قضى جهوده العلمية في محاولات التوفيق بين التراث والحداثة، وصار عكس التيار، وتمسك بأسلوبه وواجه من نادوا بالقطيعة مع التراث، معليًا مبدأ "لا جديد لمن لا قديم له"، فأصبح كل قديم حديثا في زمنه، فجاءت جائزة الملك فيصل السعودية في فرع اللغة العربية، لتقول له "إنك تسير في الطريق الصحيح".. فكانت المفاجأة.. فبالرغم من حصوله على العديد من الجوائز الدولية.. إلا أن جائزة فيصل حملت في روحه مكانة لا تعادلها مكانة أخرى، وأرجع ذلك إلى خمسة أمور، أولها: أنها تأتي من الأراضي المقدسة، وحملت اسم الملك فيصل، وقال إنها جائزة عالمية.. وتوازيها جائزة نوبل ولكنها عادلة.. ولا تتدخل فيها معايير سياسية أو إقليمية. ورأى أن حصوله على الجائزة حقق له أحلامه.. فاعتبر أنها لم تعط لاسمه، وإنما للجهود العلمية في مصر، وحمل بها لقب "السادس عشر" في ترتيب الأدباء الذين حصلوا على الجائزة. إنه الأستاذ الدكتور محمد عبدالمطلب، أستاذ البلاغة بكلية الآداب جامعة عين شمس، ولد في 5 سبتمبر 1937، وحصل على ليسانس دار العلوم من كلية دار العلوم عام 1964م، وماجستير في النقد والبلاغة من كلية دار العلوم جامعة القاهرة عام 1973، ثم الدكتوراة في النقد والبلاغة كلية الآداب جامعة عين شمس عام 1978م. شغل عبدالمطلب عدة مناصب وظيفية عبر مشواره الأدبي، فعمل كمدرس بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة عين شمس عام 1979م، ثم أستاذا مساعدا بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة عين شمس عام 1986م، فأصبح أستاذ النقد والبلاغة بكلية الآداب جامعة عين شمس عام 1990م، وترأس بعدها قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة عين شمس عام 2000م، ويعمل الآن كأستاذ متفرغ بكلية الآداب جامعة عين شمس. له العديد من الأعمال المنشورة في العديد من المجلات المصرية، وله العديد من البحوث المنشورة في الوطن العربي كما أنه أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراة، غير مشاركاته في معظم المؤتمرات الأدبية والثقافية في مصر والعالم العربي. مقرر لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، وعضو لجنة الدراسات الأدبية بالمجلس الأعلى للثقافة، وعضو لجنة التفرغ الأدبية بالمجلس الأعلى للثقافة، وعضو إتحاد الكتاب، وعضو جمعية الأدباء، وعضو الجمعية المصرية للنقد الأدبي، حاصل على وسام فارس من الحكومة الفرنسية عام 1997م، وجائزة يماني، وجائزة جامعة عين شمس التقديرية في مجال الآداب والفنون، وأخيرًا جائزة الملك فيصل السعودية في دورتها الثامنة والثلاثين، في فرع اللغة العربية . «الجسر الثقافي» التقى الناقد الكبير وكان لنا معه هذا الحوار.. الملك فيصل ما أهمية جائزة فيصل العالمية بالنسبة لك.. وما الذي يميزها عن غيرها من الجوائز؟ * حصلت على العديد من الجوائز السابقة، من الكويت والسعودية ومصر وفرنسا، إلا أن جائزة فيصل العالمية، لها مذاقها الخاص، حيث إنها تأتي أولًا من الأراضي المقدسة، ولهذا لها في نفسي وروحي مكانة لا تعادلها مكانة آخرى.. والأمر الثاني أن هذه الجائزة تحمل اسم رجل له احترامه في المجتمع العربي كله وهو الملك فيصل. الأمر الثالث: أن هذه الجائزة تقدم للعالم كله مفهومًا حضاريًا للإسلام، فالإسلام دين حضارة وثقافة وعلم وأدب للعالم كله. كما أن هذه الجائزة يحصل عليها السعودي وغير السعودي والعربي وغير العربي والمسلم وغير المسلم