بعد مرور ثلاثة أعوام من تشكيلة مجلس الشورى التاريخية، أكد أعضاء ضلوع جهات داخل المجلس، في تعطيل توصيات ومشاريع تقدم بها أعضاء لدواعٍ «أيديولوجية»، وأشاروا إلى مقترح تعديل مواد من نظام المرور الذي يمنع قيادة المرأة للسيارة، بيد أن التوصية لا زالت مغيبة.وهاجم أعضاء (فضلوا عدم ذكر أسمائهم) في حديثهم ل«عكاظ» جهات سعت لتعطيل مشاريعهم وتوصياتهم، معتبرين «هيئة المستشارين» معطلة لكثير من جهودهم، واتهموا بشكل صريح لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية في المجلس بالمساهمة في عملية التعطيل، كما يعتقدون أن الأمانة العامة للمجلس طرف ثالث في التعطيل.وقالوا إن أحد الأعضاء الذي عرف بمواقفه المتشددة تجاه كثير من القضايا، عين أخيرا في لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية، ليزيد صعوبة تمرير الاقتراحات وعرضها للتصويت، مستشهدين بنظام الأحوال الشخصية المركون في أدراج اللجنة منذ أن ظهر كمقترح، إضافة إلى قانون مكافحة التحرش والابتزاز المطروح منذ أواخر 2014. في المقابل، أكد المتحدث الرسمي لمجلس الشورى خلال حديثه إلى«عكاظ» أن التوصيات وبعض القرارات تحتاج إلى بعض الوقت للدراسة والبحث، مستشهداً ببعض التشريعات التي استغرقت أعواماً في برلمانات عالمية. تحت قبة مجلس الشورى المتربعة في سقف المبنى الذي تتجاوز مساحته أكثر 65 ألف متر مربع، تدور أحاديث جادة حول ضلوع أعضاء بتعطيل مشاريع واقتراحات لتأثيرات أيديولوجية، فمقترحات تقدم بها أعضاء بقيت معطلة في دوامة المخارج النظامية كما تؤكده أصوات ممتعضة من داخل المجلس. تعطيل المشاريع والمقترحات بدأ يتمحور في التشكيلة التاريخية الأخيرة لمجلس الشورى، أو بدأ يطفو على السطح كما يرى عضو، حتى أن مشروع «الأحوال الشخصية» تحفظ عليه وأحيل إلى لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية أغسطس 2014. ورغم وجود الملف في أدراج لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية في المجلس، إلا أن عضوا بارزا في اللجنة أكد ل«عكاظ» عدم معرفته بمستجدات «الأحوال الشخصية»، بيد أنه يرجح عدم وجود الملف في أدراج اللجنة. وكشف أعضاء في مجلس الشورى ل«عكاظ» وجود آلية لتعطيل أعمال ومشاريع في المجلس والتي تبدأ ب«لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية» وهي ما وصفتها المصادر ب«مقبرة المشاريع». لافتين إلى أن اللجنة معطلة لأي مشروع جدلي أو فيه اختلافات فقهية والتي من ضمنها مشروعي نظام التحرش ونظام الأحوال الشخصية. وأشار الأعضاء (فضلوا عدم ذكر أسمائهم) إلى «هيئة المستشارين بالمجلس»، وأنها تسبق «لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية» في تعطيل المشاريع. مضيفين أنها نقطة البدء لأي دورة يخوضها أي مشروع، حيث إن أي عضو من مجلس الشورى يقدم مقترحا يرفع إلى «هيئة المستشارين بالمجلس» ويفترض على هذه الهيئة النظر في النواحي الفنية والشكلية واكتمالها فقط دون الدخول في «مضمون المشاريع»، التي تعتبر حقا أصيلا فقط للأعضاء واللجان. وقالوا