كانت في المسفلة عدة بساتين متجاورة تمثل على الرغم من وضعها القديم متنفسا ورئة لسكان هذا الحي الكبير وما يجاوره من حارات وكانت تلك البساتين ومنها (بستان العجوزة وبستان حزام وبركة ماجل) تضم (مسابح) وأماكن للترويح عن النفس. وكانت تلك البساتين مملوكة لعدد من المواطنين فقامت أمانة العاصمة المقدسة بنزع ملكيتها منذ ما يزيد على أربعين سنة على أساس تحويلها إلى حديقة نموذجية عامة، وتمت إزالة جميع ما في تلك البساتين من أشجار وآبار وبرك، وعندها تعجب الناس عندما رأوا المعدات تقتلع الأشجار الباسقة، فما دام أن نزع ملكية الموقع هدفه إنشاء حديقة عامة فكيف تنزع الأشجار العملاقة؟ ثم بقي الموقع بعد تجريده من أشجاره لسنوات طويلة أرضا جرداء بحجة انتظار الاعتمادات المالية المطلوبة لإنشاء الحديقة. وقبل نحو ربع قرن تقريبا اعتمد للمشروع مائة مليون ريال وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت وحتى هذا الوقت لأن أرض المشروع موجودة وكان يمكن بكل بساطة تسويرها بالأشجار المقاومة للجفاف مثل النخيل أو النيم وفرشها بالنجيلة الخضراء وإقامة عدد كاف من دورات المياه وجلسات للعائلات وعدة أكشاك على جانبها تؤجر لبيع المرطبات والمياه والوجبات الخفيفة ينفق منها على صيانة الحديقة ونظافتها، ولكن مشروع الحديقة نفذ بطريقة مبالغ فيها وقد عملت في الأرضية أخاديد تملأ بالمياه وطرقات للسير ومجسمات أسمنتية لا معنى لها دون أن تكون فيها الساحات المطلوبة من النجيلة أو الأشجار التي تحولها فعلا لا قولا إلى حديقة، وهكذا تمت بعثرة ذلك المبلغ على مشروع يمكن أن يسمى بأي اسم إلا أن يكون حديقة. وبعد فترة وعلى إثر فشل الموقع في جذب المتنزهين لعدم وجود حديقة تمت تجزئة الموقع لعدة مواقع استثمارية فجعل جزء منه قصر أفراح وجزء آخر لمستثمر ليحوله إلى ملاه للأطفال دخولها يكون برسوم وجزء ثالث أقيمت عليه منشآت إدارية وجزء رابع سوق تجاري ومواقف سيارات. ثم لم تمض إلا سنوات قليلة حتى أغلق بعض هذه الأنشطة وظل الموقع مقفلا وما زال يحمل اسم حديقة المسفلة فأين هي حديقة المسفلة؟ وأقول إن الموقع يعتبر في قلب مكةالمكرمة وما زال الأهالي ومن ينضم إليهم من ضيوف الرحمن بحاجة إلى متنفس يكون مفتوحا لهم يقضون فيه ساعات من نهار بدل قضاء ذلك الوقت على قوارع الطرق، ولذلك فإن من المصلحة أن تتم إعادة إحياء الحديقة وبتكاليف مقبولة وهذا يقتضي إزالة جميع المنشآت التي أحدثت وتحويل الموقع إلى حديقة يكفي لإنشائها غرس أشجار حولها وفرش أرضيتها بالنجيلة الخضراء وتكون سقياها من المياه الجوفية المتوفرة في الموقع وبعض الخدمات البسيطة وهذا لا يكلف عشر المبلغ الذي صرف عليها من قبل وهذا هو النموذج المثالي لما رأيناه من حدائق تقع في قلب بعض مدن العالم المتحضر وعندها تصبح حديقة المسفلة اسما على مسمى وإلا فلا!