اتفق مثقّفون على أن عام 2009 الماضي، كان عاماً مليئاً بالأحداث والتغيرات على المستويين الثقافي والأدبي. ومال الكثيرون منهم إلى أن إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) هي الحدث الأبرز، يأتي بعدها مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث الذي انتهى قبل فترة، وكذلك ترشيح ثلاث رواية سعودية لجائزة البوكر، وأيضاً بعض الإصلاحات التي شملت الجانب الحقوقي. واحتلت «كارثة جدة» ومرض الشاعر الكبير محمد الثبيتي الجزء الأبرز من أحزانهم. وعبّر هؤلاء المثقفون ل «الحياة» عن أملهم في أن يحمل هذا العام كل خير وتغير للأفضل بالنسبة للحراك الثقافي السعودي، متفائلين بإطلاق أربع قنوات جديدة منها قناة ثقافية ستكون همزة وصل بين المثقف والمجتمع. ويقول القاص صالح الأشقر: «إن إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية من أهم الإنجازات الواقعية، والتي ستؤثر في البنية الاجتماعية والثقافية والعلمية والفكرية، بل إنها أحدثت حراكاً جميلاً غير مسبوق»، معتبراً أن مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث مناسبة ثقافية مهمة في ساحتنا الثقافية والاجتماعية، «فقد التقى المثقفون والمثقفات على صعيد واحد ودارت حوارات ونقاشات جادة تناولت مستقبل الثقافة والعمل الثقافي». وأشار الأشقر إلى أن صدور الأعمال الكاملة للشاعر محمد الثبيتي من نادي حائل الأدبي يعد حدثاً ثقافياً بالغ الأهمية، «بخاصة أن الشاعر الجميل يرقد على سرير المرض منذ شهور. وبهذه المناسبة أتمنى أن يرسل الشاعر الثبيتي إلى الخارج للعلاج في أسرع وقت، حتى لا نبكي عليه». وتقول الشاعرة بديعة كشغري: «شهد عام 2009 العديد من الأحداث الثقافية والاجتماعية والسياسية ذات الأبعاد الثقافية، بعضها كان ايجابياً مثمراً وكثير منها توشّح بالحزن، واذا ما بدأنا بالصعيد المحلي، فلعل الحدث الأبرز علمياً وتنموياً كان هو تأسيس جامعة كاوست وما أفرزته من أبعاد ثقافية. وحدث آخر هو انعقاد مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث، والذي شكل نقلة نوعية أخرى وحدثاً ضرورياً في مسيرتنا الثقافية»، مضيفة: «كما فرحنا في بداية العام بتعيين نورة الفائز كأول امرأة تشغل منصب نائب وزيرالتربية والتعليم لشؤون البنات في المملكة، ومن الأمور المبشرة في ما يخص الحدث النسائي حقوقياً، صدور قرارات عززت من دور المرأة في المجتمع منها، زيادة عدد المستشارات غير المتفرغات في مجلس الشورى من 6 عضوات إلى 12 عضوة، واختيار الأميرة عادلة بنت عبدالله مشرفة لأول برنامج لرفع الثقافة الحقوقية للمرأة، وصدور قرارات من وزارة التجارة تسمح للمرأة بمزاولة جميع الأنشطة التجارية دون استثناء، إلى جانب مزاولة نشاط التعقيب في الإدارات الحكومية النسائية، والسماح لسيدات الأعمال بافتتاح مؤسسات تجارية من دون وكالة شرعية». وعدت كشغري صدور ديوانها «لست وحيداً يا وطني» حدثاً ايجابياً على الصعيد الشخصي، كما عبرت عن حزنها لمرض الشاعر محمد الثبيتي وتمنت تفعيل صندوق الأدباء السعوديين. وعن الكتب التي استوقفتها، قالت: ديوان «هذيان في معبد الضجر» لمؤلفه السعودي الشاب أحمد قرنقاوي والكتاب الثاني هو «انهيار العولمة وإعادة اختراع العالم» لمؤلفه «جون رالستون سول» وترجمة محمد الخولي، وهو كتاب شيق يتنبأ بانهيار إمبراطورية التجارة الحرة». واعتبر الكاتب عبدالعزيز السماعيل العام الماضي مر عليه بسلام على المستوى الشخصي: «فهذا هو العام الأول لي بعد مرور عشر سنوات من العمل في أقسام إدارة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالدمام، وفيه استطعت إلى حد كبير تحقيق بعض ما كنت أطمح إليه من اهتمام وتركيز خاص على القراءة التي منحتني الكثير من الفرح والسعادة ثم