ضمن أهم السياقات لتوفر مجتمع مدني فاعل يمثل بحق (دولة مؤسسات وقانون) أن يمثله برلمان حر نزيه، أعضاؤه خلوٌ من لهيب التنطع والتحيز وحزبية التشدد والتخلف، وإلا فمسألة اعتباره تضاف لرحلة عرقلة نهضوية تضر بالمجتمع، لا تنفعه.. لا تصلح عقول تشربت قاعدة «سد الذرائع» لمنع سن الأنظمة وتقنينها أن تكون عضواً برلمانياً، تكتفي من عضويتها بعملية التعطيل والمناكفة التراثية العتيقة لمناهضة مقترحات قانونية أخلاقية، فهذه الأعضاء من فصيلة مقترح الشرهات للمرأة العاطلة واجبها أن تطبقه في حقها أولاً، ولعلها أن تقدم مقترحاً لشرهات تخص معيل الأسرة أيضاً وأبرز أنشطة تطوير أوضاع العمل البرلماني هو وضع الأطر القانونية التي تحدد علاقة البرلمان بالسلطة التنفيذية، والسعي من أجل التخفيف من القيود المجتمعية، وتوفير أجواء صحية حقوقية للجميع.. يتمثل بتحديث منظومة تربوية قانونية تصب في مجملها لمصلحة الرفاه والرخاء والأمن الأسري والمجتمعي.. لذلك؛ يناط بالمجلس البرلماني سلطة التشريع؛ من إقرار القوانين واقتراح مشاريع قوانين تقدم إلى الحكومة، وسلطة المراقبة؛ لمحاسبة أداء السلطات التنفيذية للوزارات والمؤسسات، وبذلك يعتبر المجلس صاحب الحق في منحها الثقة أو حجبها.. وليتم تنمية اهتمام المواطن بالحياة البرلمانية وثقته بالعمل البرلماني يجب أن يضطلع النواب بدور أكثر نشاطاً في تطوير أوضاع البرلمان، والأوضاع السياسية والاجتماعية في الدولة.. لكنك تدهش في مجلس الشورى؛ صورة "برلمان السعودية" بضمِّه بعض العقليات التي تأبى سن قوانين تنظيمية، تتناسب وسياقات العصر، وتتفق وراهنية وشروط الواقع، وإنسانه المعاصر.. فأساس عمل مجلس الشورى السعودي بحسب المادة 23 والمتمثل بتقديم مقترحات تشريع أنظمة جديدة أو تعديل أنظمة نافذة، لازال يتصدى له بعض أعضاء المجلس لتعطيل المشاريع المقترحة ومنع التصويت عليها، وبالفعل؛ ينجحون في تعطيلها أو تأجيلها أو سحبها.. الملاحظ أن مجلس الشورى حظي- منذ دخول المرأة فيه- لحراك أكثر فاعلية، فإنه وإن لم يجد حظه من البروز إلا أنه يحمل ملامح مسار العمل النشط باتجاه الحقوق والقانون، وإن كان المأمول لازال يتطلب المزيد والمزيد.. ولكي لا يغفل السبب الحقيقي خلف تعطيل المشاريع النهضوية وتكوين قاعدة قانونية ثابتة الأركان، فلا شك أن وجود المرأة داخل أروقة صنع القرار للمساهمة بسن الأنظمة في مجتمع لازال يمارس كذبة تحريم الاختلاط التي جرّت المحرمات المتتالية بطلاناً وزوراً، ليمثل الكذبة والسبب في آن.. لقد ركز أعضاء معروفون في المجلس (ذكوراً وإناثاً) جهودهم للتصدي ضد الوعي القانوني التنظيمي بسعيهم الدؤوب لإجهاض عدة قوانين وأنظمة ومقترحات مثل: *قانون الحماية من التحرش *مدونة الأحوال الشخصية *مقترح تمكين المرأة من القيادة *مقترح تغيير بعض أنظمة الأحوال المدنية؛ خاصة ما يتعلق بالأهلية الكاملة للمرأة باعتبارها مواطنة من الدرجة الأولى أسوة بالمواطن الرجل.. سأسوق بعض الأمثلة لنشاط تلك الفئة المعطلة للأنظمة، ليس من واقع تكهنات بل بما أفادتني به بعض العضوات الناشطات في المجلس لتتضح الصورة