في الوقت الذي تعيش المرأة السعودية عصرها الذهبي من خلال النجاحات التي حققتها في مختلف الميادين والأصعدة، ومكنتها من اعتلاء أهم المناصب القيادية ومشاركة صناع القرار في مصلحة البلاد، إلا أنها مازالت تواجه الكثير من العقبات التي تعيق انطلاقها نحو آفاق أعلى في مجال عملها، من خلال محدودية الصلاحيات التي تحجم دورها كمسؤولة فلا يخول للمرأة العاملة في العلاقات العامة والإعلام بمختلف القطاعات الحكومية والأهلية مهمة التحدث عن المنشأة التي تعمل بها ك «ناطق إعلامي» أو «متحدث رسمي»؛ وتسند تلك المهمة إلى «الرجل» وكأن المرأة غير متمكنة ولا تستطيع القيام بذلك. يرى مدير عام إدارة العلاقات العامة والإعلام بوزارة الصحة عصام زين العابدين توفيق أن المرأة العاملة في وزارة الصحة وصلت إلى مواقع قيادية منذ سنوات وساهمت ومازالت تساهم في التخطيط والتطوير وصناعة القرار في الوزارة، وليس هناك ما يمنع أن تصبح في أي وقت هي المتحدث الرسمي لوزارة الصحة أو الناطق الإعلامي في المديريات الصحية في المناطق والمحافظات. الدقة والحذر من جانبها، ترجع أستاذ مشارك السلوك التنظيمي في كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة الدكتورة سوزان القرشي عدم تولي المرأة مهمة التحدث الرسمي عن قطاعات العمل إلى عامل «الحذر» فالمرأة بطبيعتها حذرة وتميل إلى الدقة في تصرفاتها وحديثها، وتتابع بقولها «أعتقد من وجهة نظري أن هذا السبب يعد من أكثر الأسباب لعدم تولي المرأة مهمة التحدث الرسمي للقطاعات لكن تظل محل الثقة وهذا مانعايشه من خلال توليها مهام المشاركة مع الوفود الرسمية للمملكة وهذا ما تمثله عضوات مجلس الشورى، وتضيف القرشي «أتوقع أن تتولى المرأة في القريب مهمة أن تكون متحدثة رسمية في القطاعات المختلفة خاصة أنها أثبتت جدارتها في العمل في قطاع العلاقات العامة ومشاركتها كمتحدثة رسمية في جلسات المؤتمرات والفعاليات، ومنها على سبيل المثال مشاركتها كمتحدثة في المنتديات الاقتصادية والتجارية. في حين أكدت نائب الأمين العام ل «صندوق الأمير سلطان بن عبدالعزيز لتنمية المرأة» وأمين عام «مركز الأميرة جواهر بنت نايف لتطوير وأبحاث المرأة» هناء الزهير ل «عكاظ» أن تمثيل القطاع الحكومي أو شبه الحكومي بمنصب «متحدث رسمي» يتوجب توافر اشترطات محددة في حال توافرها سيكون التعيين بدون محاباة ولا مجاملة بغض النظر عن كونه رجلا أو امرأة. وذكرت الزهير أن منصب المتحدث الرسمي يتطلب الظهور الإعلامي والحضور وقوة البديهة ومواجهة الإعلام والدراية وقوة الشخصية وغيرها من المهارات العالية التي تستوجب عدم المجاملة في التعيين. تخصص الإعلام من جهة أخرى، أوضح الأمين العام لجمعية حقوق الإنسان المستشار القانوني خالد الفاخري ل «عكاظ» أن سبب غياب المرأة عن منصب المتحدث الرسمي في الوزارات والقطاعات الحكومية ليس قصورا فيها وإنما هو بسبب اشتراط هذه الجهات حصول المتحدث الرسمي أو شاغل هذا المنصب على شهادة في الإعلام، إضافة إلى خبرة عملية تمكنه من شغل هذه الوظيفة، إلا أن قسم الإعلام الخاص بالبنات ظهر في المملكة أخيراً و لم يكن متوافرا سابقاً. المستشارة القانونية هالة حكيم بدأت الحديث بطرح تساؤل «لماذا فعلا لايتم إسناد مهمة التحدث الرسمي للقطاعات المختلفة للمرأة في حين أنها تشارك ضمن الوفود الرسمية التي تمثل المملكة، لذا من الأولى بعد توليها المشاركة مع الوفود الرسمية للمملكة أن تتولى مهمة أن تكون متحدثة رسمية لقطاعات العمل بشرط أن تتوفر لديها مقومات النجاح في المهمة كالحضور الذهني واللباقة والكفاءة والجدارة» . في حين ذكرت مكية مجرشي مسؤولة العلاقات العامة والإعلام بمستشفى حراء العام بمكةالمكرمة أن سياسة العمل الإعلامي بمستشفيات العاصمة المقدسة قد تختلف عن سواها من قطاعات الأعمال الحكومية والأهلية فمهمة التحدث عن المنشأة