الكتابة من خلال انجاز عدد من النصوص المسرحية والدراما التلفزيونية. كما كان العام جيداً في إعادة تنظيم العلاقة مع النشاط الثقافي في المنطقة والمملكة عموماً من خلال المشاركة في بعض المنتديات وإعداد وتقديم بعض المحاضرات، والحصول على عدد من التكريمات المحلية والعربية، أما الأهم في اعتقادي فقد كان لمصلحة توثيق العلاقات الأسرية والتواصل معها». الخطاب الثقافي وعثراته وعدت الناقدة سماهر الضامن ترشيح ثلاثة أعمال روائية سعودية في هذا العام لجائزة البوكر بعد غياب لدورتين متعاقبتين «حدثاً بارزاً أشعل الكثير من الصخب، وبصرف النظر عن الجدل الذي دار حول طبيعة هذا الترشيح واستحقاق الروايات له». وذكرت أن هناك ثمة تركيز على الخطاب الثقافي، «كمحاولات للخروج به من عثراته، وتمثلت في الملتقيين الأبرز: مؤتمر الأدباء السعوديين، وملتقى الحوار الوطني، الذي اتخذ من الخطاب الثقافي مادة للجدل والحوار، وقد خرج المؤتمرون والمؤتمرات بتوصيات مهمة لو أنها تجد طريقها للتحقق». وعن المؤلفات قالت الضامن: «أما الأبرز فمسألة يصعب الحسم فيها بالنسبة إلي، فليس ثمة كاتبة أبرز وليس ثمة كتاب أبرز، المزيج المتشكل من كل ما أقرأ هو الكتاب الأبرز». وعدت العام الماضي «عاماً شحيحاً علي بالوقت للقراءة والمتابعة، وإن كنت لم أفوت قراءة مؤلفات الغذامي ومحمد العباس وعبدالله بخيت، عدا قراءات من هنا وهناك لغير الكتاب والكاتبات محلياً». وأضافت: «2009 عامي الشخصي بامتياز... رسمت فيه الكثير من الخربشات على جدران أحلامي شطب منها ما شطب وبقي ما بقي، أطوي صفحة تجربة أظنها الأصعب في حياتي على المستوى الشخصي، مازلت أجتهد لترميم آثار عبورها. ناقشت رسالة الماجستير، وكانت المناقشة من أبدع ما قد يكون وأحضر الآن لطباعتها وأرسم خريطة حلم جديد لإكمال الدراسة ربما في جامعة الملك سعود، كما خضت تجربة العمل الاجتماعي والحقوقي وتهت في دهاليزها وانتهيت بالنفور التام، ما زلت حقاً أجهل سر نفوري من هذه التجربة على رغم تقديري للساعين في الدرب». وختمت بأن أكثر ما يسعدها لهذا العام «أنني بدأت أرى زهرتي حياتي تفوحان لا لأن تربية الأطفال هي أبعد اهتماماتي كامرأة، بل لأني كنت دوماً على يقين بأن هذا هو مؤشر النجاح والفشل، أطفالي صفحة بيضاء وهبني الله إياها وقد ملئت صخباً وجنوناً وألواناً وحياة». أما القاص والروائي طاهر الزهراني فشدد على أن أهم فعالية ثقافية لهذا العام «هي فعاليات ملتقى قراءة النص الذي عقد في جدة تحت عنوان «الرواية في الجزيرة العربية» وكان ثرياً على مستوى الأطروحات وكذلك على مستوى الحضور». وعلى المستوى الشخصي رأى أن مشاركته في أمسية قصصية مع القاصين فهد الخليوي وخالد المرضي من أهم الفعاليات الأدبية بالنسبة إليه. واعتبر أن صدور روايته «جانجي» باللغة الإنكليزية «كانت بمثابة ميلاد جديد لي ، لأنه قدمني للآخر الذي لن أستطيع التواصل معه إلا بلغة مشتركة». وعن أمنية للعام القادم قال: «أتمنى أن يجد الجيل الصاعد فرصة لكي يتنفس!». ويقول الروائي عبدالله الوصالي: «قد تكون الأحداث شيئاً معلناً يشترك في رؤيته الجميع بينما الكتب هي ذات طبيعة شخصية و تحت حكم شخصي، من قارئها بالدرجة الأولى وقد تحقق بعض الكتب حولها رأياً عاماً، ولكن ذلك نادر الحدوث، كذلك بالنسبة إلي لا أتقيد بإصدارات هذا العام من الكتب فقد أقرأ كتاباً صدر قبل سنتين أو ثلاث أو ربما أكثر هذا العام و أعود أحياناً لكتب تاريخية ومراجع ألفت منذ أعوام». وأضاف: «ولا يبدو أن هناك أحداثاً ثقافية مختلفة أو مبهرة بشكل كبير، و قد يكون تدشين ملتقى القصة القصيرة الأول في القاهرة من ضمن الأحداث التي تميز بها العام الماضي وعلى المستوى المحلي كان ملتقى الأدباء السعوديين وقرار انعقاده كل سنتين من