للجميع.. * تم عمل مدونة الأحوال الشخصية، وعندما جهزت لإجراء التصويت عليها سحبتها رئاسة الشورى وحولتها إلى لجنة الشؤون الإسلامية، وانتهى خبرها هناك.. وهنا يتمثل سلطة أولئك الأعضاء ودورهم الساخن لتغييب المرأة حتى وهم يشهدون حضورها المميز وشعورها بالمسؤولية المجتمعية على أعلى حس من المهنية والعمل الجاد، تلك الفئة التي تمارس أدلجة متشددة ونظرة دونية ضد المرأة وحقوقها ومايتماس مع حقوقها، لدرجة أن تطالب بنظام "شرهات" للمرأة العاطلة عن العمل، وكأن "الأمومة" مجال صدقة يكفي الكسالى تلقفها بدون جهد مقابل.. هذا المقترح عوضاً عن أنه لا يعد ضمن الحقوق المتوقع نقاشها، هو مجرد هدر مالي واقتصادي لايتصور أن يطالب به أقل الناس وعياً فضلاً عن فئة يفترض أنها تمثل صفوة المجتمع كما يعتقد.. * أما مايخص مشروع (مكافحة التحرش بين الجنسين)، فقد مر بمراحل إلى أن وصل للتعطيل وبفضل ذات الأعضاء التي تسعى لتأكيد أن المشروع ما هو إلا تشريع لفرض الاختلاط، وكأن الجنسين يعيش كل منهما في قرى محصنة لايرى أحدهما الآخر.. فمنذ أن قدم ثمانية أعضاء مسودة نظام مكافحة التحرش، ابتدأت ضغوط حزب الرفض والتعطيل باتصالات برئاسة المجلس، وتواصل مع مؤسسات خارجه، وكتابة خطابات سرية، انتشر اثنان منها، تحتفظ جريدة الحياة بنسخة منهما.. بداية قاوم المجلس هذه الضغوط فدخل النظام إلى الهيئة العامة وتمت الموافقة على عرضه للتصويت الإجرائي (على الملائمة).. وعندما جاء اليوم الموعود لعرضه، حدث أثناء الجلسة محاولة تأخير واضحة لمناقشة البنود، وظهر للجميع القصد؛ بأن تنتهي الجلسة قبل الوصول لبند التحرش وحدث هذا بالفعل.. والدليل أن أي مقترح لم يسمح الوقت لمناقشته يدرج ضمن جلسة لاحقة، وذلك ما لم يحصل، بل هُمِّش المقترح تماماً ولم يتم جدولته للتصويت في أي جلسة لاحقة، وظل الوضع غامضاً رغم الاستفسارات المتواصلة من بعض الأعضاء واللجنة المعنية بالمقترح وضغط الإعلام.. وانتهت المسرحية؛ بأن ضُم نظام مكافحة التحرش مع مقترح آخر لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن "الابتزاز" ضمن نظام قديم غير مفعَّل ولا علاقة له بالتحرش اسمه (الاتجار بالبشر).. طبعاً؛ لا وجه لسؤال ماهو وجه المقاربة بين الاثنين؛ لأن الجواب باختصار؛ لاجواب.. فئة المتشددين في المجلس لاتمارس اعتراضها بشفافية ووضوح داخل قبة المجلس، بل تعمل في الخفاء وتمارس أساليب اللف والدوران؛ بالتواصل مع مؤسسات ذات سلطة ربما تكون سلطة "هيبة دينية" لا أكثر، وتدبيج الخطابات السرية، لتعطيل أية توصية أو مقترح لايتطابق وأجندتها المتشددة.. تتضح عقلية المعترضين على مشروع نظام مكافحة التحرش، في حيثيات هذا الخطاب السري الذي برر صاحبه اعتراضه بوجهات عدة: فمن ناحية نظامية اعترض عليه كونه يتفق مع نظام الحماية من الإيذاء في خمس مواد، وهذا ليس مبرراً للمطالبة بسحبه، فضلاً عن أن يتخذ سبباً لتجيير الخطابات السرية.. أما من الناحية الاجتماعية فذكر"أن من الخير للمجلس والوطن أن ينظر في مآلات الأمور وما يثير المجتمع بحق أو بدون حق".. والسؤال: فأين وجه الإثارة في التقدم بمشروع لمكافحة المتحرشين، وطلب تقنين عقوبات بحقهم ؟! ثم اعترض على المصطلح بأنه "ليس له تعريف في المصطلحات اللغوية أو الشرعية أو القانونية" فهل هذا مبرر على الاحتجاج؟