فيما يعني أن هذه جائزة عالمية.. وتوازيها جائزة نوبل، ولكن يؤسفني أن جائزة نوبل تتدخل فيها السياسة كثيرًا، أما فيصل فهي جائزة عادلة.. لا تتدخل فيها معايير سياسية أو إقليمية، أو أي شيء آخر. خمسة كتب الأمر الرابع: أن هذه الجائزة جاءتني في الفن الذي أعشقه.. فن الشعر، فكل عام للجائزة فرع تخصصي، وكان فرعها هذا العام هو تحليل النص الشعري، وأنا قضيت معظم حياتي العلمية في تحليل النص الشعري، ولي فيما يقارب من 14 كتابًا في تحليل النص الشعري، وقدمت لهذه الجائزة خمسة كتب حسب شروطها، وهذه الكتب تتناول الشعر العربي منذ امرؤ القيس حتى عامنا الأخير، وكان الكتاب الأول هو قراءة سريعة في شعر ابن القيس، وأعدت فيه قراءة هذا الشعر مرة أخرى. والخامس كان عن شعراء السبعينات وفوضاهم الخلاقة، أي أن الكتب تبدأ من ابن القيس وتنتهي إلى اليوم. الأمر الخامس: أن هذه الجائزة نالها قبلي في قسم اللغة العربية بكلية آداب عين شمس، ثلاثة من أعظم النقاد، الأستاذ الدكتور عبدالقادر القط، والأستاذ دكتور عز الدين إسماعيل، والأستاذ الدكتور مصطفى ناصف، وأنا رابعهم، وليس هناك قسم لغة عربية في العالم العربي حصل أبناؤه على هذه الجائزة مثلما حصل هذا القسم، ثم أن هذه الجائزة لها وضعها الخاص بالنسبة لي كمصري، فأنا أعتبر أن الجائزة لم تعط لمحمد عبدالمطلب، إنما أعطيت للجهود العلمية في مصر. التراث والحداثة والجائزة قالت في حيثياتها إنني أعطيت هذه الجائزة في تحليل النص الشعري؛ لأنني جمعت بين التقنيات البلاغية التراثية والتقنيات النقدية الحداثية، أي جمعت بين القديم والجديد، وهذا فهم دقيق لكل جهودي العلمية، وكل جهودي العلمية كانت محاولة للتوفيق بين التراث وبين الحداثة، لكن للأسف بعض مثقفي الوطن العربي نادوا بالقطيعة مع التراث وأنا ضد كل هذا، فجاءت الجائزة لتقول لي إنك تسير في الطريق الصحيح، وهذا أهم ما في الجائزة، بدليل أن من أعطوني هذه الجائزة أقروا بأن جهودي هي الجمع بين القديم والحديث في توافق لا في تلفيق، لهذا كان للجائزة وضع خاص. أحلامي تحققت ما هو شعور د. محمد عبدالمطلب عندما أبلغ بالحصول على الجائزة؟ * أنا كأي إنسان له أحلام، ولا شك عندما رشحني المجلس الاعلى للثقافة ورشحتني جامعة عين شمس لنيل هذه الجائزة، كنت أحلم وأتمنى أن أحصل عليها، لأنال هذا الشرف الذي سبقني إليه خمسة عشر عالمًا مصريًا، وكثيرًا من نقاد العالم العربي الذي أحترمهم وأعتز بهم، وعندما أبلغني المسؤول هاتفيًا بأنني فزت بالجائزة كانت سعادتي كبيرة جدًا جدًا جدًا، وذلك لأن أحد أحلامي تحققت، ثم زادت سعادتي بهذا الطوفان الهائل والذي لم أتوقعه من العالم العربي كله، من عائلتي وأصدقائي وزملائي في الجامعة وزملائي في الكلية وأنا طالب، وزملاء الصبا وتلاميذي في كل مكان من الذين أشرفت عليهم وناقشتهم، وآلاف مؤلفة غمرتني بمحبة لا أقول إنها أشبه بالطوفان، الذي جعلني لم أشكر واحدا فيهم، فكيف أشكر آلافا، كل واحد باسمه، وهذا يدل على أن هذه الجائزة جاءت في وقتها لتتوج مسيرتي الأدبية والعلمية، وجاءت لتقول لي استمر في هذا المسير. حركة ناهضة ما تقييمك للمشهد الثقافي السعودي.. وكيف تراه الآن؟ * أقول لك إن أول بداياتي في الجوائز في المملكة العربية السعودية، كانت في دراستي للشاعر السعودي محمد حسن فقي -رحمه الله-، ومن ثم كانت دراستي عنه أهلتني كي أحصل على جائزة يماني عام 1994م، ثم كان حسن القرشي ثم شعراء الحداثة، وتعاملت مع السرد السعودي ثم مع النقد السعودي أيضًا. وهناك الآن في السعودية حركة شعرية ناهضة، وحركة سردية ناهضة، وحركة نقدية ناهضة، كما أن كتب النقد الصادرة من السعودية تجد رواجًا في العالم العربي، ولا بد أن أذكر اسم الناقد عبدالله الغذامي، والدكتور سعد البازعي، وغيرهما من نقاد العالم العربي في السعودية. ومتابعتي للحركة الثقافية في السعودية هي ضمن متابعتي للحركة الثقافية في العالم العربي كله من أقصاه إلى أقصاه، والعالم الغربي أيضًا، وأرى أن هناك حركة ثقافية جديدة في الإماراتوالكويت والبحرين تجعلني سعيدًا في هذا النشاط الثقافي إلا في اللغة، فالمؤسف أن الأهمية التي يجب أن تعطى الآن هي للغة العربية التي تكاد تنهار في العالم العربي، فأنا أذهب إلى بعض الدول العربية فلا أجد من يخاطبني العربية..أصبحت اللغة العربية في المدارس في الدرجة الثانية أو الثالثة، وأتمنى أن تعطي جائزة فيصل اهتمامًا باللغة وأن تضع لها جائزة خاصة. قبلة المصريين كيف ترى الانفتاح الثقافي بين القاهرةوالرياض في الفترة الأخيرة؟ -الانفتاح الثقافي ليس حديثًا، فمنذ الثمانينات وأنا أشترك في ندوات ومحاضرات في السعودية، ونادي الأدب في جدة، وشاركت في دراسات نقدية في جدة عن الشعر العربي الحديث والبلاغة العربية وفي الرياض أيضًا، فالانفتاح الثقافي بين مصر والمملكة قديم جدًا، لكنه في المرحلة الأخيرة بدأ يتسع أكثر وأكثر وبلغ ذروته في عهد الملك عبدالله -رحمه الله-، ويسعى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أيضًا إلى هذا الانفتاح ويؤيده، والآن التقارب الاقتصادي على أشده بين مصر والسعودية، وهذا سيؤدي إلى تقارب ثقافي بالضرورة، فالمكتبات السعودية الآن ستشارك في معرض الكتاب بكتب ضخمة ومهمة، ولها حضور كثيف من المدعوين ودور النشر السعودية، فالثقافة قديمًا وحديثًا بين مصر والسعودية ركيزة أساسية، ولا تنس أن السعودية هي قبلة المصريين جميعًا في رحلات الحج والعمرة كل عام، ولها مكانة خاصة في قلوب المصريين، وكل المسلمين ينظرون للسعودية نظرة إجلال؛ لأنها حامية الديار المقدسة، ويكفي أن ملكها يحمل لقب خادم الحرمين الشريفين، وهذا وحده يكفي لكي نحب السعودية. مهمة دينية إذا كانت المملكة قبلة العرب والمسلمين.. فكيف يؤثر الواقع الثقافي السعودي على المنطقة العربية والعالم الإسلامي ككل؟ * لا شك أن السعودية الآن تعيش حالة ازدهار ثقافي وحضاري سيخدم الأمة الإسلامية كلها، بخاصة أن السعودية تقود الآن الوسطية الدينية في العالم، فهي تقدم للعالم صورة حضارية ثقافية للإسلام وهذا هو المطلوب الآن، حيث نلغي من العالم مأساة أنهم يحملون الإسلام أخطاء المسلمين وهي مسألة خطيرة..، فالسعودية الآن معنية بأن ترفع عن الإسلام أخطاء وجرائم بعض المسلمين، وهي مهمة ثقيلة عليها؛ لأنها ليست مهمة ثقافية فحسب، فهي مهمة دينية من الدرجة الأولى. محاصرة العداء إذًا فما أبرز التحديات الثقافية التي تواجه المملكة في رسالتها؟ * إن هناك بعض الحركات العدائية في الفترة الأخيرة، بدأتها إيران وأظهرت فيها التعصب بكل أسف، فلم نكن نعلم في العالم فارقًا بين السني أو الشيعي إلا في المألوف، ومنذ الثورة الإيرانية أصبح هناك عداء بين السنة والشيعة، وهذا شيء مؤسف، والسعودية الآن تعمل على محاصرة هذا العداء. عام الشعر هل من فعاليات مقبلة لتدعيم مسار الشعر العربي؟ * في شهر إبريل المُقبل سيقيم المجلس الأعلى للثقافة مؤتمرًا دوليًا للشعر، حيث سيقيم ندوة دولية للقصة والرواية في عام وندوة دولية للشعر في العام التالي، وهذا العام هو عام الشعر، وهو مؤتمر دولي يحضر فيه شعراء من كل دول العالم وسيكون الشعراء والنقاد السعوديون في مقدمتهم. فاقدو الموهبة نقديًا.. هل كانت قصيدة النثر معبرًا لدخول الهواة لمملكة الشعر؟ * كان هناك رفضًا تاما لقصيدة النثر في العالم العربي، وفي عام 1999 قدمت كتابا كبيرا جدًا عن قصيدة النثر بعنوان النص المُشكل، وقال لي الدكتور عبدالقادر القط رحمه الله، بعد أن قرأ الكتاب: "ستندم يومًا على هذا الكتاب لأنك بهذا ستفتح الباب لفاقدي الموهبة وفاقدي الإبداع الحقيقي".. الآن الحقيقة أقول إن كلمة الدكتور القط أصبح لها بعض الصحة، فنادرًا الآن ما أجد ديوانا يستحق القراءة أو قصيدة تستحق القراءة، حيث إن قصيدة النثر فتحت الباب لبعض فاقدي الموهبة واللغة والفن، ليكتبوا شيئًا ثم يقولون هذه قصيدة نثر، بل الأكثر في قصيدة النثر العامية، فالبعض اعتبر أن ما يقوله في الحياة هو هو ما يقوله في قصيدة الشعر وهناك فارق بين لغة الإبداع ولغة الحياة، فلغة الحياة نتبادلها تلقائيًا وعفويًا، بينما لغة الإبداع لغة مقصودة في اختيار كل كلمة وكل تركيب في بناء الجمل. تعبير صناعي اليوم وبعد مرور 5 سنوات على ثورة 25 يناير.. كيف عبر عنها الشعر؟ * الشعر عبر عن فترة 25 يناير تعبيرًا صناعيًا وكل ما قرأته عن شعر هذه المرحلة هو شعر صناعي لا يعبر عن جوهر هذه الثورة بمعنى دقيق على الإطلاق، والأمر أصبح وكأنه "فرح يريد أن يساهم فيه الكل بأي طريقة"، والحقيقة يمكن أن أقول إن أفضل من تحدث عن هذه المرحلة هو الدكتور حسن طلب، وقرأت لشعراء كبار قصائدهم في الثورة فوجدتها لا تنتمي للشعر على الإطلاق، ووجته شعرا مصنوعا وشعر مناسبات وهو أمر انتهى زمنه. حدود القانون سمعنا كثيرًا ما يقال مؤخرًا عن حرية الرأي والتعبير والإبداع.. فما الفارق بينهما؟ * هناك فارق بين حرية الرأي وحرية الإبداع وحرية الرأي وفوضى الرأي.. فحرية الرأي شيء تحترمه الدساتير في حدود القانون.. وهناك أمران هم إبداء الرأي وإصدار الحكم.. فإبداء الرأي قد يكون متاحًا للجميع للمختص وغير المختص.. أنا قد أشاهد لوحة ولا أفهم في الرسم وأقول إن هذه لوحة جميلة.. أو رديئة.. أما إذا تحول إبداء الرأي إلى إصدار حكم فهو يكون للمختص.. وأقول وقتها هل أنت خبير لتصدر حكمًا؟.. والآن تم الخلط بين إبداء الرأي وإصدار الحكم، وأصبح الجميع يصدرون الأحكام فيما يعرفون وفيما لا يعرفون، وأنا والحمد لله لا أتحدث إلا فيما أعرف ولا أكتب إلا فيما أعرف.. فأنا أستاذ في الجامعة وحينما يسألني طالب سؤالا في اللغة أقول له انتظر حتى المحاضرة القادمة للمراجعة ولا أخجل من ذلك.. فالواقع الثقافي محزن إلى درجة كبيرة. تطبيق أعمى هل هناك فارق بين النقد وإبداء الرأي.. وما تقييمك لحركة النقد في العالم العربي؟ -هناك نوعان من النقد، النقد الفطري والنقد العلمي، فالفطري هو مجرد أن أقول هذا جيد أو رديء، وهو مجرد إبداء رأي، أما النقد العلمي فهو نقد مبرر ومعلل، ومن المؤسف أن بعض النقاد يستحضرون المقاييس الوافدة؛ ليطبقوها على النص العربي تطبيقًا أعمى، فأنا أقرأ لواحد من هؤلاء النقاد فأراه يقول: "إن هذا الشاعر أبدع في تقديم الصفة على الموصوف".. يا سيدي لا يصح في اللغة العربية تقديم الصفة على الموصوف، أو تقديم الفاعل على الفعل، فإنما هم يقومون باستحضار مقاييس اللغة الفرنسية ويطبقونها تطبيقًا أعمى على اللغة العربية. وأظن أنه في الثمانينيات اهتممنا بنقل النقد الغربي الحداثي إلى الواقع العربي، وكان هناك حركة ترجمة كبيرة قام بها الاخوة المغاربة، ولكن حاولنا في أواخر الثمانينيات أن نطبق هذا التنظير على النص العربي فوجدنا تنافرا بين الاثنين. والمؤسف أن جيل الشباب الآن يريد أن يستعيد مرحلة الثمانينيات ويبدأ في الترجمة مرة آخرى، ونحن الآن في مرحلة إنتاج، ونقل الثقافة العربية، وليس مرحلة نقل الثقافة الغربية، فالنص العربي الآن يحتاج لتقاليد تتصف بخصوصية النص العربي. خديعة المبدعين هل كان للترجمة دور في إيصال ثقافتنا للغرب.. وهل كان النقل أمرًا فعالًا في طريق الحداثة؟ الترجمة كانت خديعة لكثير من المبدعين العرب، إذ كانوا يتصورون أنهم يكتبون نصًا يصلح للترجمة، فيهاجمون الثقافة العربية، والأدب العربي والمجتمع العربي، ظنًا منهم أن هذا يروج لنصوصهم في الترجمة، وللأسف ترجمت بعض النصوص من هذا الشكل، ولم يدركوا أن هذه الترجمات التي بنصوصهم، تدرس في أقسام اللغة العربية والأقسام التخصصية في الجامعات الأجنبية ولا تدرس على المستوى العام، ولكن ليس هناك ترجمة على المستوى العام إلا لشخص مثل نجيب محفوظ فقط.. للأسف شعرنا القديم هو الذي وصل للغرب، فالمتنبي موجود في الغرب، وأمرؤ القيس موجود في الغرب، وزهير موجود في الغرب، وابن عربي موجود في الغرب، لكن الشعر الحديث ترجم للأقسام المتخصصة في الجامعات الغربية فقط وليس على المستوى العام، بالرغم من أن العديد من الكتاب يروجون لأعمالهم ويقولون إن أعمالي ترجمت إلى عشر لغات على سبيل المثال.. ولكنها ترجمة خادعة ففي العصر العباسي نقلت الثقافة العالمية إلى أوروبا باللغة العربية، عن طريق الأندلس، فلدينا في التراث كل ما هو مهم ويحتاج منا أن ننقب عنه ونقدمه، ولكن نحن لا نهتم، والآن السائد في العالم كله.. النقد الثقافي.. وللناقد السعودي عبدالله الغذامي الفضل الأول فهو الذي نقله إلينا، كما أن أول من بدأ النقل الثقافي إبن سلام القومحي، في القرن الثاني والثالث الهجري، وقبل من الشعر ما يتناسب مع البيئة ورفض ما لا يتوافق معها، وكان أول جهد ثقافي قدم في الثقافة العالمية كان لابن سلام القومحي، فكل هذا التيار الثقافي كانت جذوره عندنا، وهمتنا الآن أن نوفق فيما عندنا من تراث وما يأتينا من الغرب.. نوفق ولا نرفق.. بحيث يستفيد من هذا ونستفيد من ذلك، وكانت هي مهمتي.. "التوفيق بين التراث والحداثة". لا قطيعة مع التراث وأخيرًا.. ما نصيحتك للشباب العربي؟ * أقول للشباب العربي: "تعلم أنه لا قطيعة مع التراث".. وأن هناك مقولة لناقد عربي قديم اسمه ابن كتيبة ويقول: "لا جديد لمن لا قديم له.. وكل قديم كان حديثا في زمنه".. فعلينا أن نتعلم جميعًا من التراث ونستفيد من الوافد الجديد، الجمع بين الأمرين هو الذي أنصح به الشباب جميعًا.. وأنا إذا سألتني ما اسمك، لا يمكن أن أقول محمد وأتوقف، ويجب أن أقول محمد عبدالمطلب مصطفى.. وإذا لم أذكر لك آبائي وأجدادي لن تعرف من أنا، هؤلاء الشباب يجب أن يتعلموا أن تراثهم هو جزء من هويتهم وحضارتهم.. وإهماله فيه ضياع للهوية وضياع للشخصية الذاتية.. وأعظم مرجع على الإطلاق هو القرآن الكريم.. ففيه اللغة والثقافة والعلم والدين والأخلاق والأدب والعقيدة وفيه كل شيء. د. محمد عبدالمطلب مع المحرر