إذا كانت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مصر أخيرا دشنت صفحة عروبية جديدة وفاخرة في تاريخ المنطقة، فإنها أيضا وضعت الأساس لأهم حدث «جغرافي واقتصادي» فيها بالإعلان عن تأسيس الجسر البري الحلم الرابط بين السعودية ومصر، ليمثل عناقا جديدا بين أكبر قارتين على سطح هذا الكوكب. العظماء يصنعون التاريخ، والجغرافيا أيضا، وبإتمام هذه المشروع يخلد اسم الملك سلمان بحروف من ذهب على وجه القارتين، فهو أول قائد عربي يربط مشرق العرب بمغربهم بعد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، متحديا الطبيعة التي فصلتهما، ومتجاوزا كل العوائق السياسية والهندسية القائمة. عظمة مشروع جسر الملك سلمان لا تنبع فقط من كونه رابطا بريا للتنقل بين بلدين فقط، بل من حقيقة أنه سيصبح أهم شريان اقتصادي حقيقي يربط آسيا بأفريقيا ويوازي في أهميته قناة السويس على طرق التجارة الدولية.. سيصبح بإمكان التاجر في أقصى دول آسيا أن ينقل بضائعه برا إلى دول أفريقيا والعكس أيضا، ما يعني أن هذا الجسر في لغة الاقتصاد والأرقام سيكون مصدر إيرادات ضخما للسعودية ومصر، ولذلك فهو فعليا أعظم هدية يقدمها قائد عربي للاقتصاد المصري في التاريخ الحديث. حسب القراءات الأولية من المتوقع أن تتجاوز إيرادات هذا الجسر 200 مليار دولار سنويا أي ما يعادل ثلث احتياطات السعودية عام 2015، وبحسب مصادر مختلفة من المتوقع أن يبلغ طوله فوق الماء من 7 إلى10 كلم، ويشتمل على ممرات سيارات صغيرة وشاحنات إضافة إلى سكة لقطار شحن. لا يتوقف دور الجسر في دعم الاقتصاد المصري عند ما سبق فقط، إذ أنه سيصبح أيضا رافدا حقيقيا لقطاع السياحة، فمعه ستتحول درة السياحة المصرية «شرم الشيخ» إلى أكبر منتجع سياحي لسكان القارة المجاورة، وإذا كان المصريون اليوم يعانون من أزمة في السياحة بسبب الأحداث الأخيرة، فإن ما ينتظرهم بعد تدشين الجسر سيعوضهم عما فاتهم أضعافا مضاعفة، وسيوفر أرقاما مهولة من الوظائف لأبناء أرض الكنانة في هذا القطاع، طبعا إلى جانب الوظائف التي سيوفرها مشروع بناء وتشغيل الجسر نفسه لهم. ليس أعظم وأجمل من إحياء الأمل ومشاعر الاطمئنان على المستقبل في نفوس الناس بعد سنوات من الضياع بدأت مع ما يُسمى ب«الربيع العربي»، وألحقت باقتصاد مصر وحياة مواطنيها خسائر وآلاما من الصعب نسيانها.. وزيارة خادم الحرمين الشريفين الأخيرة إلى القاهرة وما انطوت عليه من نتائج واتفاقات فعلت أكثر من ذلك في نفوس الأشقاء المصريين الذين هم في أمس الحاجة لطي آخر فصل من تداعيات ذلك الربيع المشؤوم.