ولا سيما في هذا الوقت، لتضافر الجهود في رسم سياسة خارجية لبلادنا تتناسب ومكانتها الدولية على كل المستويات. وعليها كذلك أن تمدّ جسور التواصل مع المتخصصين في العلوم السياسية والإعلام السياسي للإفادة من كل الكفاءات القادرة والمتخصصة التي يحتضنها الوطن. في دولة صغيرة مثل إسرائيل توجد عشرات مراكز الدراسات المهمة... لماذا فشلتم - معشر المثقفين السعوديين الدارسين في الغرب - في تحويل مراكز دراساتكم من «بدائية تفسر الماء بالماء» إلى مراكز عملاقة تؤثر في صوغ استراتيجية وطنكم؟ - أتفق معك في هذا الطرح، ونحن - السعوديين - جزء من المنظومة العربية التي تعاني من نقص شديد في مراكز الدراسات الإستراتيجية التي تسند الوطن في سياسته الداخلية والخارجية. لدينا عوامل الثقل الاستراتيجي المعنوية «الإسلام والمقدسات الإسلامية»، وعوامل الثقل الاقتصادي «النفط وحسبك به»، وعوامل الدعم «اللوجستي» لتشغيل هذه المراكز «العقول المتخصصة والكفاءات المؤهلة»، وهذه جميعاً دعائم أساس في نجاح أي مشروع لمركز دراسات فاعل ومؤثر، لكن الواقع هو أننا لم نستطع توظيف هذه الدعائم لإنشاء مراكز بحثية، ومؤسسات دراسات فكرية، ومعاهد لرسم الرؤى الاستراتيجية على المستويين الحكومي والخاص. وأتمنى أن تعقد ورشة عمل واحدة لتشخيص علة التخلف هذه، والتي تذكرنا ببيت الشعر المشهور: ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام فأين الخلل إذاً؟ ولماذا لا نرى حتى الآن مفكرين سعوديين لهم تأثير في عالمهم بما يتفق والمكانة العالمية لبلادهم؟ - عدم وجود مفكرين ومثقفين سعوديين قادرين على الحضور العالمي في المجالين الفكري والثقافي ليس سببه تفوق غيرنا علينا فقط، وإنما صاحب ذلك إهمال واضح لصناعة المفكر السعودي بالمعايير العالمية، فليس أكثر منا تناسياً أو تجاهلاً لدور المفكر والمثقف، بل وربما تقليل دوره والتقليل من أثره، ولا سيما المفكر المستقل. وكم من مفكر مبدع قُتل معنوياً أو مادياً لسبب أو لآخر، فكيف نرجو أن يكون لدينا مفكرون عالميون؟! في بلادنا توجد الكوادر السعودية ذات العقول والمواهب المؤهلة للانتشار العالمي، لكن إمكاناتها المادية تقصر من دون بلوغ هذا الأمل بسبب عدم قدرتها على إيصال نتاجها العلمي أو الفكري أو الثقافي إلى العالم بلغاته المختلفة. فأين الدعم الحكومي أو الخاص الذي يمكن لهذه العقول في ساحة الفكر العالمي من خلال تمويل برامج ترجمة نتاجنا الفكري والثقافي إلى الآخر من خلال الأفراد أو المؤسسات! بعد مضي فترة على قيادتك لدار «غيناء».... هل ثمة ما يوحي بأن تصحيح نظرة الغرب لنا ممكنة؟ - نحن أخذنا على عاتقنا مهمة التوجه بخطابنا إلى الغرب، نتحدث إليه عن القضايا الكبرى للإسلام والوطن والتي تثيرها وسائل الإعلام الغربية، أو مؤسسات الغرب السياسية ومراكز البحث الاستراتيجية أو تلك القضايا التي تثيرها منظمات حقوق الإنسان الدولية عن المملكة، ونعتقد بأننا بنينا جسوراً من التواصل المعرفي لتقديم المعلومة الحقيقية عن بلادنا ومنهجها ومؤسساتها. لكن ما نقدمه يبقى مقصوراً على فئات النخب وصناع القرار، ونحتاج إلى