روّعت 3 هجمات إرهابية نُفِّذت صباح أمس وتبنّاها تنظيم «داعش»، عاصمة بلجيكا والاتحاد الأوروبي بروكسيل، فسُجل مقتل 34 شخصاً في انفجارين وقعا في مطارها الدولي، فيما دوى انفجار ثالث بعد حوالى ساعة في إحدى محطات المترو، كما اقترنت الهجمات بتساؤلات حول ما إذا كان في الأمر عملية انتقامية للرد على اعتقال أحد الإرهابيين الذين نفذوا اعتداءات باريس في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، الفرنسي المغربي الأصل صلاح عبد السلام. أعلنت بلجيكا الحداد الوطني لمدة 3 أيام بعد التفجيرات في المطار ومحطة المترو، فيما نقلت وكالة «سبوتنيك» الروسية عن مصدر أمني بلجيكي رفيع، أن 3 من المشتبه فيهم في التفجيرات يحملون الجنسية البلجيكية وأصولهم من بيلاروسيا. وأوضح أن «2 منهم هما إيفان وأليكسي دوفباش، من مواليد مقاطعة غوميل في بيلاروسيا، والثالث يُدعى مارات يونوسف من مواليد داغستان في روسيا وحصل منذ سنوات على الجنسية البيلاروسية». وذكرت وسائل إعلام بيلاروسية نقلاً عن وزارة الداخلية، أن الأخوان دوفباش انتقلا منذ العام 2007 للإقامة في بروكسيل وحصلا على الجنسية البلجيكية مع والدتهما، لكنهما غادرا بلجيكا قبل شهور وعادا إليها الشهر الماضي. وقال الناطق باسم لجنة أمن الدولة (كي جي بي) ديمتري بوبيارجين، إن الأشخاص ال3 «معروفون للأجهزة البيلاروسية ونقوم حالياً بتحليل المعطيات للتأكد من صلتهم بالاعتداءات». وأعلن وزير الداخلية البيلاروسي إيغور شونييفيتش أن لدى بلاده معطيات حول 10 أشخاص على الأقل انضموا إلى تنظيم «داعش» وقاتلوا في صفوفه في سورية. وأوضح ناطق باسم هيئة الإطفاء في بروكسيل أن «14 قتيلاً» سقطوا في انفجارَي مطار «زافنتم» مثيرَين حالة ذعر قصوى بين المتواجدين فيه الذين تدافعوا بكل الاتجاهات للفرار من المبنى، إضافة إلى «حوالى 21 آخرين» (إضافة إلى 55 جريح) في محطة مترو مالبيك في حي المؤسسات الأوروبية في العاصمة، ما أعاد إلى الذاكرة اعتداءات باريس التي استهدفت مواقع عدة في العاصمة الفرنسية وحمل على التكهن بوجود روابط بين المنفذين. وعزز هذه التكهنات تمكّن عبد السلام من التواري عن الأنظار والإفلات من الشرطة البلجيكية التي تعقبته لمدة 4 أشهر ما يعني أنه استفاد من متواطئين سهلوا عملية إخفائه. إلى ذلك، صرح وزير خارجية سلوفينيا كارل إيرجافيك، بأن ديبلوماسياً سلوفينياً أُصيب في تفجير مترو بروكسيل أثناء توجهه إلى العمل لكن حياته ليست في خطر. ونقلت وسائل إعلام عن المدعي العام الاتحادي في بلجيكا، قوله إن تفجيري المطار نفذهما انتحاري، بينما عثرت الشرطة على حزام ناسف لم ينفجر في المكان، وبندقية كلاشنيكوف بجوار جثة أحد مهاجمي المطار. وقال عامل في المطار ساعد في نقل الجثث، إن رجلين بعضهم كانت مهشمة، كما لو كان الانفجار جاء من حقيبة على الأرض. وأضاف أنه سمع رجلاً يصيح بعبارة عربية قبل انفجار القنبلة الأولى. وعززت السلطات البلجيكية إجراءاتها الأمنية حول المحطتين النوويتين المجهزتين ب7 مفاعلات لديها وكثفت التدقيق