يتحدث الفرنسية بطلاقة تبهر من يستمع إليه، وربما يعيد محاوره التأكد أنه أمام الدكتور محمد عبدالمطلب مصطفى، أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب جامعة عين شمس، والحاصل أخيرا على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، لما قدمه من دراسات تخدم اللغة العربية والبلاغة، والذي أكد في حواره مع «عكاظ» أن اللغة العربية على أعتاب الضياع. وإلى نص الحوار. ماذا حدث للغة العربية.. ولماذا لم تعد لغة أهلها ولا الشعر ديوانها؟ الشعر هو فن العربية الأول، هذه اللغة في رأيي لا تمثل أداة التواصل بين أبناء الأمة، بل تمثل ذخيرة ثقافية، كل مفردة منها تمثل ذاكرة ثقافية، فإذا قلت كلمة «شجاعة، كرم،...» لابد أن تستحضر تاريخ الكلمة ومن يمثلها، فكل كلمة لها سيرة ذاتية خاصة. ولكن المؤسف أن العالم العربي وأثناء انفتاحه على العولمة، نسي أن ركيزته الأساسية هي اللغة، التي تحفظ له هويته، فأقبل العرب على العولمة، وحطموا لغتهم، تارة بكتابتها بحروف أجنبية، وتارة بالحديث باللغات الأجنبية، وما يحدث الآن جريمة في حق اللغة العربية، ولا يوجد أي شعب في العالم يعطي أهمية للغات الأخرى كما نفعل نحن بأبنائنا، وتعليمهم اللغات الأجنبية منذ لحظات النطق الأولى سواء في البيت أو الحضانة. وأذكر أني رفضت تقديم قراءة لديوان شعر قدمته لي شاعرة «معروفة»، لأنه بين 134 صفحة وجدت 130 مفردة أجنبية، فكيف أقدم قراءة لغوية وأدبية لديوان عربي يحمل مفردات أجنبية، غيرتي على اللغة منعتني من تقديم القراءة. والمشكلة أن اللغة تحولت إلى قيمة اجتماعية، فعندما تتحدث العربية فهذا دليل على فقر الحال، بينما تحدثك بلغة أجنبية أو بعض كلماتها دلالة ثراء وطبقية، وحتى في طلبات التوظيف نجد أن الشرط الأساس إجادة اللغات الأجنبية. ولكن أليس هذا مواكبة للعصر وتحدياته؟ هذه كارثة الكوارث، أن نستبدل العلوم الفكرية (العلوم والرياضيات) في مدارسنا وجامعاتنا لتعلمها بلغة أجنبية، وهذا ضياع للهوية العربية، والفكر العربي، فنحن على هذا المنوال على أعتاب ضياع اللغة العربية والهوية العربية الإسلامية، وكتب مرارا وتكرارا محذرا من تفاقم المشكلة، ولكن لم يلتفت أصحاب القرار للمشكلة. حصلت أخيرا على جائزة الملك فيصل العالمية في اللغة العربية والآداب.. ماذا يمثل لك هذا التقدير؟ حصلت على عديد من الجوائز العربية والمصرية، والعالمية، ولكن هذه الجائزة لها وقع خاص في نفسي، خصوصا بعد هذا العمر الذي قضيته في دراسة الشعر العربي، وفنون وآداب اللغة العربية، فأشعر أنها تتويج لمسيرة علمية طويلة، عن دراسة الشعر العربي، كما أنها تمثل لي جانبا روحيا خاصا كونها تأتي من الأراضي المقدسة، وتحمل اسم رجل من أهم رجالات العرب الذين أدوا دورا في خدمة الإسلام والعروبة، والجائزة أيضا رد صريح وعملي على كل ما يثار حاليا ضد الإسلام، فهي لا تفرق بين عربي وأجنبي، ولا مسلم وغير مسلم، إنما تمنح لمن يخدم الإسلام والإنسانية كافة. البعض يعتبر أن البلاغة لم تعد مناسبة لتقييم العمل الأدبي؟ توجهت همتي إلى إثبات أن البلاغة مازالت صامدة، وقادرة على التعامل مع الشعر العربي قديمه وحديثه، وتتعامل من منطلق بلاغي جديد، حتى تيارات الحداثة التي سيطرت على الواقع النقدي، وبين البلاغة القديمة، بتحليل الشعري الجاهلي، والأموي والعباسي، ثم شعر العصر الحديث، والرومانسي، حتى وصلت إلى الشعر الواقعي وشعر التفعيلة، وحتى قصيدة النثر، ومتابعتها في الوطن العربي ككل، بالدراسة والتحليل، وقدمت هذه الدراسات النقدية في 14 كتابا. ما رأيك في الحركة الثقافية في المملكة الآن؟ لي دراسات عديدة عن شعراء بقامة محمد حسن فقي، وحسن القرشي، ومتابع للحركة الثقافية والأدبية، قديما وحديث، وأرى أن التوجه الآن للقصة والرواية بشكل أكبر من ذي قبل، وأعتقد أن المملكة لها مكانة ثقافية خصوصا في الاتجاهات النقدية، فالدكتور عبدالله الغذامي رغم الاختلاف على نظرياته إلا أنه فتح الباب للنقد الثقافي من منظور جديد.