الأحداث الجيدة و ذات الصدى الطيب في نفوس المثقفين». وعد الوصالي انجازاته الشخصية صدور روايتي «بمقدار سمك قدم» والانتهاء من تنقيح مجموعتي القصصية الثانية «أمشاج». واعتبرت الشاعرة هدى الدغفق أن أهم ما أنجزته هو «العمل على كتاب جديد يصدر خلال شهرين، والعمل في القسم الثقافي في صحيفة الوطن، وكذلك المشاركة في بعض الفعاليات الثقافية، وتكليفي رئيسة للجنة النسائية في النادي الأدبي بالرياض». ويتأسف القاص محمد البشير على أنه لم يستطع قراءة الكتب التي أشتراها في 2009 «ولكني أكتفي بأن أقول أن رواية «عزازيل» هي أهم رواية عربية قرأتها، واستمتعت بقراءتها؛ لما فيها من جهد روائي ومعرفي وتوظيف تاريخي». وعد أن أهم كتاب قرأه كان «للدكتور صالح زياد بعنوان «القارئ القياسي» وهو نتاج جهد بحثي وتأملي عالي الجودة». وعلى صعيده الشخصي قال: «أعد انخراطي في مرحلة الماجستير إنجازاً شخصياً وما تمخض عن ذلك من بحوث أكاديمية في ذات الصعيد ثمرة جيدة أستبشر بها نضجاً مقبلاً بالدربة والمزيد». وجاء أهم حدث للروائي حامد بن عقيل مختلفاً عن غيره، إذ كانت وجهته الترجمة. فيقول: «من أهم أحداث العام على الصعيد الثقافي صدور الترجمة العربية لنصوص الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس وهي أول ترجمة موسّعة لأشعار هذا الشاعر المؤثر في ثقافة العالم». ووصف العام الماضي بأنه مميز بالنسبة له «فقد صدر لي فيه أربعة كتب: «سيرة افتراضية – أماديوس» عن نادي حائل الأدبي، و»عصر القارئ» و»إله التدمير» عن دار طوى، و»الرواقي» عن دار جدار». ويقول القاص عبدالله النصر: «الأحداث هي ذاتها في كل عام، ولكنها تزداد وتيرتها ومستواها عاماً بعد عام، وتنوعت أحداث هذا العام، وكلها مشكلة للثقافة ومؤثرة في حياة المثقف من قريب أو من بعيد». وتمنى النصر» صحوة الضمائر النخبوية، النخبة المثقفة الواعية، وحملهم مسؤولية التوعية الصحيحة لا التضليل من أجل حطام دنيوي». وتحفّظ الشاعر طلال الطويرقي على سؤالنا عن أهم كتاب قرأه، وقال» أنت كمن يسألني عن أفضل وأنا مع هذه الأفضل على نقيض، فمسألة الفضيلة والتفضيل نسبية إلى حد بعيد بالنسبة لي على الأقل، لقد قرأت كثيراً من الكتب بين الرواية والفكر والفلسفة ولا أستطيع اختصار الحقول بكتاب هجين كما ورد في طلبك»، مضيفاً أن الحدث الأهم (إنسانياً) هو كارثة جدة ومالها من وقع كبير على كل ضمير يقظ. و بخصوص ما تم إنجازه الشاعر أجاب بأنه أنجز شيئاً من حلم على صعيد الكتابة، متمثلاً في إنجازه نصاً كتبه مسبقاً في العام السابق، وتشكلت رؤيته. وكشف الطويرقي أنه على صعيد القراءة أنجز الكثير من الأعمال التي تأخرت بين يديه قليلاً. القراءة وتوليد الدلالة فيما وصف القاص والروائي فهد الخليوي كتاب «القراءة وتوليد الدلالة» للباحث المغربي الدكتور حميد لحمداني بالمستحوذ على قدر كبير من اهتمامه في العام الماضي، «كونه يحلل في متنه، أزمنة القراءات قديماً وحديثاً على ضوء نصوص أدبية مختلفة تأويلياً ودلالياً من زمن لآخر». والكتاب يهدف كما يقول ويأمل المؤلف للسعي إلى «تغيير عاداتنا في قراءة النص الأدبي». وعدّ الخليوي حادثة غرق بعض أحياء مدينته المفضلة جدة، الحدث الأبرز والأكثر إيلاماً ورعباً، كونها عاصمة البلاد الثانية واصفاً الحدث بالكارثة الفظيعة، لأنها كشفت حجم الفساد المستشري كالسرطان في شرايين الإدارات الخدمية الأساسية التي تديرها البلديات وشؤون المياه والصرف الصحي. مؤملاً أن ينجح الوطن بقيادة الملك عبدالله في القضاء على الفساد الإداري وأزمة الضمير وقلة الأمانة، التي تراكمت على مر الأعوام وصنعت كارثة كبيرة و أليمة لن ينساها التاريخ الإنساني. وتطلع الخليوي إلى عام جديد يسود فيه الحب والبناء والسلام فوق أرض بلادنا الغالية.