في السيارات كما نشرت الشرطة والجيش في تلك الأمكنة. ورفعت السلطات مستوى الإنذار من خطر إرهابي إلى أقصى مستواه من الدرجة الثالثة إلى الدرجة الرابعة وهي الدرجة القصوى في مجمل أنحاء البلاد، فيما اتُخذت إجراءات مشددة في مطارات أوروبية أخرى. وأفاد شهود بأن بعض الجرحى عولجوا داخل محطة مالبيك الواقعة على بُعد 300 متراً من المفوضية الأوروبية، بينما ترددت شائعات عن إخلاء القصر الملكي البلجيكي، الأمر الذي نُفي لاحقاً. وسمع شهود إطلاق نار في قاعة المسافرين وصيحة باللغة العربية قبل دوي الانفجارين، في حين أشاد أنصار تنظيم «داعش» على وسائل التواصل الاجتماعي بالهجمات. وكتب أحد أنصار التنظيم على «تويتر»: «الدولة بإذن الله ستجبركم على أن تعيدوا حساباتكم ألف مرة قبل أن تتجرأوا على قتل المسلمين مرة أخرى واعلموا أنه أصبح للمسلمين دولة تدافع عنهم وتثأر». وفور وقوع الانفجارات، شُلَّت الحركة في العاصمة البلجيكية حيث طلبت السلطات من السكان البقاء في أماكنهم وتوقفت حركة الحافلات والترامواي والمترو، فيما أُغلق المطار حتى إشعار آخر. وكتبت خلية الأزمة على موقع «تويتر»: «ابقوا حيث أنتم»، وطلبت المفوضية الأوروبية من موظفيها ملازمة منازلهم أو مكاتبهم بعد الانفجارات. ودفعت الانفجارات دولاً أوروبية عدة إلى تعزيز الإجراءات الأمنية في مطاراتها ومحطاتها على حدودها. وأعلن مصدر ملاحي تعزيز الإجراءات الأمنية في مطار رواسي شارل ديغول في باريس. كما عُززت الإجراءات الأمنية في مطار غاتويك في لندن بعد الانفجارات. وفرضت هولندا تدابير أمنية مشددة في مطاراتها كما عززت إجراءات المراقبة على حدودها مع بلجيكا، فيما اتُخذت إجراءات أمنية مشددة في مطار فرانكفورت، أحد أكبر مطارات أوروبا، إثر الانفجارات. قلق في أوروبا تزامناً، سادت حالة القلق في العواصم الأوروبية والعالمية الكبرى، فدعا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى اجتماع طارئ لمجلس الدفاع الأعلى، أعلن بعده وزير الداخلية برنار كازنوف قرار تعزيز المناطق الحساسة والمطارات الفرنسية ب1600 رجل أمن. وأكد هولاند في بيان، أن أوروبا كلها مستهدفة من خلال تلك التفجيرات، فيما عُلِّقت الرحلات الجوية إلى بروكسيل كما أوقفَت حركة القطارات التي تربطها بباريس. وقال رئيس الحكومة مانوييل فالس، إن «ما حصل في بروكسيل يشير إلى اعتداءات إرهابية منسقة على غرار تلك التي استهدفت باريس»، مؤكداً أن «التهديد الإرهابي لا يزال في مستوى مرتفع، لا بل إنه أكثر ارتفاعاً مما كان عليه في تشرين الثاني الماضي». وأضاف فالز: «إننا في حالة حرب وأوروبا تشهد منذ أشهر عدة أعمال حرب»، مشدداً على أهمية الإبقاء على حالة التعبئة الدائمة في مواجهة الإرهاب. إلى ذلك، قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون أمس، إثر انتهاء اجتماع طارئ لحكومته: «لن نسمح أبداً لهؤلاء الإرهابيين بالانتصار». وأضاف: «نواجه تهديداً إرهابياً واضحاً جداً في البلدان الأوروبية، وتجب علينا مواجهته بكل الوسائل». وأوضح أنه اتصل