ما كان الماء طائفيا ومذهبيا أو قبائليا، ليقسِّمنا ويُمذهبنا ويحزّبنا على منابع الأنهار ومصبات الشلالات وجريان الأودية أو عند إقامة السدود واستدرار المطر، لكن العطش كائن حقوقي حين تكون القرارات عشوائية. لا أعرف الكيفية والآلية التي تتم بها ومن خلالها قرارات وزارة المياه والكهرباء إذا كان قرار رفع تعرفة المياه وفاتورة الاستهلاك لم يعرض ولم يناقش في مجلس الشورى. فهل تم اتخاذ القرار في شركة المياه كونها شركة صاحبة مصلحة من رفع التعرفة وتعويض خسائرها؟ وهل كان القرار هدفا نهائيا أم هو مرحلة ستليها مراحل بانتظار اكتمال سلة من القرارات وسلسلة من الإجراءات، خاصة أن زيادة التعرفة الأخيرة رغم قوتها فهي لن تعوض سوى 35 % من التكلفة حسب وزير المياه والكهرباء. لماذا أصر الوزير في أكثر من لقاء على أن الهدف من زيادة التعرفة هو ترشيد استخدام المياه والحد من الهدر، ويعلم معالي الوزير أن هذا الطرح سيثير جدلا، حول ما تستنزفه الشركات الزراعية من مياه لزراعة الأعلاف ومحاصيل أخرى؟ حيث إن ما يتم استنزافه الآن من منطقة بسيطاء الجوف من قبل الشركات الزراعية يعادل ما يتدفق يوميا في نهر ليبيا الصناعي العظيم ثلاث مرات حسب بعض المصادر. ثم يأتي السؤال المتصل لماذا أوقف معالي الوزير كل جهوده السابقة وحملات وزارته والتي بدأها منذ سنوات وكانت تستهدف الشركات الزراعية المستنزف الحقيقي للثروة المائية؟ وهل الحملة الجديدة المتمثلة برفع التعرفة على استهلاك المنازل بديلة عن تلك الحملات السابقة؟ ولماذا تم استبدال الهدف؟ مع العلم أن الأرقام لا تزال تظهر أن أكثر من 80 % من الثروة المائية تذهب إلى الزراعة. ثم لماذا يتاح حفر الآبار لمن أراد وبسهولة، إذا كان الهدف فعلا الحفاظ على الثروة المائية؟ ولماذا لا يكون هناك تنسيق مع البلديات في أن يشترك الحي ببئر واحد، بدلا من أن تحفر كل أسرة بئرا خاصا بها. لغة الأرقام خطرة إذا لم تتحصن ضدها، فالأرقام للتسريبات التي تعاني منها الشبكات العامة للمياه تحتم العمل على إصلاحها قبل الحديث عن الشبكات المنزلية. والأرقام التي تتحدث عن استخدام المياه المحلاة في غير مجالها تطعن في مصداقية الوزارة وفي جديتها، والأرقام التي تتحدث عن زيادات في فواتير المستهلكين بعشرات الأضعاف تطعن بصدقية الوزارة. أرقام المراجعين الذين قبلت الشركة إسقاط الزيادة عنهم نتيجة للتعرفة الجديدة، يبرهن على أن الوزارة والشركة لديهما مشكلة حقيقية في قُراء العدادات ولديهم مشكلة في النظام التقني الإلكتروني ولديهم مشكلة في ازدواجية المعايير، فضلا عن المشكلة الرئيسية والمتمثلة بعدم وصول الشبكة والمياه لبعض الأحياء. هناك قصور إعلامي وعدم وضوح برؤية الوزارة يتحمله الإعلام والحملة الإعلامية في وزارة المياه والكهرباء بدون شك. فكان هناك فجوة بين الحملة الإعلامية التي قامت بها الوزارة والتي كانت تستهدف زراعة الأعلاف، بينما التعرفة الجديدة تستهدف الاستهلاك المنزلي للمياه. من ناحية أخرى، المسؤول الوحيد الذي كان يتحدث في الإعلام ويدافع عن التعرفة والوزارة والشركة ويعقد المؤتمرات الصحفية هو معالي الوزير حسب متابعتي لمجريات القضية، فكان لا بد من أكثر من مسؤول يتحدث بأكثر من زاوية للقضية. لابد من الانسجام والاتساق بين التوعية والإجراءات المالية والإدارية والفنية المتخذة للترشيد، فلا تكون الحملة الإعلامية لهدف بينما التعرفة لهدف آخر وفي زمن آخر. ناهيك عن ضرورة إصلاح صورة الوزارة قبل إطلاق التعرفة الجديدة، على صعيد قُراء العدادات وعلى صعيد إصلاح التسريبات في الشبكات العامة أو على صعيد تقديم الأولويات، وإصلاح أنظمة الشركة والوزارة، وإيصال المياه لكل طالبيها. ليكون التطبيق عادلا ومنطقيا ومقنعا. من المهم أن تقدم لنا الوزارة من خلال حملة مدروسة منزلا مثاليا ووزارةً مثاليةً وشركةً مثالية وحديقةً مثالية ومسبحا مثاليا ومزرعةً مثاليةً. لأن الوزارة لا يمكنها منع الناس من إيجاد الحدائق والمسابح في منازلهم إن أرادوا، لكن مسؤولية الوزارة وضع المواصفات لكل منها بوضوح. أخيرا، إذا كان الرهان على قوة النظام فلا بد لهذا القرار من أن يحصل على نقاش وموافقة جهات الاختصاص، أما إذا كان الرهان على وعي الفرد والأسرة والمجتمع، فلا بد من سلاح المنطق وذخيرة الإقناع وإستراتيجية الأولويات. فالماءُ كلٌ لا يتجزأ -يا معالي الوزير- وكذلك العطش.