منذ أكثر من عشرة أعوام، والكثير من البرامج عُرضت على القنوات التلفزيونية بما تحمل في مضامينها من عروض التقليد الساخرة للشخصيات الإعلامية والفنية على الصعيدين الخليجي والعربي، وقد كانت من البرامج المسلية التي تؤخذ في إطار القبول لدى العامة، ولكن البرنامج «واي فاي» الذي تعرضه قناة mbc في موسمه الحالي، أثار الكثير من الجدل حول تقليد الشخصيات التي تناولها فريق التمثيل في حلقاته الأولى، خصوصاً الشخصيات الدينية وغيرها من التي حصلت على شعبية من المتابعين من خلال البرامج الافتراضية للتواصل الاجتماعي. وعلى الوجه المهم في القضية، يجب أن نعرف أن لا أحد فوق النقد إلا الأنبياء المنزهين والمعصومين منه، ولكن القدسية والنزاهة التي يعتقدها الفكر الاجتماعي السائد حول التعرض للمتحدثين باسم الدين جعلتهم لا يفرقون بين السخرية والنقد الساخر، وبالتالي تضعهم في منطقة النزاهة المحظورة، وغير ذلك لاحظت جرأة البعض من المعارضين على الاستدلال بالنصوص الشرعية لتوثيق اعتراضاتهم، وقد قرأت كثيراً من ردود الأفعال التي ترفق مع اعتراضها على هذا النقد نصوصاً من القرآن والسنة تتضمن معاني مؤثرة للوعيد الشديد الذي ينتظر الذين يسخرون من المؤمنين ليؤيدوا بهذه النصوص آراءهم حول هذا الموضوع، وكأنهم يخرجون الفريق الآخر عن دائرة الإيمان! هذه الاصطفافات التي تظهر لنا في كل قضية بما تحمله من الخلافات الفكرية، تغذي المشاعر السلبية والتنافر بين الآراء، وتجعل أفراد المجتمع أحزاباً بطريقة «الضد للضد»، غير أن الأزمة الثقافية تكرس بدورها الخصومة بين الناس وترفض مبررات الإصلاح الفكري، وتجعل سلوك صاحبها يتجاوز القيم الأخلاقية الصحيحة في اعتقاده أنه «الحق المطلق»، وذلك في نحو الجهل بالتفريق بين النقد ولو كان ساخراً وبين السخرية، فإذا كانت السخرية فارغة لا تحمل في ما تعطيه تهذيباً أو فكراً تريد تحقيقه من ذلك السلوك نحو الافتراء أو التفضيح بإبراز العيوب، فإن كل ما يمكن انتقاده ولو بطريقة هزلية ولو أخذ أسلوب المبالغة في التقديم، إلا أنه على الجانب الآخر يقدم دوراً جيداً في البناء وتصحيح الأخطاء التي قد وقع فيها هذا الشخص وأستطاع الآخرون ملاحظتها، بينما تحمل هذه الأخطاء موقفاً مختلفاً عما يتحدث به، وتعطي تأثيراً سلبياً في صدقية الكلمة والفكر الذي يقدم للناس، أي أن النقد يعطي فكرة وهدفاً، وبذلك فإن النقد لخطأ الغير من سبل العدل معه، وكل ما يتوجب على المتلقي فهم الفكرة وبالتالي تقبل النقد. الإشكالية الأكثر عمقاً، ظن الأكثرية أن الاستقرار بمضي الجميع على رأي وخط واحد وكأن الحل لا يكون إلا بالإجماع والاتفاق، ولكن المتنفس الحقيقي في التعددية، والوعي بمفهومها، خصوصاً على المستوى الاجتماعي، فذلك يعطي شرعية لتقبل الاختلاف الثقافي ويعطي التعامل بين الناس على اختلافهم شكلاً مرناً، غير أن غياب مفهوم النقد الذي يعتبر ضرورة من ضروريات التعامل أدى إلى تأزيم المشاحنات والصراع وانعدام تقبل المخالف، على رغم أنه يعطي دوراً خلاقاً وتكاملياً يحقق بناء المجتمعات الإنسانية. [email protected] @alshehri_maha