التجمهر حول هيئة الأمر بالمعروف لا يختلف عن الجمهرة حول أي أمر آخر حتى ولو بقي عند حد فكرة بسيطة تقع محل الجدل بين شخصين مختلفين في الرأي والمنطق، إلا أن الترابط الجماهيري بقضية الهيئة هو ارتباط روحي وعاطفي أكثر من التعامل مع فكرته كجهاز خدمي مكلف بوظيفة. حينما حاولنا قراءة غالبية الآراء في الأحداث الماضية والتي يأتي مضمونها عن «الهيئة إزاء المجتمع» بالرغم من أنها تفسر كأخطاء حتى في تعامل الجهة الرسمية معها، وبرغم أنها ممارسات تحرج الجمهور المؤيد لها قبل أن تحرج الجهاز نفسه في كل مرة، إلا أننا نلتمس غلبة العاطفة على التعاطي العقلاني مع هذه المسائل، ونجد من يبرر ويلتمس الأعذار في أخطاء واضحة وغير مقبولة، ولو أن الخصم في حدث منها كان بعيدا عن الهيئة لرصدنا موقفا شعبيا موحدا برفض ما قد حدث، لكن سر التناقض في هذه الأحداث يأتي من مضمون جوهري قائم في نفسية الجماهير ولو كانت غير متجانسة، أي أنها اكتسبت خصائصها المحددة حول قبول أو رفض أمور متناقضة في الاتجاهات، وأصبح كل حدث يضع الفريقين ضد بعضهما في حلبة الصراع وعلى وضع التباري، ويتيح المجال في التعبير من وجهة نظر الفريق العاطفية وليس الرأي المستقل الفردي، حينها تنطق الآراء عن الهوى. إنها مسألة تعصبية صرفة مضمونها فكرة الهزيمة أو الانتصار في الجدل والنقاش حول الأشياء التي لا يتمكن الفرد من التنازل عن قناعاته نحوها ولو بشكل جزئي، حتى لو اكتشف أنها خاطئة، كونه يشعر بالهزيمة في تنازله عن رأيه ومواقفه تجاه الآخر، فكيف إذا كانت هذه القناعة تسكن في كينونة خاضعة «لقانون الوحدة العقلية» كما هو حال الجمهور، الذي يحدد للفرد اتجاهاته العاطفية والنفسية ويغيب شخصيته الواعية ومسؤوليته عن رأيه. الهيئة مؤسسة تمثل التعبير عن حاجيات نفسية لدى فئات من المجتمع، والقيادة الحقيقية لذهنية الجمهور نحوها تأتي من قيامها على نمط روح الجماعة المستنبط من الموروث والتقاليد والعاطفة الدينية التي تشكلت وفق اتحاد ذهني مجتمعي متعارف عليه في الماضي، وحالة الانقسام التي نعيشها اليوم ناتجة عن تحلل الروابط الروحية والثقافية، وتفسر وجود حالة تموضعت على سابقتها وخرجت على إثرها فئات متضادة في الرأي والتفكير، لكن هذا التنافر سيخلق التغيير، وسيساعد في الكشف عن الكثير من المغالطات والتجاوزات التي يراها البعض في يومنا هذا حقوقا مشروعة. [email protected]