، أم أن علينا إهمال الفعل/ الجريمة، حتى يجتمع علماء اللغة ليستخرجوا تعريفاً يقبله وجماعته. لقد أزعجت هذا العضو عبارة (يحق لضحية التحرش...) المتصدرة للمادة السادسة عشرة لنظام التحرش.. وتعليله؛ "أن المادة عبرت ب "يحق له" وليس بضرورة معالجته وتحويله للجهة التي يحتاج لها".. وأعتقد في هذه الجزئية بالذات أن العضو معترض على مبدأ الحقوق، لدرجة أن تزعجه لفظة حقوقية وإن صُرفت لضحية تحرش!! وهذا الاعتراض يكشف عن ارتباط العقول بالتأسيس على مبدأ الإكراه لا الحقوق.. أما اعتراضه من الوجهة الشرعية فأبرزه نقطتان: *(أن هذا النظام بني على سلوك يدخل ضمن نطاق تشريع عام يلغى فيه اجتهاد القاضي نحو ستر القضية والحفاظ على الأعراض..) وهنا مختصر الغاية من مناهضة مكافحة التحرش، وهو محاربة التنظيم والتقنين ضد الجرائم الأخلاقية في مؤسسات عدة، لتستمر كذبة الاختلاط؛ الكذبة التحريمية التي جرت الويلات والفوضى الأخلاقية.. *وأنه (لايوجد في المصطلح الفقهي الشرعي مصطلح التحرش بين الجنسين،.. وهذا يعطي ارتباكا في سن النظام).. وهذه مصيبة سيادة مدارس الفقه التي بادت وسادت هيمنتها حتى بلغت الحال البحث في مصطلح، فإن ساد من جهة البائد وإلا فلتستمر إبادة الأخلاق، لأن مصطلحها لم يذكره فقهاء القرون البائدة!! يختم صاحب الخطاب بمطالبته (أن يسحب الموضوع من جدول الأعمال إلى أن يستكمل في ضوء المصالح العامة)، فلماذا لم يدلِ بحجج اعتراضه تحت قبة المجلس، بدل المطالبة بسحبه بخطاب سري وأساليب تحريض واهنة الحجة،؟! أم أن هذه متطلبات المصالح العامة؟!! إن التحرش الجنسي ظاهرة عامة لاتخص نوعاً محدداً ولا عمراً معيناً، وتنظيم مكافحته قانونياً حاجة أخلاقية ملحة، كما ضرورة مكافحة الجرائم الأخلاقية الأخرى.. لقد عرضت جريدة عكاظ حجم كارثة التحرش ضد الأطفال، حيث كشفت المستشارة التربوية الاجتماعية د. شيخة العودة عن دراسة تم إعدادها في المملكة حول التحرش الجنسي بالأطفال تشير لقراءة مرتفعة، حيث يتعرض طفل واحد بين كل أربعة أطفال للتحرش، كما وتطرقت لدراسة أخرى حول إيذاء الأطفال جنسياً عام 2002 بينت أن 49.23% ممن هم في سن 14 سنة من إجمالي عدد سكان المملكة تعرضوا للتحرش، رغم تكتم الأطفال أو الأسر نفسها خوفاً من المتعدي أو الفضيحة.. فكيف يتشكك عاقل بهدف المطالبة بنظام مكافحة التحرش؟!! ختاماً: لا تصلح عقول تشربت قاعدة "سد الذرائع" لمنع سن الأنظمة وتقنينها أن تكون عضواً برلمانياً، تكتفي من عضويتها بعملية التعطيل والمناكفة التراثية العتيقة لمناهضة مقترحات قانونية أخلاقية، فهذه الأعضاء من فصيلة مقترح الشرهات للمرأة العاطلة واجبها أن تطبقه في حقها أولاً، ولعلها أن تقدم مقترحاً لشرهات تخص معيل الأسرة أيضاً، فليتركوا كراسيهم/ن لمن يشغلها بالوعي ضمن الواقع والزمان، لا عبر أجندات متشددة لازالت تناقش مواضيع الحاجات المعاصرة من واقع تراث فقهاء قضوا قبل أربعة عشر قرناً ..