إن «هيئة المستشارين» باتت تتدخل في المضمون للمشاريع المقدمة وتعيدها إلى الأعضاء وهو ما يؤدي إلى تعطيلها. مؤكدة أن إعادة المشروع أكثر من مرة من هيئة المستشارين تسبب بفقدان حماس المقدم للمشروع وصده عنه بسبب الإحباط الذي يرافق الدورة الطويلة التي أصبحت تأخذها المشاريع. وأوضح أعضاء أن جوهر مجلس الشورى وعمله ليس في التقارير المقدمة، وإنما يتجاوز ذلك إلى تطبيق المادة 23 من نظام مجلس الشورى والتي نصت على أن «لمجلس الشورى اقتراح مشروع نظام جديد، أو اقتراح تعديل نظام نافذ، ودراسة ذلك في المجلس، وعلى رئيس مجلس الشورى رفع ما يقرره المجلس للملك». وبينوا أن لكل 10 أعضاء في مجلس الشورى، حق اقتراح مشروع نظام جديد، أو تعديل نظام نافذ، وعرضه على رئيس مجلس الشورى، وعلى رئيس المجلس رفع الاقتراح إلى الملك. وأوضحوا أن أعضاء من مجلس الشورى التزموا بتنفيذ المادة 23 في مقترحاتهم، حيث إن تعديل الأنظمة كان في المقترح كالذي قدمه الأعضاء لتعديل نظام المرور أو تعديل نظام الأحوال المدنية أو سن نظام جديد كنظام التحرش. وأكد الأعضاء أن الأمانة العامة لمجلس الشورى عبارة عن المرحلة الثالثة لتعطيل المشاريع، والتي تعمل على وضع مناقشة المشاريع المستندة على المادة 23 في آخر جدول الأعمال وهو ما يؤدي إلى انتهاء الجلسة دون البدء بها وتكرار ذلك في عدد جلسات يفوق ال 5 لطرح مقترح الجلسة. وأضاف الأعضاء أن تعطيل المشاريع يتم في آلية ودائرة مكتملة داخل مجلس الشورى. فيما اكتفى عضو من المجلس تواصلت معه «عكاظ» لسؤالها عن مستجدات نظام التحرش، بتأكيدها «أن نظام التحرش لا زال متوقفا». وبسؤالها عما إذا كان هناك أسباب فقهية أو نظامية أدت إلى توقفه، أجابت ب«الله أعلم، لا أستطيع أن أعطي رأيا في ما لا أعلم». وكانت أنباء ذكرت في وقت سابق أن مجلس الشورى قرر سحب قانون مكافحة التحرش بعد خمسة أشهر من عرضه ومناقشته، وذلك بناء على رفض بعض الأشخاص له، تحت ذريعة أن «المشروع سيعزز ويهيئ مفهوم الاختلاط بين الجنسين في المجتمع». وكان أحد المعترضين على النظام هو الدكتور فالح الصغير الذي انضم إلى اللجنة الاجتماعية التي تتولى موضوع دراسة مقترح نظام التحرش كمستشار.وتحفظ المجلس على نظام الأحوال الشخصية بعد إحالته إلى لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية بحكم الاختصاص. وكشفت مصادر أخرى من داخل المجلس ل«عكاظ» أن أحد الأعضاء عرف عنه الاعتراض على عدد من الأنظمة والتوصيات ورفع عدد من الخطابات المعترضة إلى رئيس مجلس الشورى، اختير أخيراً كعضو مهم في اللجنة الإسلامية والقضائية التي وصفت من أحد أعضاء الشورى بأنها «مقبرة للمشاريع». وحاولت «عكاظ» التواصل مع العضو بيد أنه فضل عدم التجاوب، رغم اتصالات ومراسلات الصحيفة المتكررة له، لمعرفة موقفه ورده على اتهامات الأعضاء المتذمرين من تعطيل مشاريعهم وتوصياتهم. وفسر مصادر عمل مجلس الشورى بأنه يتلخص في ثلاثة اختصاصات أولها «رقابي»، وذلك يتم بمراجعة التقارير السنوية لجميع الأجهزة الحكومية والقضائية، بما فيها