استرجع الروائي طاهر الزهراني في حديثه ل «عكاظ» فرحته قبل عشر سنوات عندما صدرت روايته الأولى من دار نشر محلية صغيرة تقع في الحي الشعبي الذي يعيش فيه، بعد صدور مجموعته القصصية مطلع العام الجاري، وخرجت الرواية القديمة «في طبعة رديئة وبشعة للغاية» على حد تعبيره، وذكر أنها كانت «مليئة بالأخطاء الإملائية، والعثرات الفنية، إضافة لسقط يقدر بعشر صفحات». فقد مضت عشر سنوات من الكتابة، كانت ثمرتها سبع روايات، مجموعتين قصصيتين، رواية مترجمة، الآن ينظر إلى هذا النتاج ليقرر الاستمرار، أم التوقف؟ كان طاهر قاسيا مع نفسه خلال تلك الفترة الماضية، فالالتزام بالكتابة عمل مرهق. كذا الاستيقاظ مبكرا، والكتابة في ساعات الصباح الأولى، ثم النسخ على الكمبيوتر مرة أخرى، الاستمرار على هذه الصورة لشهور، ربما لسنة، مراجعة النص، تحريره، القراءة المملة والمرهقة للمسودات عشرات المرات، عرض ذلك على أصدقائه، وتدوين الملاحظات، ومن ثم العودة لتحرير العمل، وربما نقضه مرة أخرى، كل ذلك يستلزم جهدا مضنيا. وأوضح الزهراني أن الكتابة مشروعه الروائي خلال هذا العقد، لم يترك له فرصة التوقف يوما إلا ليسترد أنفاسه. وقال إن النتاج كان متفاوتا، فلقد كان يستقبل جميع الآراء والانطباعات باهتمام، الثناء يدفعه ويشجعه ويسعد به، والانتقادات والملاحظات يصغي لها جيدا، ويضعها في عين الاعتبار. وأشار الزهراني إلى أن القراء ربما لا يعرفون عن الكاتب إلا ما أصدره، لكن للنصوص حيثيات مغيبة عن تصور القارئ، وهذا من متع وجماليات الكتابة، بعض الروايات كانت رسالة حب وتضامن، وبعضها عزاء، وبعضها كتب للتداوي مثل «جانجي» و«الميكانيكي» وبعضها كانت رؤية وربما قلقا ك «نحو الجنوب» و«أطفال السبيل». بعض الأفكار التي كان يفكر أن يعمل عليها لتكون رواية كتبها قصة قصيرة، فكرة قصة قد تمكث في باله شهورا وربما سنوات ثم يكتبها خلال دقائق كما حدث معه في قصة «يوم السدرة» و«عُلب». خلال هذه السنوات العشر، استفاد طاهر من تجربته مع دور النشر، التي جعلته أكثر ثقة بما قدمه، وقد أخذ عهدا على نفسه قبل سنوات أن لا يدفع للناشر كي يطبع له، بل على العكس هو من يطالبه، لهذا ينبغي على الكاتب من وجهة نظره إذا كان مؤمنا بقيمة ما يكتب أن لا يتنازل عن حقه. ومن جهة أخرى قال إن النقد الذي يمارسه النقاد، أو زملاء الكتابة فإنه يسعد به كثيرا، لكن لا يعول عليه، تلك المراجعة، وذلك الانطباع الذي يأتي من شخص لا تعرفه، من أقاصي الشرق أو الغرب، وشعر أن ما كتبه لامس وجدانه، واستمتع به هو ما يعني له الكثير. وذكر أنه من الصحيح أنه خلال هذه السنوات التي قضاها في الكتابة لم يحصل على جائزة أدبية معروفة، لكنه اكتفى ببعض الأشياء التي صاحبت التجربة، والتي اعتبرها هدايا من حين لآخر، فعبر عن سعادته بترجمة «جانجي» للإنجليزية، وأيضا تحويل رواية «نحو الجنوب» إلى فيلم سينمائي، سعد أيضا بتقرير وكالة رويترز عن رواية «أطفال السبيل»، وبعض القراءات والأصداء التي أتت من الخارج على رواية «الميكانيكي»، هذه الأصداء اعتبرها تلويحة من بعيد بأن يستمر.. وفي ختام حديثه ل «عكاظ» يرى أن أجمل الأشياء في الكتابة تلك العلاقة الساحرة بين القارئ والكاتب، القارئ هو المتفضل على الكاتب بذلك الوقت الذي اقتطعه من عمره.. جميل عندما تشعر أن أحدهم في مكان ما في هذا الكون يقرأ لك، اقتطع جزءا من وقته الثمين، لزم زاوية في مكان صاخب، اختار لك وقتا قبل أحلامه ليكون معك لينصت لك، ثم يكون سحر القراءة فترسم بسمة، أو تذرف دمعة صادقة لشعور إنساني مشترك، ليس هناك أجمل من أن تسكن في قلوب ومخيلة الناس، وهذا بلا شك يشعر الكاتب بنوع من المسؤولية.