بنظيره البلجيكي شارل ميشيل وقدم إليه التعزية وعرض عليه المساعدة. وتابع: «اليوم هو يوم التضامن والتعازي وتقوية أمننا»، مشدداً على فعل «كل ما يمكننا لضمان أمننا». وقال ناطق باسم كامرون: «نحن على علم بوجود مواطن بريطاني جريح في مطار» بروكسيل، بينما أشار رئيس فرع مكافحة الإرهاب في الشرطة البريطانية مارك رولي، إلى أن «الانتشار الشرطي تم تعزيزه في أرجاء المملكة المتحدة في المواقع الحساسة ومن بينها وسائل النقل، على سبيل الاحتراز، بهدف حماية الناس وطمأنتهم»، لافتاً إلى أن تعزيز الأمن لم يتم بناءً على معلومات محددة. في السياق ذاته، عززت السلطات الألمانية إجراءات الأمن في المطارات ومحطات القطارات والحدود مع بلجيكا وفرنسا وهولندا ولوكسمبورغ. ولوحظ وجود أعداد إضافية من رجال الشرطة في مطار فرانكفورت ومحطة القطارات. كما كثفت الشرطة الهولندية دورياتها في المطارات وشددت إجراءات التفتيش على الحدود. وتحدث مسافرون مروا عبر مطار سخيبهول في العاصمة الهولندية أمستردام عن تأخيرات ووجود كثيف للشرطة. وأحجمت الأجهزة الأمنية عن تقديم تفاصيل أخرى عن اتخاذ أي إجراءات إضافية، لكنها أبقت على درجة التأهب عند مستوى «كبير» أي أقل من حالة التأهب القصوى بدرجة. وتم تحويل الرحلات الجوية من بروكسيل إلى أمستردام بعد الهجمات. كذلك، اعتبر رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفين أن انفجارات بروكسيل هي نتيجة «هجوم على أوروبا الديموقراطية. ولن نقبل أبداً أن يعتدي إرهابيون على مجتمعاتنا المنفتحة». وندد رئيس الوزراء الدنماركي لارس لوكي راسموسن في تغريدة على تويتر «بهجوم دنيء»، في حين عززت الشرطة في بلاده والسويد وفنلندا إجراءات الأمن في المطارات والأماكن العامة. إدانات واسعة في غضون ذلك، دان الأزهر الاعتداءات بشدة، معتبراً أنها «جرائم نكراء تخالف تعاليم الإسلام السمحة». وأعرب الأزهر في بيان عن إدانته الشديدة «للهجمات الإرهابية التي وقعت بشكل متتابع في العاصمة البلجيكية»، محذراً من أنه إذا «لم تتوحد جهود المجتمع الدولي للتصدي لهذا الوباء اللعين فلن يكف المفسدون عن جرائمهم البشعة بحق الأبرياء الآمنين». وقطعت الممثلة الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع وزير الخارجية الأردني ناصر جودة في العاصمة عمان أمس، بعد أن انهارت دموعها حزناً على ضحايا تفجيرات العاصمة البلجيكية. ولاحظ وزير الخارجية الأردني مدى تأثر الوزيرة فاقترب منها مواسياً ورافقها إلى خارج قاعة المؤتمر الصحافي في مقر الوزارة. وعبرت موغيريني عن حزنها الشديد على ضحايا التفجيرات، مؤكدةً دعمها للأردن في مكافحة الإرهاب. واستذكرت خطاب العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قبل أشهر في البرلمان الأوروبي، التي استخدم فيها عبارة «السلام عليكم». وقالت موغيريني التي التقت أيضاً الملك عبدالله الثاني في وقت لاحق أمس: «إنه يوم حزين في أوروبا»، معربة عن أسفها حيال التفجيرات. وقالت إن «الرسالة التي تأتي من عمان هي رسالة عن إسلام