الأمنية والعسكرية سوى وزارة المالية والميزانية السنوية التي تبقى هي الوحيدة غير الخاضعة لرقابة الشورى البرلمانية، ونص النظام على دراسة هذه التقارير خلال 90 يوما من وصولها للشورى. وأضافت أن الاختصاص الثاني للشورى «تشريعي» وذلك بإعداد الأنظمة أو تعديلها و«ليس للجان مدة محددة للانتهاء منها» وهو ما أدى إلى الإهمال الصادر من بعض اللجان وعدم البت في المشاريع لمدة قد تصل إلى سنوات في حال عدم توافق المقدم مع فكر اللجنة، بحسب ما أكدته المصادر. وأما الاختصاص الثالث «استشاري» من الجهات الأخرى كالمقام السامي أو مجلس الوزراء. واستشهدت المصادر أيضا ب«نظام الأحوال الشخصية» لجعله ملزما بدل الاسترشاد بنظام الأحوال الشخصية الخليجي. موضحة أنه توقف لدى اللجنة الإسلامية والقضائية بحجة وجود لجنة أخرى مشكلة من جهات عليا تدرس ذات الموضوع وستقدم مدونة فيها مقرها في وزارة العدل، «ولكن لا يزال عملها متأخرا وغير معروف النتائج». المجلس: بعض الملفات يحتاج إلى وقت أوضح المتحدث باسم مجلس الشورى الدكتور محمد المهنا أن طبيعة العمل التشريعي والمراحل العديدة التي يمر بها سن الأنظمة وتعديلها تجعل بعض مشاريع الأنظمة المقدمة من الحكومة أو المقترحة من الأعضاء تأخذ وقتا أطول في الدراسة والبحث في المجلس أكثر من غيرها، لافتا إلى أن ذلك من سمات العمل الشوروي والبرلماني «وهو متعارف عليه». واستشهد المهنا ب «بعض المقترحات التشريعية استغرقت دراستها في بعض المجالس العريقة مثل الكونجرس الأمريكي أعواما عديدة»، مشيرا إلى أن دورة العمل التشريعي وطبيعته تقتضي البحث والتقصي والدراسة العميقة واستجلاء آراء المختصين والمعنيين بالنظام من المواطنين وغيرهم قبل صياغة الأنظمة بشكلها النهائي. وقال المهنا إن مجلس الشورى يعد من المجالس النشطة في مجال سن التشريعات وتعديلها وإقرارها مقارنة بغيره من المجالس المماثلة، إذ أقر المجلس خلال السنة الشوروية الماضية 26 نظاما، كما ناقش المجلس خلال نفس السنة 11 مقترحا مقدما من الأعضاء استنادا للمادة ال23 من نظام مجلس الشورى. ورأى المهنا أن لمجلس الشورى إنجازات تشريعية، «بعضها تم في وقت قياسي، بل إن بعضها أنجز خلال مدة قصيرة لا تتعدى الثلاثين يوما»، لافتا إلى أن بعض التشريعات تتطلب دراستها وقتا، «لاسيما التي تقدم من جانب أعضاء المجلس نظرا لطبيعة المراحل التي تمر بها دراسة تلك المقترحات داخل المجلس والتي يلجأ المجلس أحيانا إلى تشكيل لجنة خاصة لدراسة المقترح، إذا رأى وجاهتها وأهميتها، حتى بعد رفض توصية اللجنة المختصة المعنية بموضوع المقترح عدم مناسبة دراسته». وأكد المهنا حرص المجلس ورئاسته على الاستماع لمختلف آراء الأعضاء تجاه المقترحات التي تقدم أو المواضيع المطروحة للنقاش في أروقة المجلس سواء كانت مؤيدة أو معارضة، مشددا على ضرورة فعل ذلك كونه يعد ميزة نظرا لما يمتلكه المجلس من خبرات متعددة في مختلف المجالات، «ولأن التحاور واختلاف الآراء إحدى المزايا في العمل الشوروي للوصول إلى قرارات سديدة تأخذ برأي الأغلبية عبر