تسند إلى «الرجل» المتحدث الرسمي بالمديرية العامة للشؤون الصحية بالمنطقة وهو الذي يتولى التصريح لجميع وسائل الإعلام عن المنشآت الصحية، وعلقت عن غياب وجود المرأة كناطق إعلامي بأن المرأة الآن أصبحت شريكة في كل إنجاز وقرار، وأن غيابها «كمتحدث رسمي» يحرم المجتمع من وجود رأي هام يمثل أسرة كاملة ومجتمعا أكمل وليس فئة النساء على الخصوص، مبينة أن المرأة في العلاقات العامة تواجه العديد من التحديات منها: عدم إشراكها في بعض الأنشطة والمؤتمرات التي يحجب فيها حضور المرأة مما يحرمها من مواكبة المستجدات والمشاركة بصنع القرار. فيما ترى زينة الفدح مسؤولة العلاقات العامة والإعلام بمستشفى النساء والأطفال والولادة بالعاصمة المقدسة أن المرأة المتخصصة والمتمكنة في مجال عملها وخاصة العلاقات العامة والإعلام جديرة بالثقة فليس هناك ما يمنعها بأن تكون متحدثة تصرح باسم جهة عملها، مؤمنة بأن هذا الأمر ليس بمستحيل ولا مستعبد على المرأة السعودية العاملة بأن تبلغ مرادها في أعلى المناصب القيادية بعد أن باتت شريكا أساسيا في صناعة القرار بأهم مراكز الدولة، منوهة بأنه في السابق كان دخول المرأة السعودية في المجال الإعلامي مستحيلا بحسب عادات المجتمع التي ترفض دخول النساء في بعض المجالات والوظائف، واليوم اختلف الوضع مع النساء المتمكنات اللاتي منحن ثقة القيادة والمجتمع بعد الإنجازات التي حققنها في مختلف المجالات، فليس ببعيد أن نرى سيدة تقود دفة الإعلام وتنطق عن الجهة التي تمثلها، ولكن لكل جهة ضوابط وأنظمة تستند عليها بحسب سياسة إدارتها وتتغير بتغيير إدارتها، مايؤكد بأنه ليست مستحيلا أن تسند مهمة المتحدث الرسمي مستقبلا للمرأة. وترى «الفدح» أن ثقافة ونظرة المجتمع يعتلي قائمة التحديات التي تواجهها المرأة العاملة بالعلاقات العامة و الإعلام، بالإضافة إلى محدودية الصلاحيات الممنوحة لها. الثقة بالمرأة من جانبها، أوضحت آلاء عريف مسؤولة العلاقات العامة والإعلام بمشروع تكامل لصالح وطن لدعم وتأهيل الأسر المنتجة بمكةالمكرمة أن العديد من الجهات الخاصة لديها الثقة في تعيين المرأة كمتحدث رسمي عن منشآتها بخلاف القطاعات الحكومية التي تكتفي بمهامها في عمل العلاقات العامة؛ معللة ذلك بفقد الثقة في إمكانات المرأة في إيصال فكرة وأهداف المنشأة بشكل صحيح وأن المرأة من وجهة نظر الجهة ليست لديها الخبرة الكافية في الإجابة على تساؤلات الإعلام. علا الصائغ منسقة التدريب للطالبات والمسؤولة الإعلامية والتسويقية بكلية لوريت للبنات بمكة تتفق رأي سابقتها بأن غياب المرأة يقتصر على القطاعات الحكومية، مشيرة إلى أن المرأة في عدد من القطاعات الخاصة تتساوى فرصها وصلاحياتها مع الرجل. الإعلامية سحر فيدة ترى أن المرأة السعودية أثبتت كفاءتها في قطاعات كثيرة مثل التعليم والإدارة وريادة الأعمال وحتى مجلس الشورى، مؤكدة أن المرأة المثقفة المتعلمة تعتبر متحدثة جيدة وبارعة في مجالها . ويشير حاتم جعفر بالي رئيس مجلس إدارة المؤسسة الأهلية للأدلاء بأن المرأة السعودية أثبتت نجاحها في كافة الحقول العملية ولله الحمد، وأكدت للجميع أنها تمتلك الكثير من القدرات في جميع المجالات وخاصة في المجال الإعلامي، حيث إن الإعلاميات السعوديات لهن حضور بارز، ونلاحظ أن هناك طفرة لم نرها في السابق لوجودهن كمذيعات ومقدمات برامج تلفزيونية وكاتبات في كافة الصحف. سلطان سعد القحطاني أستاذ الأدب العربي الحديث (سابقاً) يقول إن المرأة أثبتت جدارتها في مجالات كثيرة كما أثبت الرجل ذلك فلا ينقصها شيء مما يقوم به الرجل في المجالات التي تناسب أنوثتها. ولم يبق إلا الإجراءات الروتينية وسيأتي اليوم الذي تدخل فيه ميدان العمل كمتحدثة رسمية . وتشير الإعلامية إيناس المخلفي إلى أن المرأة تفوقت وأثبتت جدارتها وتميزها في كافة المجالات وأصبحت تنافس الرجل في ذلك ، مستغربة عدم منحها فرصة المشاركة كمتحدثة إعلامية في المؤسسات الحكومية رغم جدارتها. الدورات المتخصصة ويلفت مقبل الغفيري مذيع ومقدم برامج ونشرات إخبارية إلى أن المرأة في العديد من الدول العربية وخصوصا الخليجية أصبحت متحدثة في الجهة التي تمثلها، مبينا أن النظرة الذكورية ما زالت تحكم مجتمعنا تجاه المرأة في أنها غير مؤهلة لمهمة التحدث أو مواجهة وسائل الإعلام، كما أن الرجل المتسيد صاحب القرار لا يثق بالمرأة في أن تتصدى لهذه المهمة. الإعلامي عبدالله الينبعاوي يقول إن لدينا الكثير من الزميلات البارعات في مجال العلاقات العامة والإعلام ولديهن دراية كاملة بالشؤون الإعلامية ولكن لابد من تكثيف الدورات المتخصصة. وقالت جواهر لافي مذيعة ومقدمة برامج بهيئة الإذاعة والتلفزيون إن المرأة قادرة على أن تكون متحدثة رسمية في الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة وهذا ما نلمسه واقعيا عبر تعيينها في الشورى وأخيراً عضوة في المجالس البلدية. المذيعة فدوى الطيار تؤيد وبشدة تعيين المرأة كمتحدث رسمي لقطاعات العمل المختلفة بشرط توفر عوامل الخبرة والثقافة واللباقة والحضور الذهني. وتقول: إن حضور المرأة بات ملموسا في كافة المحافل الإعلامية والثقافية ومختلف أصعدة المشاركات، فنجدها متحدثة في جلسات المؤتمرات التجارية والاقتصادية والصحية بمهارة ودراية كافية وبالتالي ينبغي أن يفسح المجال لها لتولى مهام المتحدثة الرسمية عن بعض قطاعات العمل، خاصة أن العديد من السيدات فاعلات في قطاع العلاقات العامة وتنظيم الملتقيات وكتابة التقارير الإعلامية. وأكدت المذيعة إيمان باحيدرة أن المرأة قادرة على أن تضطلع بمهمة المتحدث الإعلامي بجدارة، لما تمتلكه من تفوق في هذا المجال، مؤملة أن يتم في القريب العاجل تعيين إحدى الإعلاميات المميزات في منصب متحدث إعلامي في أحد القطاعات الرسمية أو التي لها علاقة بالجمهور. المرأة متحدث إعلامي نموذجي أشار ناصر المحيا - مذيع أخبار ومحاضر بكلية الإعلام والاتصال بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض- إلى أنه لن يستغرب إذا ما شاهدت متحدثة رسمية في يوم من الأيام لإحدى الوزارات أو الجهات الحكومية، فالمرأة السعودية أصبحت متميزة متفردة وقادرة على ملء أي وظيفة تعمل فيها، وأضاف «لا أعتقد أن هناك موانع من جعلها متحدثة رسمية سوى الخبرة التي ربما يملكها الرجل بحكم أسبقيته في أغلب المجالات ثم التحقت به المرأة لاحقا، كما أن لدينا سيدات يعملن في مجال العلاقات العامة والإعلام ولديهن القدرة الكامنة والكاملة على تشكيل شخصية المتحدث الرسمي المثالي والنموذجي متى وجدن الفرصة لذلك. «الناطق» ليست حكراً على الرجل أوضح عبدالغني بن ناجي القش ممثل هيئة الصحفيين السعوديين بمنطقة المدينةالمنورة -إعلامي وكاتب صحفي- أن المرأة أثبتت جدارتها بل وتفوقها في مواقع عديدة ، ونالت مكانة مرموقة باستحقاق، ووظيفة الناطق الإعلامي لا يفترض أن تكون حكرا على الرجال وبخاصة في الوزارات والإدارات التي يعمل فيها الجنسان كالصحة والتعليم وغيرها. فالمرأة قادرة على إثبات جدارتها كهمزة وصل بين الجهة والإعلام، لبيان الحقيقة وتجلية الواقع بكل معطياته وتفاصيله. وأضاف «كم يتألم المتابع عندما يقرأ نفيا لناطق إعلامي وهو يرى أن الواقع وبالصور والإثباتات يخالف ما نطق به ذلك الناطق، وقد سبق لي أن قدمت دورتين تدريبيتين للناطقين الإعلاميين فوجدت بعضهم يحتاج للمزيد من التأهيل والدربة، وفي المقابل أصبت بالدهشة عندما علمت أن تعيين الناطق الإعلامي لا يصاحبه أي تحفيز حتى أن الكثير منهم يستخدم هاتفه المحمول الشخصي ويتحمل فاتورته من حسابه الشخصي. وأكد على أهمية الصوت الإعلامي النسائي قائلا : «لتكن لنا تجربة في تعيين ناطقات إعلاميات ونساؤنا مؤهلات ويملكن المقدرة على القيام بمهام هذه الوظيفة».