كل العوامل الجيو إستراتيجية تفضي إلى أن أهمية لبنان الدولة لا ينبغي أن تكون في صدارة الملفات السعودية الخارجية، بل إنها في رأيي لا تبلغ المرتبة العاشرة ضمن ملفات المنطقة والمحيط الممتد من اليمن وجيبوتي والقرن الأفريقي جنوبا وحتى تركيا شمالا، ومن باكستان شرقا وحتى مصر والسودان غربا.. لبنان المختطف من قبل إيران يشكل حالة مستهلكة ونتيجة لا سببا لأوضاع مؤقتة تستحق التجميد والتريث طالما ظل مصيره مرتهنا للولي الفقيه في طهران. لبنان ذلك البلد الذي أحببناه جميعا هو خيبة أمل كبيرة بالنظر إلى النتيجة والواقع، هو ليس مجرد أصدقاء وأعداء أو ما يعرف بتحالفي أو فريقي 14 و8 آذار، بل هو حتى هذه اللحظة دولة دعمناها بعشرات المليارات من الاستثمارات والودائع والمساعدات، وأصبح لها صوت واحد يقف على النقيض تماما، صوت ضد المملكة العربية السعودية في المؤتمرات الإقليمية والدولية، بل تعدى ذلك ليقوم بعمليات عسكرية على حدودنا الجنوبية وأخرى تخريبية أو تجسسية داخل بلادي خلاف سيل الشتائم اليومي الذي نتعرض له شعبا وحكومة حتى من التلفزيون الرسمي للدولة اللبنانية. بعض أصدقائنا في لبنان من فريق 14 آذار مع الأسف لم يكونوا على مستوى التحدي، وبياناتهم كشفت جانبا من العجز التام لديهم، ومن الرؤية القاصرة عندهم، وأنه لا يمكن الرهان عليهم أبدا!! فهم لم يدركوا بعد حجم التغيرات من حولهم، وبأن السعودية والخليج عموما في ظل عاصفة حزم على كل الأصعدة، ولا مجال للمهادنة والمجاملة بحديث الأخوة الذي لا يمكن أن يزايد فيه أحد على مواقف المملكة من لبنان شعبا وحكومة. هؤلاء لم يلتقطوا الإشارات الواضحة في البيان السعودي الذي أعلن وقف المساعدات إلى الجيش والقوى الأمنية اللبنانية ووقوفه ومساندته للشعب اللبناني، وما زالوا يتحدثون عن «سياسة النأي بالنفس» وكأن المطلوب من لبنان فقط أن ينأى بنفسه ويكون في الوسط لا معنا ولا ضدنا..!! ما زالوا أيضا يتحدثون عن مبلغ المساعدات 4 مليارات دولار، ويطالبون بإعادتها مع أنهم في الوقت ذاته يبررون موقف الدولة اللبنانية السلبي بأنه موقف دولة مختطفة مما يسمى حزب الله !! فهل نضمن أن هذا الدعم لن يذهب إلى المختطفين!! هم لا يرون في السعودية والخليج سوى مزيد من فرص العمل، ومزيد من التحويلات المالية، ولذلك حتى في جدالهم ومراهقتهم السياسية مع الفرقاء.. لا يتحدثون عن المبادئ مع الأشقاء ولا يعرفون حتى لغة المصالح!! هم في أفضل حالاتهم أصدقاء منتفعون لا حلفاء صادقين !! لبنان الدولة وليس الشعب يستحق بجدارة حالة من تجميد العلاقات وإيقاف المساعدات وصولا إلى سحب الودائع والاستثمارات.. ولتهنأ الدولة اللبنانية برعاية وعباءة الولي الفقيه وتحت ظل الحزب الإلهي المزعوم !! فمن العبث أن نستمر في مساعدة أي دولة، وهي تتحين الفرص لمزيد من الطعنات التي تمس أمننا وحدودنا وسياستنا، وبغض النظر عمن المسؤول عن ذلك أو موقف أغلبية الشعب اللبناني، فإن ما يظهر للعيان في لبنان أشبه بإعلان حالة حرب وعداء مستمر لكل المواقف السعودية والخليجية المشرفة، وعلى من يفترض أن يكونوا أصدقاء قبل الأعداء في لبنان أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه شعبهم.. عليهم أن يعرفوا أن المستجدات والأوضاع السياسية في المنطقة لا تضعهم أصلا في قائمة أولوياتنا ولا ينبغي أن يكون ذلك حتى حين!! [email protected]