آلية تصويت واضحة وشفافة». وأعاد التأكيد على أهمية إدراك أن المجلس ينظر باهتمام إلى كل ما يقدم من مقترحات تهم الصالح العام، مضيفا أن المجلس لا يتفادى فتح أي ملف، «وسبق أن ناقش المجلس قضايا بادر أعضاء المجلس بطرحها منها مشكلة البطالة، الإسكان، الإرهاب، مكافحة الفساد، درء أخطار السيول وعلاج آثارها، وتراجع سوق الأسهم وغيرها». .. وعضو: ضجيج «المتشددين» مرعب! في خضم النشاط الكبير داخل أروقة «الشورى»، يؤكد أحد أعضاء المجلس وجود ما أسماه ب«المزايدات الدينية» داخل وخارج مجلس الشورى. موضحا أن المزايدة ب«أن يرى المتشدد أنه الأفضل دينيا وتدينا والأكثر غيرة على الأعراض ويشكك في غيره». وعزا إجهاض بعض المبادرات والتوصيات إلى «المزايدات الدينية». ويقر عضو مجلس الشورى (فضل عدم ذكر اسمه) بظهور المزايدات في عدد من المشاريع التي طرحها أعضاء الشورى من خلال قيام البعض الآخر ممن أسماهم ب«التيار المتشدد» من داخل المجلس وخارجه بالرفع إلى رئيس مجلس الشورى وإبداء المعارضات حولها بهدف تعطيلها، أو تقليل عمل المقترحين للمشاريع. واستشهد بما نشر في بعض الصحف المحلية بوصف إحدى عضوات الشورى لزملائها المتقدمين لمشروع الأحوال المدنية والمصورين له البالغين 96 وهم الأغلبية ب«الجهلة». «وهنا تتجلى المزايدة الفكرية، وهو ما يعني أن ثلثي أعضاء الشورى في نظر عضوة الشورى جهلة، وأقل منها فكريا ودينيا وهو الأمر غير المقبول إطلاقا». وقال: إن أصحاب الرأي المعتدل الوطني أصبحوا في خشية من إبداء رأيهم حتى لا يسقط عليهم المتشددون ألقاب الكفر والنفاق والشتم والسب، «كون المتشددين الذين لا يشكلون إلا أقل من واحد في المئة من السعوديين أصبحوا يمارسون الإرهاب الفكري برفع أصواتهم وإثارة الغوغائية لإثبات أنفسهم». وبرأ العضو الهيئة العامة ورئيس المجلس ونائبه ومساعده والأمين العام ورؤساء اللجان المتخصصة ولجنة المستشارين والتي تعقد كل أسبوع، من وغولهم في المزايدات الدينية، «بل عقلاء وحكماء ولكن بعضهم يقتنع أو يتأثر أو لا يريدون إثارة البلبلة». وأكد عضو الشورى أن المزايدات ليست فقط في الداخل بل من الخارج أيضا، «وتؤثر بشكل سلبي على المشاريع المقدمة». مبينا أن ذلك طبق في قيادة المرأة وفي رياضة المرأة، «حيث توجه مجموعة من المتشددين وأبدوا اعتراضهم على الرياضة التي هي مستحبة قبل أن تكون مباحة، فيما لم يذكر المتشددون موافقتهم على الرياضة المباحة في الدين ولم يطالبوا بضمانات تؤكد الالتزام بالدين وعدم قيام النساء بالأمور المتعارضة مع الشريعة وإنما منعوها جملة وتفصيلا». وأضاف: «وكذلك في مشروع تعديل نظام الأحوال المدنية لتمكين المرأة المطلقة أو الأرملة التي لديها أولاد، من الحصول على سجل يثبت نسب أبنائها لها ونسبهم لوالدهم، وهو الأمر المنصوص في اللائحة التنفيذية لنظام الأحوال المدنية منذ سبعة أعوام ولكنه لم يطبق، وعليه أستدعي ممثلو الأحوال في الشورى لمناقشتهم في المشروع المقترح، إلا أن الأحوال فضلت أن تنسب العمل لنفسها والإعلان عنه دون الإشارة لدور الشورى».