حوار وتعاون وسلام وهو ما نحتاج إليه في المنطقة وأوروبا». وأكدت أن صداقة الأردن مع الاتحاد الأوروبي «هي صداقة قوية والأردن شريك قوي للاتحاد الأوروبي وهناك عدة قضايا مشتركة منها الملف السوري». وأضافت: «نحن والأردن دائماً نتشارك الأهداف ذاتها، ومنها الاستمرار ببذل الجهود لإطلاق المحادثات لحل القضية الفلسطينية، ونعمل معاً بالتعاون مع اللجنة الرباعية، وهناك توصيات ستقدَم بشأن بناء أساس للوصول إلى حل الدولتين»، مشيرةً إلى «أننا ندرك حجم العبء الذي يتحمله الأردن نتيجة اللاجئين وأهمية المساهمات الإنسانية التي قدمها الأردن، ولذلك سيبقى الاتحاد الأوروبي داعماً لهذا البلد ويعمل إلى جانبه». وقال الوزير الأردني إن موقف بلاده «واضح بإدانة الإرهاب أياً كان مصدره أو الذين يختبئون خلفه»، مشيراً إلى أن الإرهابيين يمارسون هذه الأعمال بصرف النظر عن الدين أو الجنس. وقال جودة: «كلنا مهددون ويجب أن تتكاتف جهودنا لمكافحة الإرهاب والتطرف». وأكد أن المسلمين هم أغلب ضحايا هذا الإرهاب ولكن لا أحد محمياً من هذا الاستهداف الإرهابي في العالم. ودانت الحكومة السورية هجمات بروكسيل، واعتبرت أنها «نتيجة حتمية للسياسات الخاطئة والتماهي مع الإرهاب لتحقيق أجندات معينة»، بينما رأى «حزب الله» أن «أوروبا تكتوي بالنار التي أشعلها بعض الأنظمة في سورية والشرق الأوسط». كما أقحمت إسرائيل نفسها في تفجيرات بروكسيل لتقول للعالم إن الإرهاب الذي يضرب أوروبا «هو الإرهاب ذاته الذي يضرب إسرائيل»، مستهجنةً عدم تنديد العالم وأوروبا تحديداً بالهجمات التي ينفذها فلسطينيون منذ 6 أشهر ضد إسرائيليين. وقال الوزير أوفير أكونيس بلغة تكاد تنم عن شماتة: «في الوقت الذي انشغل كثيرون في أوروبا بالتنديد بإسرائيل ووسم البضائع الإسرائيلية والدعوات لمقاطعة إسرائيل، نمت آلاف الخلايا تحت أنف سكان القارة». وقال وزير النقل والاستخبارات يسرائيل كاتس، إن العالم «واقع الآن تحت هجوم إرهابي عالمي يشنه الإسلام المتطرف، والتفجيرات التي حصلت تثبت أن الإرهاب لا يميز بين الحدود والدول وهدفه الأساس تدمير ثقافة الغرب وفرض حكم الإسلام الراديكالي». واستهجنت إسرائيل قيام الرئيس الفلسطيني محمود عباس باستنكار تفجيرات بروكسيل «بينما لا نسمع صوته مندداً بعمليات الطعن والدهس وإطلاق النار التي ينفذها فلسطينيون ضد إسرائيليين». هبوط الأسهم الى ذلك، هبطت الأسهم الأوروبية أمس، وقادت أسهم شركات السفر والرحلات، الاتجاه الانحداري، بعد انفجارات بروكسيل. ونزل مؤشر «ستوكس يورو 600» للسفر والرحلات 2.2 في المئة وتكبد أكبر خسائر، وفقدت أسهم «إيزي جت» و «إر فرانس» و «لوفتهانزا» و «رايان إر» بين 2.6 و3.7 في المئة. وانخفض سهما «أكور» مجموعة إنتركونتيننتال» للفنادق 4.1 و2.5 في المئة. وهبط مؤشر «يوروفرست 300» لكبرى الأسهم الأوروبية 0.7 في المئة، ونزل المؤشر البلجيكي 0.8 في المئة. كذلك خسر مؤشر «داكس» الألماني 1.1 في المئة و «كاك 40» الفرنسي 0.7 في المئة و «فايننشال تايمز» البريطاني 0.5 في المئة.