رغم جميع الجهود المبذولة لسعودة بعض التخصصات، محاولة لخفض نسب البطالة وإتاحة الفرصة للشباب السعودي للعمل، إلا أنه وللأسف تأخرت تلك الجهود في بعض التخصصات المهمة والنادرة والتي أنفقت الدولة عليها البلايين في تكوينها ابتداء من الجامعات والكليات والتجهيزات الفنية والعلمية واستقطاب أفضل وأشهر الدكاترة لنقل علمهم وتجربتهم لتعليم أبنائنا أو ابتعاثهم خارج الوطن . وما أقصده اليوم هو التخصصات الطبية والتي أعلنت الهيئة السعودية للتخصصات الصحية في تقريرها العام الماضي بأن هناك نقصا في الكوادر الصحية الوطنية حيث أظهرت الإحصاءات أن نسبة السعوديين العاملين في القطاعات الصحية المختلفة لايتجاوز 30.4 % من إجمالي الممارسين الصحيين. إذ بلغ عدد السعوديين الممارسين الصحيين من أطباء وصيادلة وممرضين وخدمات صحية مساندة حوالى (139) ألف ممارس ويقابلهم حوالى (317) ألف ممارس أجنبي وبلغت نسبة الأطباء السعوديين (20.1%) ، ووصل عدد الأطباء السعوديين (25.8) ألف طبيب وعدد الصيادلة (7000) بنسبة 18%، وهنا تظهر لنا قضية البطالة المتخصصة في أعلى وأهم تخصص وهو الطب. إذ يواجه آلاف من الأطباء السعوديين حديثي التخرج من الجامعات السعودية والأجنبية بعد سنة الامتياز وحصولهم على شهاداتهم بأنهم خارج الخدمة الطبية التي قضوا سنوات دراسية للحصول على البكالوريوس فيها، فضاعت آمالهم وآمال أهاليهم وذويهم ، وكما يعلم الجميع أن دراسة الطب هي أصعب دراسة أكاديمية عملية للحصول على درجة علمية عملية. وللحصول على وظيفة طبيب مقيم في أحد المستشفيات الحكومية يتطلب على الطبيب حديث التخرج التقدم لبرنامج جدارة والذي يفتح موقعه مرة في العام ولمدة محددة لينتظر المتقدم شهورا لظهور النتيجة ثم تظهر النتيجة مخيبة للآمال وعلى سبيل المثال أظهرت نتائج جدارة الأخيرة قبول طبيبة واحدة في محافظة جدة و(12) طبيبة في مكةالمكرمة وبنسب متفاوتة لجميع مناطق المملكة. في الوقت الذي تقدم لجدارة في آخر الامتحانات حسب المعلومات المتاحة أكثر من خمسة آلاف طبيب سعودي، إما للحصول على وظيفة طبيب مقيم متدرب في أحد المستشفيات الحكومية والخاصة ،فعليه التقدم لهيئة التخصصات الصحية السعودية للترشيح إذ أظهرت الإحصاءات الأخيرة أنه بلغ عدد المتقدمين للهيئة ستة آلاف وخمسمائة طبيب وطبيبة وتم ترشيح (2300) طبيب وطبيبة فقط للمستشفيات الحكومية والخاصة . ويتوقع أن يتم قبول 70 % من المرشحين والبقية يعاد ترشيحهم العام القادم . أي أن هناك حوالى خمسة آلاف طبيب وطبيبة سعوديين على قائمة البطالة . وحسب المعلومات المتوفرة والمنشورة على بعض مواقع أطباء بدون عمل أن بعض الأطباء والطبيبات نتيجة ظروفهم الاقتصادية الصعبة اتجهوا لقبول العمل في المستشفيات الخاصة برواتب تصل إلى أربعة آلاف ريال كمساعد طبيب أو ممرض أو أعمال إدارية أخرى ، مما أصابهم بالإحباط وفقدان الأمل وانتقلت حالة الإحباط إلى عوائلهم وأبنائهم وذهب الخوف والإحباط إلى طلبة كليات الطب في الجامعات السعودية الحكومية والخاصة الذين ينتظرون مستقبلهم المجهول. إن قضية بطالة الأطباء تعتبر ضمن أخطر أنواع البطالة. وإن معالجتها في بلادنا ليست بالمعجزة ولو جاز لي الاقتراح لكنت أقترح أن يوضع لهم برنامجان للتدريب العملي على رأس العمل الأول داخل المملكة في المستشفيات الخاصة كطبيب مساعد ويدفع راتبه بالكامل من صندوق تنمية الموارد البشرية لمدة عامين وتلزم المستشفات الخاصة بتشغيل طبيب مساعد مقيم ويكون التشغيل إجباريا وليس لأصحاب المستشفات الخاصة خيار الرفض، بل يفرض عليهم برنامج تدريب مكثف وعملي مع الدكاترة والاستشاريين والأخصائيين في تلك المستشفيات . وهنا تكون قد ضمنا تدريب الأطباء السعوديين وألزمنا المستشفيات الخاصة بتشغيلهم بعد عامين وضمنا تشغيل بطالة الأطباء في برنامج تدريبي مدفوع من صندوق الموارد البشرية في مستشفات القطاع الخاص ومحسوبة ضمن نسب السعودة . أما الاقتراح الثاني فهو تعاقد صندوق الموارد البشرية مع أحد المستشفيات الدولية في الولاياتالمتحدة وأوروبا وفي غيرها لتدريب الأطباء السعوديين عمليا وذلك أسوة ببعض الدول الخليجية والتي دعمت بعض المستشفيات الأمريكية مقابل تدريب أطبائهم . إن قضية بطالة الأطباء السعوديين حديثي التخرج وبقاءهم في منازلهم أو تشغيلهم في غير تخصصهم يعتبر خسارة على الوطن وعلى اقتصاد الوطن ولو استمر الحال سيتضاعف العدد وستصبح المشكلة أكبر . أما الاقتراح الثالث فهو تفعيل القرار السامي السابق والذي ينص على تعيين أي خريج كلية طب في أحد المستشفيات أو المراكز الصحية الحكومية على بند التشغيل أو على بند صندوق الموارد البشرية. إن عدم عمل الأطباء حديثي التخرج لمدة عام أو أكثر سيفقدهم علمهم نتيجة عدم ممارسته عمليا . مما يستدعي إعادة تأهيلهم وفي ذلك تكلفة إضافية. كاتب اقتصادي سعودي