منظومة أكبر وأشمل تجمع السياسي والإعلامي والمفكر والمثقف في إعادة ترميم الصور الذهنية التي شوهتها أحداث ال 11 من سبتمبر، وكانت ذريعة لمن كان يتحين الفرصة للنيل من المملكة لمقاصد أيديولوجية أو أطماع سياسية أو استراتيجية. وأود أن أؤكد هنا أن تصحيح رؤية الغرب عنا ليست هدفاً بذاته، فهي ستبقى ما بقي صراع المصالح بين الحكومات والثقافات، لكننا نحاول أن نقدم المعلومة الصادقة والموضوعية لكل من يريدها بصدق وعدل. ثم إننا لن نقتصر فقط على إصدار الكتب العالمية وترجمتها وتوزيعها بلغات عدة، بل إن هناك مشروعاً اسمه (مشروع الفكر العالمي عن السعودية) سندشنه قريباً يتضمن إصدار الكتب، وإجراء الدراسات الاستراتيجية، وترجمة التقارير التي تصدر في الغرب عن قضايانا في المملكة، وتطوير موقعنا على شبكة الانترنت، وغير ذلك. هناك اتجاه جديد في الاستخبارات السعودية بالاستعانة بالجامعات ومراكز الدراسات، في ما يتصل بمركزكم... هل أنتم مستعدون لأداء دور المخبرين الثقافيين.... أو عملاء جهاز الاستخبارات بثياب ثقافية؟ - نحن وجهاز الاستخبارات، ووزارة الصحة، والبلديات وغيرها من مؤسسات الدولة يجمعنا وطن واحد، نفخر بالانتماء إليه، ولن نتردد في الدفاع عنه. الفرق بيننا وبينهم أنهم جهات حكومية ونحن قطاع خاص، والفرق في المسمى وطبيعة العمل لا يتناقض مع هدف الانتماء لهذا الوطن الكبير، الكبير بمنهجه، وقيادته، وشعبه ومؤسساته. ولو طلب منا جهاز الاستخبارات إجراء دراسات استراتيجية تحقق مصلحة وطنية فلن نتردد. أليست مؤسسة (راند) الأميركية الشهيرة تخدم سياسة الولاياتالمتحدة؟ أليست مراكز البحث والدراسات الاستراتيجية في أوروبا وأميركا تُجري دراستها بتمويل من حكومتها؟ بل إن كثيراً من السياسات الخارجية للدول الغربية إنما هي نتاج عقول المنظرين في بيوت الخبرة الأهلية. إذا سلمنا بذلك فإننا في المملكة أشد تعلقاً بقيادتنا وحكومتنا، فهي دين ندين الله به قبل أن تكون لغرض من الدنيا! فلسفة الشك فلسفة الشك... متى تحاصر عقلك؟ - أنا - ولله الحمد - في راحة من الشك في بُعده الفلسفي والنظري، وقد صنفت كتاباً عن (فلسفة الشك وأطروحات العقل الفينومينولوجي في الفكر العربي المعاصر) ناقشت فيه هذه القضية. أما الشك بمفهومه الثقافي فيساورني في حالتين: الأولى: حالة المفكرين العرب الذين دافعوا عن الفكر الإلحادي الوجودي، ومع ذلك عندما تلم بهم النائبات يرفعون رؤوسهم إلى السماء ويقولون: «يا رب... يا رب»، فهل هم مؤمنون بما يكتبون ويؤلفون؟ أم أن حالهم مثل حال فرعون عندما قال: (ما علمتُ لكم من إله غيري)، ثم لما أدركه الغرق قال: (آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل)؟! والحالة الثانية: عندما أرى من بعض المفكرين والمثقفين السعوديين - وهم قلة - من يريد أن يغير وجه الدولة والمجتمع. وإن العاقل ليتملكه العجب ويحتار: كيف لمن ينتمي إلى مثل هذه البلاد بعقيدتها وحكومتها وشعبها أن يكون متحرّفاً إلى قوم أو متحيزاً إلى فئة أو أرض من دون وطنه وقومه وأرضه؟ أي خذلان أشد وأنكى من أن يتنكر المرء لدينه وقومه؟! أخيراً: أنت أكاديمي وإعلامي، لكنك لا تظهر كثيراً في وسائل الإعلام... ما سبب ذلك؟ - ليس مطلوباً من «الأكاديمي الإعلامي» أن يكون حاضراً دوماً في وسائل الإعلام، وأن يتحدث عن كل شيء وفي كل وقت... الإعلام مثل الوهج الوضاء، إن اقتربت منه احترقت، وإن ابتعدت عنه بقيت في الظلمة. وترجمة ذلك أن من يخرج كثيراً في وسائل الإعلام ويتحدث في كل مناسبة يُعرّض ذاته العلمية والمهنية للتجريح، وإن ابتعد أصبح سلبياً لا يسهم في الحراك الاجتماعي، وهو المطلوب منه. فالتعامل مع الإعلام يكون بقدر معقول. ولعلك تلاحظ أن هناك طائفة من الأكاديميين والمثقفين أصبحوا مثل «مغنيات الأعراس»، تجدهم في كل محفل ومناسبة، يتحدثون حتى في غير فنّهم وتخصصهم، ومن تحدث في غير فنه أتى بالعجائب. سيرة ذاتية محمد بن سعود بن محمد البشر من مواليد الأفلاج 1384ه (1964) المؤهل العلمي: دكتوراه من جامعة جنوب إلينوي في الولاياتالمتحدة الأميركية الرتبة العلمية: أستاذ Professor الوظيفة الحالية: أستاذ الإعلام السياسي في قسم الإعلام - كلية الدعوة والإعلام جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التخصص الدقيق: الإعلام السياسي - الإعلام الدولي الإنتاج العلمي أولاً: في مجال التخصص الإعلامي: - أخبار التلفزيون والتنشئة السياسية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة جنوب الينوي بالولاياتالمتحدة، 1409ه (1989). - الكفاءة الاتصالية لدى الطلبة السعوديين الدارسين في الولاياتالمتحدة أثناء حرب الخليج الثانية 1990-1991: دراسة على التأثير المدرك. رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة جنوب الينوي في الولاياتالمتحدة، 1413ه(1993). - ضوابط الحرية في الإعلام السعودي، كتاب منشور، 1414ه. الفلسفة الظاهراتية في الاتصال الإنساني، كتاب منشور، 1415ه. - فن الاتصال الخطابي، بحث محكم غير منشور، 1416ه. - المسؤولية الاجتماعية في الإعلام، كتاب منشور، 1417ه. - مقدمة في الاتصال السياسي، كتاب منشور، 1418ه. - قادة الرأي في المجتمع السعودي، بحث محكم منشور. - قصور النظرية في الدراسات الإعلامية، بحث منشور، 1423ه. - اتجاهات الصحافيين نحو الأداء الإعلامي للصحف المحلية: - دراسة حالة للعمليات الإرهابية في مدينة الرياض، بحث محكم منشور، 1425ه. - واقع الإعلام العربي في الصراع مع إسرائيل: مراجعة نقدية ورؤية مستقبلية، بحث محكم منشور، 1427ه. - حجب المعلومة في الحرب الأميركية على العراق: دراسة كيفية لجدلية العلاقة بين السلطة ووسائل الإعلام في المجتمع الأميركي. بحث محكم منشور، 1428ه. - أيديولوجيا الإعلام، كتاب منشور، 1429ه. ثانياً: في المجال الفكري والثقافي: - يوم أن اعترفت أميركا بالحقيقة (مترجم من الإنكليزية)، 1415ه. - ترجمات ودراسات في المجتمع الأميركي (مترجم من مصادر إنكليزية)، 1416ه. - فلسفة الشك: أطروحات العقل الفينومينولوجي في الفكر العربي المعاصر، كتاب منشور، 1418ه. - حرب أبدية لسلام أبدي (مترجم من الإنكليزية)، 1426ه. - تحولات النخب، كتاب منشور 1430ه. - حصاد الغربة: رسائل إلى المبتعثين، كتاب منشور،1430ه.