قامت أوروبا ومعها العالم تضامنا وحزنا مع بلجيكا ضد التفجيرات الآثمة التي ضربتها، وهي إدانة واجبة على المجتمع الدولي والضمير الإنساني، لكن منظومة الاتحاد الأوروبي لن تقعد أو تهدأ قبل وقت طويل بعد استهداف الإرهاب لبروكسل مقر الاتحاد وحلف الناتو، خاصة أنه لم يمض وقت طويل على هجمات باريس الإرهابية التي أوقعت 130 ضحية وأصابت القارة بالرعب من الإرهاب الغادر الذي استهدف من قبلهم دولنا. هجمات باريس وبروكسل نفذتها خلايا إرهابية عناصرها تحمل جنسيات أوروبية وإن كانوا من أصول عربية وإسلامية، لكنهم ولدوا وعاشوا في تلك المجتمعات الغربية لأجيال، لتكتشف تلك الدول أنها فشلت في دمج هؤلاء مما سيفرض وقفات جادة وطويلة ومراجعات سياسية وإجراءات أمنية لمواجهة الإرهاب داخل كل دولة، وحزام أمني لكافة حدود دول الاتحاد الأوروبي وقد بدأ هذا بالفعل. حتما الجاليات المسلمة من مواطني تلك الدول رغم التزام الغالبية الساحقة منها واحترامها للقوانين وإدانتها للإرهاب، تشعر بأنها أول من سيدفع الثمن الفادح للعناصر الإرهابية، ومن هنا سيواجه ملايين المسلمين في أوروبا وقارات أخرى ظاهرة (الإسلام فوبيا) التي تغذيها جماعات وأحزاب أوروبية عنصرية متطرفة يقوم نشاطها وفكرها على العداء لمواطنيهم من المهاجرين عامة والمسلمين خاصة، وباتت تنفخ في الكراهية، وتهدم قيم التسامح التي استقرت عليها تلك الدول بعد قرون من الحروب الداخلية. الإرهاب لا دين له ولا وطن وليس به من الإنسانية ذرة ولا تربطه بتعاليم الإسلام وسماحته شعرة، ورغم أن أوروبا نفسها عانت قبل قرون من حروب داخلية دينية مسيحية، وحتى عقود قريبة ظلت هدفا لجماعات وعصابات المافيا والتطرف العنصري، لم يكن بينها مسلمون، إلى أن غلبت روح التسامح في قوانينهم وثقافاتهم، لكن إرهاب اليوم يقترن بالمسلمين بسبب جرائم الجماعات الإرهابية من داعش والقاعدة وغيرهما من تنظيمات وخلايا سرطانية في مناطق واسعة من العالم وتعاني منه أمتنا، مما يثير المخاوف من اشتعال شرر نظرية صراع الحضارات. الإرهاب عندما يستهدف دولنا يقتل مسلمين، وفي أوروبا ضحاياه أيضا من غير المسلمين والمسلمين سواء، فرصاصات وتفجيرات الغدر لا تفرق بين ديانة أو لون أو جنسية وإنما تستهدف الإنسانية والبشر وتغتال الحياة، وبالتالي سيتجدد السؤال الذي سبق وطرحته أمريكا: لماذا يكرهوننا. هذا السؤال الخطير بلا سقف ولا حدود وقد لا يجد إجابة موضوعية في الغرب لعدم تحديد مفهوم الإرهاب، وغالبا تخوض فيه مراكز الدراسات من زوايا مختلفة تحتاج لعقلاء ومنصفين وليس محايدين، فالحياد يبدو جنونا أمام إرهاب داعشي وقاعدي وغيره من جماعات دموية تهدد استقرار ونسيج تلك الشعوب وما استقرت عليه كل حضارة إنسانية. للأسف تشتد الحملات الإعلامية ضد الإسلام والمسلمين على أسماع الشعوب الأوروبية وغيرها، وهذا هو الأمر الخطير الذي يحتاج إلى تصحيح، لكن كيف وقليل من الإعلام العربي يصل إلى تلك الشعوب بلغتهم، لأننا نخاطب أنفسنا. الأمة في محنة والعالم في مأزق، وعلى شعوبنا أن تتنبه وتظل على يقظة من خطورة الإرهاب ومنزلقات الفوضى وفتنة الاختلاف، وعلى العالم أن يحسم أمره ويحدد مفهوم الإرهاب ويقف وقفة واحدة لمحاربته بكل أشكاله دون ترك الفرصة لمهووسين وإرهابيين ومتعصبين من كل اتجاه لإشعال صدام الحضارات ويدفع ثمنها مستقبل هذا العالم لصالح أعداء الإنسانية الذين تغولوا في إجرامهم.