الحياة لدى المبدع خليط من حرية وبوهيمية وخيال مفخخ بالخيبات، يتلصص المبدعون من خلال كوة الحياة فيشبعون يقينا بأن الزواج محض قيد لا أكثر، بينما يجد مبدعون آخرون أن الزواج رغد عيش واستثناء قدر له أن يكون قاعدة، وعندئذ نتذكر الموسيقي محمد عبدالوهاب ذي الأوتار الخالدة. كان عبدالوهاب شغوفا بزوجته نهلة القدسي إلى الحد الذي أفشى سره قائلا إنها «شيء حلو في حياتي وهدية من السماء»، بينما لو أمعنا النظر إلى السواد الأعظم من المبدعين نرى البؤس الزوجي وهو يطلق لسانه ساخرا من الأحاسيس المنقوشة على دفاتر المرهفين. فالشاعر الإيرلندي ويليام بليك الذي انتهج النهج الرومانسي في قصائده قال عن الزواج ما لا تصدقه رعشة فنان ووصفه بأنه «مركب يحمل أكفان الموتى»، ولأن التناقض سمة من سمات بعض المبدعين. وأوجد لنا الحب معضلة روسو الشهيرة الذي اتهمته صديقته بإيواء أطفاله الخمسة دار أيتام رغم أن روسو نفسه ألّف كتابا عن التربية. وحينما يتجرأ الحزن على حياة روائي كتوليستوي فإنه لن يتشظى إلا نزفا محرقا على الأرصفة الممتدة من الدموع وإلى السماء، فقد كان من ضمن المبدعين الذين عاشوا حياة «نكد»، ووصل هذا الأمر لعائلته أيضا، كتبت زوجته الملتحفة وجعا سونيا توليستوي في مذكراتها أنها عاشت مهمشة في حياته بل صعقت عندما كان يخفي عنها بعض كتاباته، بينما كان يعرضها لبناته بكل حبور حتى اكتشف ذات ليلة أنها تقرأ تلك الأوراق فهجرها صباحا دون عودة، وتنازل عن كل أملاكه لعماله وفلاحيه، وراح يسكن محطات القطارات حتى مرض ومات مشردا. ومن حيث يسقط الوجع جاءت الأقدار لأحدهم، فلم يسلم المسرحي ارثر ميلر من حياة عصيبة في زواجيه الأول والثاني فقد طلق زوجته الأولى لأجل فتاة الإغراء مارلين منورو التي أوجعت كل من مرت بخياله، لم يستمر زواج ميلر بها طويلا فقد انهارت علاقتهما أثناء تصوير فيلم «غير المتوافقين في المجتمع»، وقد أفاق الأمل أخيرا على مقولة لإبراهام صاموئيل «كيف كان للكاتب أو الفنان أو المفكر أن يتفرغ لنشاطه ويعطيه من وقته وذهنه وطاقة روحه متأملا متفكرا ومحلقا في فضائه لولا أن ثمة من أناب نفسه عن المبدع في تحمل شؤون البيت الكثيرة».